ارشيف من :آراء وتحليلات
فاصلة: أبعد من غزة...

كتبت ليلى نقولا الرحباني
لا نستطيع في أي لحظة عندما نرى الشهداء يسقطون في غزة الا ان نتذكر ما حل بلبنان في صيف 2006، فبين لبنان 2006 وغزة 2008، حكاية أجيال تنمو على وقع الشهادة، وأطفال تغفو على أصوات الطائرات وأزيز الرصاص، والخوف من ذاك "الغول" الذي يأتي بحثاً عن الطريدة، لا لشيء الا لانها تريد ان تطالب بحق لها، في أرضها، في كرامتها، في العيش بعزة وكرامة... بين غزة ولبنان تجربة تتشابه في احداثها واهدافها.
يخطئ من يعتقد ان غزة تحت النار اليوم، هي جزء منعزل عن مصير المنطقة او تجربة منفصلة عن الصراع الذي يجري، والذي كشفت عنه كوندوليزا رايس خلال العدوان على لبنان، وهو اقامة الشرق الاوسط الجديد، شرق أوسط تحكمه اسرائيل ونصبح نحن مجرد أتباع ومنفذين للمصالح الاسرائيلية، ومجرد مستهلكين لمنتجاتهم.
عام 2006 وبعد أن أيقن أرباب المشروع ان أدواتهم في الداخل لن يستطيعوا القيام بالمهمة الموكلة لهم، لقد قصروا عن أداء المطلوب بعد ان ساعدوهم في السيطرة على الحكم، وسخّروا الامم المتحدة ومجلس الامن لاستصدار القرارت الدولية، وعطلوا الدستور والمؤسسات. وفي النهاية يئس أصحاب المشروع من قدرة هؤلاء على تحقيق ما طُلب منهم، وأقروا بعجزهم، وقام احدهم يقول لصاحبة الفضل في وصوله "أشكرك على صبرك"، لانهم لم يستطيعوا تنفيذ الوعود التي قطعوها مقابل ما قدمه له الاميركيون... فكان أن أتى أصحاب المشروع بأنفسهم لتحقيق الهدف، فشنوا حربهم على لبنان بهدف انهاء أي فكرة لمقاومة او ممانعة، ويطلبون تحول الجميع عبيداً لمشروعهم وسائرين طائعين في الاطار الذي رسموه لنا. لكن ارادة الشعب المقاوم انتصرت، وانتصر معها لبنان الصغير الذي استطاع ان يحقق للعرب ما عجزوا عنه خلال ستين عاماً.
واليوم، ها هو المشروع نفسه يحاول ان يجرب حظه في غزة، غزة التي يعتقد انها الخاصرة الضعيفة للمشروع التحرري في الشرق الاوسط، المشروع الذي يؤمن ان شرق أوسط لا يحكمه أهله لا يمكن له ان يحيا، وهو مشروع أصيل يعتبر ان ارادة الشعوب الحرة بالحياة هي أقوى من كل الالات العسكرية والجيوش النظامية والمقاتلات والصواريخ.
لاول مرة في تاريخ الشرق الاوسط تنكشف الحقائق وتنجلي وتصبح بهذا الوضوح، لاول مرة لا يلبس الصراع في الشرق الاوسط لباساً طائفياً او دينياً، او يزيفونه بأقنعة. لاول مرة ينكشف ان الصراع هو صراع بين مشروعين ورؤيتين وطريقين لا يلتقيان:
- مشروع يريد الهيمنة على البشر والحجر ويحوّل أهل الشرق الى عبيد ومستهلكين، يريد ان يحوّل دول الشرق الى دويلات متناحرة تقوم على أحادية الدين والعرق لكي يبرر وجود اسرائيل الدولة اليهودية الصرف، التي تسيطر على الشرق وتحكمه، ويكون مواطنوها من العرب وغير اليهود، مواطنين درجة ثانية يُسخّرون في خدمة "شعب الله المختار"...
- ومشروع تحرري يريد شرق أوسط يحكمه ابناؤه المؤمنون بالتعايش، ويستفيدون من خيراته ويحافظون فيه على قيمهم الحضارية والانسانية والدينية، مشروع يدرك رافعو رايته قيمتهم الانسانية، ويدركون ان العيش الواحد بين العائلات هو مصدر غنى وازدهار، ويعلمون أهمية موقعهم الجغرافي والاستراتيجي المميز، فلطالما اعتبرت الامبراطوريات القديمة والحديثة ان المسيطر على الشرق ـ قلب العالم ـ هو المسيطر على العالم.
بالامس كان لبنان، واليوم غزة وغداً...؟. بالتأكيد سيكون هناك معركة غداً، فما دام بعض الحكام العرب يعيشون في هذا الدرك من الانحطاط، والتبعية العمياء، وجلد الضحية... سيكون امام شعوب المنطقة طريق طويل للوصول الى الحرية، للوصول الى النهضة والانطلاق في مسيرة التاريخ.
لا يستطيع العرب ان يدخلوا دورة التاريخ مجدداً، تلك الدورة التي خرجوا منها بعدما تخلوا عن الارادة في المقاومة والتغيير، لا يستطيعون ان يدخلوا الى التاريخ ليصنعوه بدل ان يعيشوا على هامشه، الا اذا شعر كل واحد منا انه مقاوم، كل بحسب ما يملك وبحسب قدرته... الا اذا اقتبس كل واحد منا، اسلوب منتظر الزيدي في المقاومة، لا لنوجهه لاسرائيل، بل لمن أوكلناهم على حاضرنا ومستقبلنا ومستقبل اولادنا.
