ارشيف من :أخبار لبنانية
كيف قوضت صفقة تبادل الأسرى أسس النظرية الأمنية الاسرائيلية؟
كتب جهاد حيدر
ارتكزت النظرية الامنية الاسرائيلية منذ العام 1948 على ردع القوى المعادية وعلى امتلاك القدرة لرصد ومراقبة حركتها منعا لحصول مفاجآت امنية او عسكرية (الانذار)، فضلا عن تبني سياسة الحسم العسكري السريع والساحق في أي مواجهة محدودة أو شاملة.
وبما انه كان لهذه الاسس الثلاثة (الردع، الإنذار والحسم) ترجماتها العملية في تاريخ هذا الكيان.. يبرز التساؤل حول موقع صفقة تبادل الأسرى بين اسرائيل وحزب الله من أسس النظرية الأمنية الإسرائيلية؟
الردع:
أول ما تجلى فشل منظومة الردع الاسرائيلية في إقدام مجاهدي حزب الله على تنفيذ الوعد الذي اطلقه سماحة الامين العام السيد حسن نصر الله بأسر جنود اسرائيليين من اجل تحرير الاسرى اللبنانيين. غير عابئين بكل التهديدات وبقدرات اسرائيل الردعية.
كما تجلى تهشيم قدرة الردع الاسرائيلية في ثبات حزب الله على موقفه بعدم اطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين إلا من خلال عملية تبادل اسرى تتم في أعقاب مفاوضات غير مباشرة، حتى لو وقف الكون بأجمعه وراء إسرائيل. وهذا ما حصل حتى رضخت إسرائيل إلى هذه المعادلة. وتوج التسليم الإسرائيلي بفشل الرهان على القدرات الردعية من خلال مصادقة حكومة العدو على صفقة التبادل بصيغتها الحالية.
الإنذار:
تجسد سقوط الأساس الثاني في النظرية الامنية عبر فشل الاجهزة الاستخبارية والعسكرية للعدو في معرفة زمان ومكان واسلوب تنفيذ عملية الاسر، برغم ان سماحة الأمين العام كان قد كرر مرارا وتكرارا بأن حزب الله سيستعيد الاسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. وبرغم أن هذه الأجهزة لطالما تبجحت بقدراتها المعلوماتية والتقديرية، التي يُفترض ان تُمكِّنها من توفير الإنذار إزاء أي عمل معاد يستهدفها، لكن كل ذلك تهاوى مع تنفيذ ونجاح عملية الاسر في 12 تموز ومع فشلها في توفير المعطيات التي تسمح بإنقاذهما.
الحسم:
اما بالنسبة لسياسة الحسم الاسرائيلية فقد جربت اسرائيل هذا الخيار من خلال الحرب التي شنتها على لبنان في تموز/ يوليو 2006 لكنها فشلت وتلقت هزيمة تاريخية على ايدي مجاهدي حزب الله.
ومن هنا يمكن فهم سياق خضوع حكومة العدو لإرادة حزب الله عبر المصادقة على عملية التبادل؟ اذ كان واضحا ان مؤيدي ومعارضي صفقة التبادل من سياسيين وعسكريين اتفقوا على ان هذه العملية تشكل انجازا ونصرا لحزب الله برغم انهم اختلفوا في الموقف من الصفقة. وكان لافتا دعم وتمسك وتشجيع رئيس اركان الجيش غابي اشكنازي (والى جانبه رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء عاموس يادلين) لعملية تبادل الاسرى. وخاصة انه برر موقفه بأنه من اجل التمكن من النظر في عيون الجنود عندما يرسلهم إلى المعركة، بمعنى أن على الجنود ان يشعروا بأن جيشهم سوف يعيدهم الى عوائلهم بأي ثمن اذا ما وقعوا اسرى في ايدي العدو.
