ارشيف من :آراء وتحليلات
ملحمة غزة تحاكي انتصار تموز

كتب محمد الحسيني
ما أشبه اليوم بالأمس! فقد عاد تموز مرة جديدة بعناوينه وتفاصيله وأدواته، والأشخاص والقرارات والمواقف وسيناريوهات السياسة والحرب هي ذاتها، ولكن مسرح العدوان انتقل من لبنان إلى قطاع غزة، وتحوّلت عملية "الجزاء المناسب" الذي أعلنتها حكومة العدو عنوانا لشن عدوانها على لبنان عام 2006، إلى عملية "الرصاص المتدفق" عنوانا لحرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة المحاصر، وتحوّل الهدف الأميركي والإسرائيلي من حزب الله إلى حركة حماس. إنه تغيير بالاسم فقط، ولكن فصول اللعبة الأميركية ـ الإسرائيلية الدامية متشابهة إلى حد التطابق، مع شحنات إضافية من الإجرام والإرهاب.
واشنطن ومحور الشر
لطالما اعتبرت الإدارة الأميركية أن حزب الله وحماس وداعميهما إيران وسوريا ينتمون إلى ما يسمى "محور الشر"، وسارت الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وروسيا والكثير من الدول العربية تحت مقولة إن "عدم نزع سلاح حزب الله، وقيامه بعمليات من الأراضي اللبنانية، يشكلان تهديداً مباشراً لأمن الشعب اللبناني".. ولطالما أكد الرئيس الأميركي جورج بوش أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، على أن أياً كان ما تفعله يجب ألا يضعف الحكومة في لبنان"، وصولاً إلى إعلان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أن عمليات حزب الله "تهدد استقرار المنطقة وتتعارض مع مصالح لبنان وإسرائيل معاً".
وها هي إدارة بوش نفسها تعيد الموقف نفسه، ورايس نفسها التي بشّرت العالم بمخاض ولادة شرق أوسط جديد، تعيد تأكيد أن القضاء على حماس من شأنه جلب الاستقرار إلى "إسرائيل" أولاً وللمنطقة.. ولا موقف أكثر وضوحا من تصريح وزيرة الخارجية تسيبي ليفني من على المنبر المصري، حين اعتبرت أن "صواريخ حماس لا تهدد أمن إسرائيل فقط، بل أمن الشعب الفلسطيني والمنطقة والعالم بأسره". وهذا الموقف من القاهرة إعلان مباشر وقرار صريح بشن الحرب على قطاع غزة و"قطع رؤوس مسؤولي حماس".
شراكة عربية في العدوان
العرب بالأمس حمّلوا المقاومة في لبنان "المسؤولية الكاملة" عن تصرفاتها "غير المسؤولة"، ودعوا إلى "إنهاء الأزمة التي أوجدتها"، مطالبين بالتفرقة بين "المقاومة الشرعية والمغامرات غير المحسوبة". فيما وصف الرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني عمليات المقاومة بـ" المغامرات والأعمال التصعيدية غير المسؤولة" التي قد تؤدي إلى مواجهات "غير محسوبة لا تخدم القضايا العربية". واليوم خرج وزير الخارجية المصري انسجاماً مع توجيه رئيسه، ليعلن أن صواريخ حماس هي التي وفرت الأرضية لشن "إسرائيل" الحرب على الفلسطينيين، وأن مسؤوليها لم يستمعوا إلى التحذيرات، وعليهم تحمل المسؤولية.
وبعد مضي ثلاثة أيام على بدء العدوان المتواصل على غزة، لا يزال المجتمع الدولي يغض الطرف عن المجازر الصهيونية في غزة، وينقاد خلف الموقف الأميركي الرافض لوقف الحرب، متذرعاً بأن حكاماً عرباً هم الذين طلبوا وأصرّوا على التخلص من شوكة حماس، فيما يفرك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يديه منتظراً سقوط "الحالة الحمساوية الشاذة"، ولو كلف ذلك إبادة شعب بأكمله. وكذلك كان في تموز 2006، حيث رفض بوش أن يمارس ضغوطاً على "إسرائيل" لوقف عدوانها على لبنان، وبرّر ذلك المتحدث باسم البيت الأبيض طوني سنو آنذاك بالقول: "من الواضح أن الدول العربية من السعودية إلى الأردن إلى مصر لا ينظرون إلى حزب الله على أنه كيان حكومي مشروع، بل يعتبرونه تهديداً فاعلاً للحكومة اللبنانية".
انتصار تموز في غزة
أعلن مسؤولو العدو وعلى رأسهم ايهود اولمرت أن الأمور في غزة ستأخذ وقتاً أطول من المتوقع.. كما أعلن وزير الحرب ايهود باراك أن "العمليات" ستتواصل حتى تحقيق الأهداف. فيما دعا آخرون إلى توقع صور أسوأ من التي بثتها وسائل الإعلام. إذاً هي حرب إبادة معلنة بتخطيط مسبق وتنسيق كامل مع "المجتمع الدولي" والبعض من أنظمة العرب التي لم تعد قادرة على احتمال "ظاهرة حماس" وشكاوى محمود عباس من استمرار "خروج الغزاويين" عن طوع حكمه المقزّم. ولكن كما انهزمت الولايات المتحدة و"إسرائيل" ومن معهما في 33 يوماً في لبنان، فإن المقاومة الفلسطينية في غزة ستقوم بكتابة فصل جديد من فصول السقوط الأميركي والإسرائيلي وتهاوي أنظمة الخذلان والاستسلام، فزمن الهزائم قد ولّى، وها هو زمن الانتصارات.