الانتقاد/ العدد 1327 ـ 2 كانون الثاني/ يناير 2009
لا نستطيع في أي لحظة عندما نرى الشهداء يسقطون في غزة الا ان نتذكر ما حل بلبنان في صيف 2006، فبين لبنان 2006 وغزة 2008، حكاية أجيال تنمو على وقع الشهادة، وأطفال تغفو على أصوات الطائرات وأزيز الرصاص، والخوف من ذاك "الغول" الذي يأتي بحثاً عن الطريدة، لا لشيء الا لانها تريد ان تطالب بحق لها، في أرضها، في كرامتها، في العيش بعزة وكرامة... بين غزة ولبنان تجربة تتشابه في احداثها واهدافها.
يخطئ من يعتقد ان غزة تحت النار اليوم، هي جزء منعزل عن مصير المنطقة او تجربة منفصلة عن الصراع الذي يجري، والذي كشفت عنه كوندوليزا رايس خلال العدوان على لبنان، وهو اقامة الشرق الاوسط الجديد، شرق أوسط تحكمه اسرائيل ونصبح نحن مجرد أتباع ومنفذين للمصالح الاسرائيلية، ومجرد مستهلكين لمنتجاتهم.
عام 2006 وبعد أن أيقن أرباب المشروع ان أدواتهم في الداخل لن يستطيعوا القيام بالمهمة الموكلة لهم، لقد قصروا عن أداء المطلوب بعد ان ساعدوهم في السيطرة على الحكم، وسخّروا الامم المتحدة ومجلس الامن لاستصدار القرارت الدولية، وعطلوا الدستور والمؤسسات. وفي النهاية يئس أصحاب المشروع من قدرة هؤلاء على تحقيق ما طُلب منهم، وأقروا بعجزهم، وقام احدهم يقول لصاحبة الفضل في وصوله "أشكرك على صبرك"، لانهم لم يستطيعوا تنفيذ الوعود التي قطعوها مقابل ما قدمه له الاميركيون... فكان أن أتى أصحاب المشروع بأنفسهم لتحقيق الهدف، فشنوا حربهم على لبنان بهدف انهاء أي فكرة لمقاومة او ممانعة، ويطلبون تحول الجميع عبيداً لمشروعهم وسائرين طائعين في الاطار الذي رسموه لنا. لكن ارادة الشعب المقاوم انتصرت، وانتصر معها لبنان الصغير الذي استطاع ان يحقق للعرب ما عجزوا عنه خلال ستين عاماً.
واليوم، ها هو المشروع نفسه يحاول ان يجرب حظه في غزة، غزة التي يعتقد انها الخاصرة الضعيفة للمشروع التحرري في الشرق الاوسط، المشروع الذي يؤمن ان شرق أوسط لا يحكمه أهله لا يمكن له ان يحيا، وهو مشروع أصيل يعتبر ان ارادة الشعوب الحرة بالحياة هي أقوى من كل الالات العسكرية والجيوش النظامية والمقاتلات والصواريخ.
لاول مرة في تاريخ الشرق الاوسط تنكشف الحقائق وتنجلي وتصبح بهذا الوضوح، لاول مرة لا يلبس الصراع في الشرق الاوسط لباساً طائفياً او دينياً، او يزيفونه بأقنعة. لاول مرة ينكشف ان الصراع هو صراع بين مشروعين ورؤيتين وطريقين لا يلتقيان:
- مشروع يريد الهيمنة على البشر والحجر ويحوّل أهل الشرق الى عبيد ومستهلكين، يريد ان يحوّل دول الشرق الى دويلات متناحرة تقوم على أحادية الدين والعرق لكي يبرر وجود اسرائيل الدولة اليهودية الصرف، التي تسيطر على الشرق وتحكمه، ويكون مواطنوها من العرب وغير اليهود، مواطنين درجة ثانية يُسخّرون في خدمة "شعب الله المختار"...
- ومشروع تحرري يريد شرق أوسط يحكمه ابناؤه المؤمنون بالتعايش، ويستفيدون من خيراته ويحافظون فيه على قيمهم الحضارية والانسانية والدينية، مشروع يدرك رافعو رايته قيمتهم الانسانية، ويدركون ان العيش الواحد بين العائلات هو مصدر غنى وازدهار، ويعلمون أهمية موقعهم الجغرافي والاستراتيجي المميز، فلطالما اعتبرت الامبراطوريات القديمة والحديثة ان المسيطر على الشرق ـ قلب العالم ـ هو المسيطر على العالم.
بالامس كان لبنان، واليوم غزة وغداً...؟. بالتأكيد سيكون هناك معركة غداً، فما دام بعض الحكام العرب يعيشون في هذا الدرك من الانحطاط، والتبعية العمياء، وجلد الضحية... سيكون امام شعوب المنطقة طريق طويل للوصول الى الحرية، للوصول الى النهضة والانطلاق في مسيرة التاريخ.
لا يستطيع العرب ان يدخلوا دورة التاريخ مجدداً، تلك الدورة التي خرجوا منها بعدما تخلوا عن الارادة في المقاومة والتغيير، لا يستطيعون ان يدخلوا الى التاريخ ليصنعوه بدل ان يعيشوا على هامشه، الا اذا شعر كل واحد منا انه مقاوم، كل بحسب ما يملك وبحسب قدرته... الا اذا اقتبس كل واحد منا، اسلوب منتظر الزيدي في المقاومة، لا لنوجهه لاسرائيل، بل لمن أوكلناهم على حاضرنا ومستقبلنا ومستقبل اولادنا.
الانتقاد/ العدد 1327 ـ 2 كانون الثاني/ يناير 2009