لكن ما ينبغي الالتفات اليه هو ان هذا الجيش المتفوق تكنولوجياً وعسكرياً، والمتباهي بانتصاراته في الحروب السابقة، يجد نفسه مضطرا لتأييد عملية تبادل الاسرى من اجل استعادة جنوده نتيجة شعوره بالعجز عن استعادتهم بأساليب اخرى: عمليات خاصة، الحسم العسكري، التهديد والوعيد...
وضمن هذا الإطار يمكن فهم ما يُقال بأن إسرائيل تهدف من وراء صفقة التبادل إلى نزع الأعذار من حزب الله حتى لا يهاجمها في المستقبل. أي أن إسرائيل لم تكن لتفكر بهذه الطريقة لولا إقرارها بعدم جدوى اللجوء إلى الردع أو الحسم.
أما بخصوص إمكانية وجود دوافع داخلية لاولمرت في المصادقة على صفقة التبادل، فيمكن العثور على العديد من المعطيات والأسس لهذا الافتراض من جهة أن اولمرت اراد أن يسجل بأنه أعاد الجنود الى "البلاد"، ولا يترك تحقيق هذا الامر لخليفته. لأنه سيظهر حينها كمن تسبب في اعتقالهم واطالة أمدهم في الأسر ثم اتى غيره و"حررهم".
كل ذلك مقرونا بحقيقة أن اولمرت وغيره يدركون بأنه لا يمكن لهم الرهان على الوقت لتحقيق انجاز ما، على ضوء تجاربهم العديدة مع حزب الله الذي لم يقدم اية معلومات تحدد مصير جنديين إسرائيليين أسرهما عام 1986، الا بعد تقديم اسرائيل اثمانا انسانية (اطلاق سراح عشرات المعتقلين من معتقل الخيام) بعد مضي خمس سنوات. ولم يسلم جثتيهما لاسرائيل الا بعد موافقتها على تقديم اثمان مقبولة تمثلت باطلاق سراح عشرات المعتقلين من معتقل الخيام، بالاضافة الى جثث اكثر من شهيد في العام 1996، أي بعد مضي عشر سنوات على عملية الاسر؟!.
الانتقاد/ العدد1278 ـ 4 تموز/ يوليو 2008
ارتكزت النظرية الامنية الاسرائيلية منذ العام 1948 على ردع القوى المعادية وعلى امتلاك القدرة لرصد ومراقبة حركتها منعا لحصول مفاجآت امنية او عسكرية (الانذار)، فضلا عن تبني سياسة الحسم العسكري السريع والساحق في أي مواجهة محدودة أو شاملة.
وبما انه كان لهذه الاسس الثلاثة (الردع، الإنذار والحسم) ترجماتها العملية في تاريخ هذا الكيان.. يبرز التساؤل حول موقع صفقة تبادل الأسرى بين اسرائيل وحزب الله من أسس النظرية الأمنية الإسرائيلية؟
الردع:
أول ما تجلى فشل منظومة الردع الاسرائيلية في إقدام مجاهدي حزب الله على تنفيذ الوعد الذي اطلقه سماحة الامين العام السيد حسن نصر الله بأسر جنود اسرائيليين من اجل تحرير الاسرى اللبنانيين. غير عابئين بكل التهديدات وبقدرات اسرائيل الردعية.
كما تجلى تهشيم قدرة الردع الاسرائيلية في ثبات حزب الله على موقفه بعدم اطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين إلا من خلال عملية تبادل اسرى تتم في أعقاب مفاوضات غير مباشرة، حتى لو وقف الكون بأجمعه وراء إسرائيل. وهذا ما حصل حتى رضخت إسرائيل إلى هذه المعادلة. وتوج التسليم الإسرائيلي بفشل الرهان على القدرات الردعية من خلال مصادقة حكومة العدو على صفقة التبادل بصيغتها الحالية.
