ارشيف من :آراء وتحليلات
حدث في مقالة: العدو الإسرائيلي من هدف تدمير حماس إلى البحث عن استراتيجية خروج

كتب مصطفى الحاج علي
يبدو أن لحظة الحقيقة قد حانت بالنسبة الى الكيان الإسرائيلي، وبالتالي عليه أن يحسم خياراته: كيف؟ ولماذا؟
أولاً: ان أولى الدروس المستفادة من عدوان تموز على المقاومة، أن سلاح الجو لا يكفي وحده لحسم الحرب أو الفوز بها. نعم، يمكن لهذا السلاح أن يدمر ويقتل ويشيع الخراب، وأن يفرض مظلة رصد ومتابعة، وحتى تصفية، إلا أنه لا يستطيع ربح الحرب، بمعنى تحقيق أهدافها العسكرية بالكامل، وإنجاز أهدافها السياسية المعلنة منها والمسكوت عنها، وهذا هو الأهم.
ولذا جرى نقاش كبير حول عدم استخدام سلاح البر منذ اليوم الأول للعدوان، وأن التأخير في عدم استخدامه كان أحد أهم أسباب الهزيمة آنذاك.
اليوم يقف العدو الإسرائيلي أمام الاختبار نفسه: سلاح الجو دمر وقتل ويكاد، بل يبدو أنه استنفد أهدافه، ولم تبق له من مهام أساسية سوى اصطياد هدف هنا وهدف هناك، وبالتالي بات العدو الإسرائيلي أمام محك الاختيار بين الاكتفاء بما قام به، ما يعني عدم تحقيق أهدافه المعلنة والمتمثلة على نحوٍ رئيسي بوقف إطلاق الصواريخ التي ازدادت مدى وعمقاً وتأثيراً كحد أدنى، وتغيير الواقع في غزة لجهة تصفية حركة حماس كحدٍ أقصى، وتنفيذ اجتياح بري واسع يعرف تماماً كلفته المباشرة والاستراتيجية، مع عدم ضمان أن يؤدي إلى الإجهاز على حركة المقاومة الفلسطينية.
ثانياً: ان تحالف كاديما ـ العمل يدرك أهمية عامل الوقت بالنسبة اليه، ولا يخفى على أحد أن واحداً من أبعاد العدوان هو انتخابي، وما أنجز حتى الآن منه ساهم بالفعل في تحسين وضع باراك وكاديما انتخابياً. وإذا كان موعد انتخابات الكنيست هو في شهر شباط المقبل، وموعد التغيير الرئاسي في واشنطن الشهر المقبل، وموعد انتهاء ولاية رئيس السلطة الفلسطينية أيضاً الشهر المقبل، فلا يستطيع أن يغامر هذا التحالف باستمرار العدوان مفتوحاً وعدم نجاحه في وقف الصواريخ، ما سيحول ما اُنجز حتى الآن إلى خسارة لاحقة، لا سيما في ظل التنافس والمزايدات المفتوحة بين الأطراف المتنافسة انتخابياً، وحيث يسود جنون التطرف كامل الرأي العام الإسرائيلي تقريباً.
ما يعني أن أمام الحكومة الحالية أن تختار بين أحد أمرين: إما الاكتفاء بما أنجز مع اضافة انجاز آخر لديه هو الاتفاق على هدنة طويلة قابلة للتسييل انتخابياً، وإما المضي إلى النهاية في مغامرة غير محسوبة.
ثالثاً: إن التداعيات العربية للعدوان حتى الآن، وإن كانت دون التوقع المطلوب، إلا أنها بلا شك كانت فاعلة ومؤثرة وضاغطة، خصوصاً على منظومة ما يعرف بدول "الاعتدال العربي"، وتحديداً النظام المصري.. ولا يستطيع هؤلاء الذين هم في تحالف موضوعي مع الكيان الإسرائيلي، إلا أن يأخذ مضاعفات العدوان عليهم بالاعتبار، ومعه ـ بالتحديد، واشنطن التي ستنتظر إلى ذلك كتهديد لمصالحها في المنطقة، الأمر الذي سيشكل عامل ضغط غير مرئي على الكيان الإسرائيلي لوقف عدوانه، وعامل موازنة لمصلحة المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في غزة.
رابعاً: إن ردود الفعل الدولية حتى الآن، لا سيما الأوروبية وحتى الأميركية، كما يبدو من قناعة ثابتة، بأن العدوان الإسرائيلي لن يتمكن من تحقيق أهدافه، وأن تأثيراته وتداعياته المباشرة والمتوسطة والبعيدة المدى، لن تكون لمصلحة الكيان الإسرائيلي، ولا لمصلحة الأنظمة والأطراف التي تدور في فلك المشروع الغربي عموماً، والأميركي تحديداً.
