ارشيف من :آراء وتحليلات

على العهد: غزة .. والنصر القادم

على العهد: غزة .. والنصر القادم
كتب إبراهيم الموسوي
لقد أسفر الصبح لذي عينين، ليس هناك أي التباس فيما يجري، هناك قرار عربي ـ غربي ـ أميركي ـ صهيوني، لتصفية المقاومة الفلسطينية، ومن ورائها كل قوى المقاومة والممانعة تمهيداً لترتيب تسوية ما تضيّع ما تبقى من حقوق فلسطينية وعربية. لا يصعب قراءة الذي يجري في غزة، ليست الدول والحكومات العربية مغلوبة على أمرها كما تدّعي، بل هي شريك كامل أعطى الضوء الأخضر ووافق وبارك، وهي تحض الصهاينة على عدم التوقف قبل إنهاء المقاومة.
المؤامرة والعدوان إذاً هما ضد المقاومة وقضيتها التي تعتنقها كل الشعوب العربية الإسلامية، وهي ضد القضية المركزية وجوهرها الفلسطيني في الصراع مع العدو الغاصب لاسترجاع الحقوق والكرامة المسلوبتين. ما سمعناه من بعض المسؤولين العرب فلسطينيين ومصريين كان على درجة كبيرة من الخزي، كانوا يلومون المقتول، بل يظهرون شماتة بغزة وأهل غزة تحت شعارات النصح الذي أسدوه لقيادات المقاومة ولحكومة حماس بضرورة التهدئة. إنها القصة ذاتها تتكرر، لقد احتل الصهاينة فلسطين، كل فلسطين، وأرادوا ومعهم حكومات عربية وغربية أن يفرضوا علينا منطق أن فلسطين هي فقط الموجودة في الضفة والقطاع، ثم بدأوا يساومون على الضفة والقطاع ويبنون المستوطنات والمزيد منها، والجائزة إذا ما التزمت المقاومة التهدئة ومضت في عملية التسوية وقبلت الانخراط في بازار الحلول التسووية والتنازلات، هي تجميد الاستيطان، والاعتراف ببعض شرعية على ما تبقى من أرضٍ لم تقضم، ثم جاء بناء الجدار العازل الذي قسّم البلدات وشطر المناطق وأحال الحياة إلى معاناة حقيقية، حتى إذا ما رفضت المقاومة ذلك وانتفضت عليه قيل إن هذا يضر بالتهدئة. أي تهدئة تلك التي يكذبون على الناس وعلينا بها، أي تهدئة في ظل العدوان المتمثل بالاحتلال والحصار. كان أهل غزة يجوّعون ويذلّون كل يوم وليلة، كانوا يموتون على المعابر، وكانوا يموتون كمداً، كانوا يموتون هماً وإذلالاً من دون أن يفعل العالم لهم شيئاً، بل لم يعرهم أي انتباه، حتى إذا ما لفتت المقاومة نظر هذا العالم اليهم ببضعة صواريخ محلية قامت قيامة العدو. الحصار عدوان مستمر، والاحتلال عدوان مستمر، ما الذي تغيّر على أهل غزة، كانوا يقتلون بالتدريج، اليوم يقتلهم العدو مرة واحدة، ويدمّر أرزاقهم وممتلكاتهم، ويُوقف كل ذلك في لحظة لو وقّع هؤلاء كما غيرهم على صكوك الذل والعبودية والتسليم للمحتل الصهيوني.
ثمة خلاصات يجب استنتاجها:
إن ما يجري هو من الحلقات الأخيرة لتصفية القضية الفلسطينية، وان ردود الفعل الرسمية العربية والغربية تكشف تواطؤاً وشراكة واضحتن من جانب الأنظمة والحكومات ضد فلسطين وأهل فلسطين وقضية فلسطين.
إن مجابهة هذا العدوان ودعم أهل غزة ومن ورائهم شرفاء فلسطين، هي واجب شرعي وأخلاقي وإنساني وديني. نعم تستطيع الشعوب أن تضغط على حكامها وحكوماتها، وتستطيع الحكومات أن تراجع حساباتها لتعلم أن شعبها أبقى لها وأنصح من الصهاينة وحلفائهم. سوف لن ينعم هؤلاء كثيراً في كراسيّهم إذا ما تمت تصفية القضية الفلسطينية، بل ستجد الولايات المتحدة ومن ورائها "اسرائيل" ملفات أخرى يجب فتحها في المنطقة. تستطيع المنظمات غير الحكومية والتجمعات الأهلية وشعوب العالم أن تفعل الكثير، هل تتذكرون كيف أسقطت تظاهرات لندن حكومة طوني بلير قبل سنتين في العام 2006.
يجب أن تستمر التظاهرات في العالمين العربي والإسلامي وفي كل أنحاء العالم، وتزخيم الضغط على الحكومات لدفعها إلى اتخاذ اجراءات ضاغطة على المجتمع الدولي وعلى حكومة العدو لوقف العدوان فوراً، كذلك فإن المطلوب كأولوية هو فتح معبر رفح وإمداد أبناء غزة بكل ما هو ممكن لدعم صمودهم ومقاومتهم. لن يحترم العالم ومؤسساته المتحضرة جداً العرب وقضاياهم كما لم يحترم يوماً دماءهم وقتلاهم وجرحاهم وأسراهم إلا إذا فرضوا عليه هذا الاحترام فرضاً، وذلك من خلال ممارستهم للسياسة بطريقة استقلالية سيادية بدعم مقاومة شعوبهم للاحتلال، لذلك فإن المطلوب من الأنظمة مراجعة حساباتها مع شعوبها، لأن الآتي سيكون عسيراً جداً. من الأفضل  للأنظمة العربية ألف مرة أن تتقاتل مع أعدائها بدل التقاتل مع شعوبها وخيانة قضايا هذه الشعوب العادلة.
تستطيع آلة الحرب الصهيونية أن تدمّر غزة، ولكن غزة لن ترفع الراية البيضاء ولن تستسلم، ما سيغيّر كل الواقع هو النتيجة الميدانية وكيفية سير المواجهات على الأرض، لأن القصف الجوي الجبان والغادر لن يغير في الواقع شيئاً. المجاهدون الفلسطينيون وأبطال غزة بانتظار الهجوم على أحر من الجمر ليذيقوا العدو ذل الهزيمة والهوان، وهم وطّنوا النفس على القتال بشرف وكرامة حتى نيل إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، ولن يخذل الله قوماً آثروا الشهادة وقدّموا الشهداء بين يديه "ولَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُه".
الانتقاد/ العدد1327 ـ 2 كانون الثاني/ يناير 2009
2008-12-31