كتبت رنا جوني
هي مدينة الإمام الحسين(ع) ارتبط اسمها به طيلة العقود الماضية، هذا التزاوج بين الاثنين أعطى للنبطية الطابع الديني بامتياز، ويبدو ذلك جليا مع قدوم شهر محرم الحرام، فيطغى الحزن والألم على المدينة وأهلها الذين يلتفون بالسواد طيلة أيام عاشوراء.
كل من يمرّ في مدينة النبطية قبيل دخول شهر محرم، ويزور ناديها الحسيني، تطالعه بوضوح أجواء الحزن والتحضير المتحمّس لمراسم عاشوراء من نشاط الشباب في تجليل جدران الحسينية بالسواد وإعداد اللافتات التي تحمل أقوالا مأثورة للامام الحسين(ع) لتنشرها في سماء المدينة الى بعض أصوات العزاء التي تنبعث من هذا المكان أو ذاك او من صوت المسجل في سيارة مارة.
من عام الى آخر، تتجدّد معالم عاشوراء، المناسبة الدينية المقدسة في الشارع النبطاني والتي تحمل كل سنة عنواناً كبيراً يرمز الى مفهوم من مصاديق استشهاد الامام (ع) والى العبرة لتكون مثالاً يحتذي به الشباب ويقربهم أكثر من القيمة الحقيقية للذكرى.
"كونوا أحرار" " هو العنوان التي تنطلق منه الذكرى هذا العام عنوان أكد عليه الحسين (ع) ليحدث التغيير ويكون الطريق نحو التحرر.
ويقول المسؤول عن مكتبة النادي الحسيني الحاج مهدي صادق الى ان جيل الشباب صار بعيداً عن معاني عاشوراء الأصيلة. لذا ارتأينا أن تكون عاشوراء هذه السنة مغايرة عن سابقاتها من الناحية الاجتماعية، لكي نعلّم هذا الجيل أصالة أهمية عاشوراء وقيمته عبر التاريخ، ولكي نسلط الضوء على مكانة النبطية التاريخية، لذا كان الهدف هذه السنة أن تكون عاشوراء مناسبة تجمع بين الدين وبين التوعية لجيل المستقبل لكي يدرك أهمية هذا الواقع لتبقى النبطية الرمز الأصيل لمناسبة أعطتها اسمها.
من العادات التي يحافظ عليها أهالي النبطية في هذه المناسبة اقامة أنواع خاصة من المأكولات وأبرزها "الهريسة" وهي أكلة شعبية تتكون من القمح والدجاج والماء وتتطلب جهداً كبيراً تتسابق النسوة الى المساهمة في تحضيرها تقرباً إلى الله تعالى، فضلاً عن توزيع الراحة والبسكويت الذي تلازم هذه المناسبة وترتبط بها، يضاف الى ذلك توزيع كعك العباس (نوع من المعجنات).
مسيرات ليلية
كيف يحيي أهالي النبطية الذكرى؟
بدءاً من اليوم الاول وحتى الثامن منه تقيم هيئة عاشوراء والنادي الحسيني مسيرات عاشورائية حسينية ليلية تجوب شوارع المدينة تتشح بالسواد والرايات الحسينية الكربلائية تتقدمها فرقة لطيمة الصدور واللطميات الكربلائية.
ولليوم التاسع طابع خاص، فبحسب الاعتقاد السائد انه يوم "الهيئة" اي اليوم الذي استعد الامام الحسين بن علي وأهل بيته للوداع والمعركة الاخيرة مع الطغاة. تحيي النبطية هذا النهار بمسيرات حسينية كبيرة تيمنا بما قام به الحسين ويتسابق الأهالي للمشاركة به كل على طريقته. تبدأ المسيرة من امام النادي الحسيني وصولاً الى النبطية الفوقا تتقدمها فرق الخيول والجمال والسبايا (هم نسوة اهل البيت الذين اقتيدوا اسرى الى قصر يزيد بن معاوية) اضافة الى الاندية الكشفية التي تتسابق كل منها للتعبير عن معنى المناسبة على طريقتها.
يشارك النادي الحسيني على طريقته في المسيرة التي يتقدمها مفتي النبطية الشيخ عبد الحسين صادق وهي تجمع كل اقطاب النبطية على مختلف انتماءاتهم الحزبية. والتاسع يوم حداد عام تشهده المدينة فتقفل المحال التجارية أبوابها باكراً، وتشهد المدينة اقبالاً كثيفاً للمواطنين من مختلف القرى والبلدات المجاورة، ويقيم عدد من الجمعيات الاهلية" الهريسة" على جوانب الطرق لتوزيعها على الوافدين.
اما اليوم العاشر فهو يوم الوداع، هذا اليوم الذي يستقطب آلاف المواطنين الذين يأتون باكراً الى النبطية من مختلف القرى والبلدات للاستماع الى "المصرع الحسيني"، ثم لمشاهدة تجسيد واقعة الطف في ساحة الامام الحسين او ما يعرف بـ "البيدر" التي بدأت تتطور وتلبس ثوب الحداثة كأنها حدث يجري اليوم.
هذا التطور في النص المسرحي دفع القيمين الى تجسيده بشكل يربط ما بين الواقعة ومجرياتها بأسلوب فني شيق. تعديلات كثيرة أدخلت الى النص المسرحي الحسيني. فنانون أمثال عمار شلق، وفاء شرارة، خالد السيد يشاركون في تجسيد شخصيات كربلاء بقالب مسرحي جديد.
المسرحية
تحولت عاشوراء اليوم  إلى مناسبة يجري عبرها ايصال أفكار للشباب عن واقعهم ويتم الربط بين ما حدث منذ آلاف السنين وما يحدث اليوم في مقاربة تاريخية حديثة تسلط الاضواء على مجريات الأمور في كل الميادين. وعن التطور الذي لحق بالنص المسرحي لتمثيلية عاشوراء يقول المخرج حسام الصباح إن كربلاء لم تكن حادثة في الزمان والمكان، وانما هي درس يتخطى الوقت عبر الأجيال ليكون مثالاً في مقاومة الظلم لذا أنهيت العمل المسرحي بكلمة "ان كان دين محمد لن يستقم الا بقتلي فيا سيوف خذيني".
ويلفت الصباح الى انه "وبعدما كان أهالي النبطية يجسّدون الواقعة سعينا اليوم الى تطوير الأدوات المسرحية لكي نوصل الفكرة الاساسية للمشاهد والتي تتمثل بعدم الرضوخ للظلم، أدخلنا التقنيات الحديثة عليها من الاضاءة الى الميكساج والمؤثرات الصوتية الحديثة، فضلاً عن إدخال الديكورات المتحركة لتتناسب والعمل اضافة الى اننا استعنا بممثلين محترفين جسدوا العمل بشكل متقن مما أعطاه جودة عالية".
العمل المسرحي الذي يجسد مسيرة الإمام الحسين وأهل بيته يضم اكثر من 150 ممثلاً ومؤدياً ويقوم هذا العام بتجسيد دور الامام الحسين السيد عبد الجبار بعدما جسّده في الاعوام الماضية كل من الفنانين علي سعد وعمار شلق، فيما يقوم بدور عمر ابن سعد الفنان خالد السيد، ويرى صباح ان وجود ممثل يملك تقنية جيدة في الأداء المسرحي يتمكن ان يجسّد الشخصية بكل ابعادها ومفاهيمها.