الإنذار:
تجسد سقوط الأساس الثاني في النظرية الامنية عبر فشل الاجهزة الاستخبارية والعسكرية للعدو في معرفة زمان ومكان واسلوب تنفيذ عملية الاسر، برغم ان سماحة الأمين العام كان قد كرر مرارا وتكرارا بأن حزب الله سيستعيد الاسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. وبرغم أن هذه الأجهزة لطالما تبجحت بقدراتها المعلوماتية والتقديرية، التي يُفترض ان تُمكِّنها من توفير الإنذار إزاء أي عمل معاد يستهدفها، لكن كل ذلك تهاوى مع تنفيذ ونجاح عملية الاسر في 12 تموز ومع فشلها في توفير المعطيات التي تسمح بإنقاذهما.
الحسم:
اما بالنسبة لسياسة الحسم الاسرائيلية فقد جربت اسرائيل هذا الخيار من خلال الحرب التي شنتها على لبنان في تموز/ يوليو 2006 لكنها فشلت وتلقت هزيمة تاريخية على ايدي مجاهدي حزب الله.
ومن هنا يمكن فهم سياق خضوع حكومة العدو لإرادة حزب الله عبر المصادقة على عملية التبادل؟ اذ كان واضحا ان مؤيدي ومعارضي صفقة التبادل من سياسيين وعسكريين اتفقوا على ان هذه العملية تشكل انجازا ونصرا لحزب الله برغم انهم اختلفوا في الموقف من الصفقة. وكان لافتا دعم وتمسك وتشجيع رئيس اركان الجيش غابي اشكنازي (والى جانبه رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء عاموس يادلين) لعملية تبادل الاسرى. وخاصة انه برر موقفه بأنه من اجل التمكن من النظر في عيون الجنود عندما يرسلهم إلى المعركة، بمعنى أن على الجنود ان يشعروا بأن جيشهم سوف يعيدهم الى عوائلهم بأي ثمن اذا ما وقعوا اسرى في ايدي العدو.
لكن ما ينبغي الالتفات اليه هو ان هذا الجيش المتفوق تكنولوجياً وعسكرياً، والمتباهي بانتصاراته في الحروب السابقة، يجد نفسه مضطرا لتأييد عملية تبادل الاسرى من اجل استعادة جنوده نتيجة شعوره بالعجز عن استعادتهم بأساليب اخرى: عمليات خاصة، الحسم العسكري، التهديد والوعيد...
وضمن هذا الإطار يمكن فهم ما يُقال بأن إسرائيل تهدف من وراء صفقة التبادل إلى نزع الأعذار من حزب الله حتى لا يهاجمها في المستقبل. أي أن إسرائيل لم تكن لتفكر بهذه الطريقة لولا إقرارها بعدم جدوى اللجوء إلى الردع أو الحسم.
أما بخصوص إمكانية وجود دوافع داخلية لاولمرت في المصادقة على صفقة التبادل، فيمكن العثور على العديد من المعطيات والأسس لهذا الافتراض من جهة أن اولمرت اراد أن يسجل بأنه أعاد الجنود الى "البلاد"، ولا يترك تحقيق هذا الامر لخليفته. لأنه سيظهر حينها كمن تسبب في اعتقالهم واطالة أمدهم في الأسر ثم اتى غيره و"حررهم".
كل ذلك مقرونا بحقيقة أن اولمرت وغيره يدركون بأنه لا يمكن لهم الرهان على الوقت لتحقيق انجاز ما، على ضوء تجاربهم العديدة مع حزب الله الذي لم يقدم اية معلومات تحدد مصير جنديين إسرائيليين أسرهما عام 1986، الا بعد تقديم اسرائيل اثمانا انسانية (اطلاق سراح عشرات المعتقلين من معتقل الخيام) بعد مضي خمس سنوات. ولم يسلم جثتيهما لاسرائيل الا بعد موافقتها على تقديم اثمان مقبولة تمثلت باطلاق سراح عشرات المعتقلين من معتقل الخيام، بالاضافة الى جثث اكثر من شهيد في العام 1996، أي بعد مضي عشر سنوات على عملية الاسر؟!.
الانتقاد/ العدد1278 ـ 4 تموز/ يوليو 2008