الانتقاد/ العدد1327 ـ 2 كانون الثاني/ يناير 2009
ما أشبه اليوم بالأمس! فقد عاد تموز مرة جديدة بعناوينه وتفاصيله وأدواته، والأشخاص والقرارات والمواقف وسيناريوهات السياسة والحرب هي ذاتها، ولكن مسرح العدوان انتقل من لبنان إلى قطاع غزة، وتحوّلت عملية "الجزاء المناسب" الذي أعلنتها حكومة العدو عنوانا لشن عدوانها على لبنان عام 2006، إلى عملية "الرصاص المتدفق" عنوانا لحرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة المحاصر، وتحوّل الهدف الأميركي والإسرائيلي من حزب الله إلى حركة حماس. إنه تغيير بالاسم فقط، ولكن فصول اللعبة الأميركية ـ الإسرائيلية الدامية متشابهة إلى حد التطابق، مع شحنات إضافية من الإجرام والإرهاب.
واشنطن ومحور الشر
لطالما اعتبرت الإدارة الأميركية أن حزب الله وحماس وداعميهما إيران وسوريا ينتمون إلى ما يسمى "محور الشر"، وسارت الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وروسيا والكثير من الدول العربية تحت مقولة إن "عدم نزع سلاح حزب الله، وقيامه بعمليات من الأراضي اللبنانية، يشكلان تهديداً مباشراً لأمن الشعب اللبناني".. ولطالما أكد الرئيس الأميركي جورج بوش أن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، على أن أياً كان ما تفعله يجب ألا يضعف الحكومة في لبنان"، وصولاً إلى إعلان وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس أن عمليات حزب الله "تهدد استقرار المنطقة وتتعارض مع مصالح لبنان وإسرائيل معاً".
وها هي إدارة بوش نفسها تعيد الموقف نفسه، ورايس نفسها التي بشّرت العالم بمخاض ولادة شرق أوسط جديد، تعيد تأكيد أن القضاء على حماس من شأنه جلب الاستقرار إلى "إسرائيل" أولاً وللمنطقة.. ولا موقف أكثر وضوحا من تصريح وزيرة الخارجية تسيبي ليفني من على المنبر المصري، حين اعتبرت أن "صواريخ حماس لا تهدد أمن إسرائيل فقط، بل أمن الشعب الفلسطيني والمنطقة والعالم بأسره". وهذا الموقف من القاهرة إعلان مباشر وقرار صريح بشن الحرب على قطاع غزة و"قطع رؤوس مسؤولي حماس".
شراكة عربية في العدوان
العرب بالأمس حمّلوا المقاومة في لبنان "المسؤولية الكاملة" عن تصرفاتها "غير المسؤولة"، ودعوا إلى "إنهاء الأزمة التي أوجدتها"، مطالبين بالتفرقة بين "المقاومة الشرعية والمغامرات غير المحسوبة". فيما وصف الرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبد الله الثاني عمليات المقاومة بـ" المغامرات والأعمال التصعيدية غير المسؤولة" التي قد تؤدي إلى مواجهات "غير محسوبة لا تخدم القضايا العربية". واليوم خرج وزير الخارجية المصري انسجاماً مع توجيه رئيسه، ليعلن أن صواريخ حماس هي التي وفرت الأرضية لشن "إسرائيل" الحرب على الفلسطينيين، وأن مسؤوليها لم يستمعوا إلى التحذيرات، وعليهم تحمل المسؤولية.
وبعد مضي ثلاثة أيام على بدء العدوان المتواصل على غزة، لا يزال المجتمع الدولي يغض الطرف عن المجازر الصهيونية في غزة، وينقاد خلف الموقف الأميركي الرافض لوقف الحرب، متذرعاً بأن حكاماً عرباً هم الذين طلبوا وأصرّوا على التخلص من شوكة حماس، فيما يفرك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يديه منتظراً سقوط "الحالة الحمساوية الشاذة"، ولو كلف ذلك إبادة شعب بأكمله. وكذلك كان في تموز 2006، حيث رفض بوش أن يمارس ضغوطاً على "إسرائيل" لوقف عدوانها على لبنان، وبرّر ذلك المتحدث باسم البيت الأبيض طوني سنو آنذاك بالقول: "من الواضح أن الدول العربية من السعودية إلى الأردن إلى مصر لا ينظرون إلى حزب الله على أنه كيان حكومي مشروع، بل يعتبرونه تهديداً فاعلاً للحكومة اللبنانية".
انتصار تموز في غزة
أعلن مسؤولو العدو وعلى رأسهم ايهود اولمرت أن الأمور في غزة ستأخذ وقتاً أطول من المتوقع.. كما أعلن وزير الحرب ايهود باراك أن "العمليات" ستتواصل حتى تحقيق الأهداف. فيما دعا آخرون إلى توقع صور أسوأ من التي بثتها وسائل الإعلام. إذاً هي حرب إبادة معلنة بتخطيط مسبق وتنسيق كامل مع "المجتمع الدولي" والبعض من أنظمة العرب التي لم تعد قادرة على احتمال "ظاهرة حماس" وشكاوى محمود عباس من استمرار "خروج الغزاويين" عن طوع حكمه المقزّم. ولكن كما انهزمت الولايات المتحدة و"إسرائيل" ومن معهما في 33 يوماً في لبنان، فإن المقاومة الفلسطينية في غزة ستقوم بكتابة فصل جديد من فصول السقوط الأميركي والإسرائيلي وتهاوي أنظمة الخذلان والاستسلام، فزمن الهزائم قد ولّى، وها هو زمن الانتصارات.
الانتقاد/ العدد1327 ـ 2 كانون الثاني/ يناير 2009