ولذا حرصت فرنسا ـ بدعم أميركي غير معلن كما يبدو ـ إلى التحرك سريعاً لإيجاد مخرج ما، لا يبدو أيضاً بحسب ما يصدر من مواقف لقادة عسكريين صهاينة وسياسيين، بعيداً عن مناخ ما يدور من نقاشات داخل الغرف المقفلة اسرائيلياً وعربياً وإقليمياً.
إلى أين يقودنا كل هذا؟
يقودنا إلى خلاصة أساسية وهي:
أ ـ إن إيجاد مخرج ـ تسوية حالياً يبدو أنه انحياز الأفضل للكيان الإسرائيلي قبل سواه، لا سيما إذا ضمن من خلاله الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار، وهدنة طويلة الأمد.. واذا فشلت الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، فسيجد الإسرائيلي نفسه مضطراً لتنفيذ عمل بري قد يبدأ محدوداً ويتطور بحسب الكلفة وحجم المقاومة.
ليس المخرج الحالي يبدو أنه سينطلق من العنوان الإنساني مخرج للجميع، على أن تكون الهدنة الانسانية بمثابة جس نبض متبادل، وفرصة اختبار لكل الأطراف، لإمكان تطويرها إلى هدنة دائمة.
ج ـ العناوين الأخرى في التسوية من المتوقع أن تشمل العناصر الصعبة التالية:
ـ وضعية المعابر ومسؤولية الإشراف عنها وضمان استمرار فتحها.
ـ مصير الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط.
ـ دور السلطة الفلسطينية برئاسة أبي مازن في هذه التسوية.
في الأيام القليلة المقبلة ستحمل المزيد من المؤشرات حول وجهة الأمور، لكن مما لا شك فيه أنه برغم من كل الشهداء الذين سقطوا والدمار الذي لحق بغزة، فثمة فجر جديد للمقاومة يرسم حدوداً اضافية للقدرة الإسرائيلية، ويؤكد أن إرادة المقاومة لا تهزم ولا تلين، وثمة رسالة واضحة لمن يعينه الأمر، وهي أن غزة بحجمها ووضعها الصعب يواجه فيها الإسرائيلي ما يواجه، فأي مصير سينتظره في ما لو فكر بشن عدوان جديد على لبنان مثلاً، هذا برسم كل من لا يزال يجادل حول سلاح المقاومة.
الانتقاد/ العدد 1327 ـ 2 كانون الثاني/ يناير 2009
يبدو أن لحظة الحقيقة قد حانت بالنسبة الى الكيان الإسرائيلي، وبالتالي عليه أن يحسم خياراته: كيف؟ ولماذا؟
أولاً: ان أولى الدروس المستفادة من عدوان تموز على المقاومة، أن سلاح الجو لا يكفي وحده لحسم الحرب أو الفوز بها. نعم، يمكن لهذا السلاح أن يدمر ويقتل ويشيع الخراب، وأن يفرض مظلة رصد ومتابعة، وحتى تصفية، إلا أنه لا يستطيع ربح الحرب، بمعنى تحقيق أهدافها العسكرية بالكامل، وإنجاز أهدافها السياسية المعلنة منها والمسكوت عنها، وهذا هو الأهم.
ولذا جرى نقاش كبير حول عدم استخدام سلاح البر منذ اليوم الأول للعدوان، وأن التأخير في عدم استخدامه كان أحد أهم أسباب الهزيمة آنذاك.
اليوم يقف العدو الإسرائيلي أمام الاختبار نفسه: سلاح الجو دمر وقتل ويكاد، بل يبدو أنه استنفد أهدافه، ولم تبق له من مهام أساسية سوى اصطياد هدف هنا وهدف هناك، وبالتالي بات العدو الإسرائيلي أمام محك الاختيار بين الاكتفاء بما قام به، ما يعني عدم تحقيق أهدافه المعلنة والمتمثلة على نحوٍ رئيسي بوقف إطلاق الصواريخ التي ازدادت مدى وعمقاً وتأثيراً كحد أدنى، وتغيير الواقع في غزة لجهة تصفية حركة حماس كحدٍ أقصى، وتنفيذ اجتياح بري واسع يعرف تماماً كلفته المباشرة والاستراتيجية، مع عدم ضمان أن يؤدي إلى الإجهاز على حركة المقاومة الفلسطينية.
ثانياً: ان تحالف كاديما ـ العمل يدرك أهمية عامل الوقت بالنسبة اليه، ولا يخفى على أحد أن واحداً من أبعاد العدوان هو انتخابي، وما أنجز حتى الآن منه ساهم بالفعل في تحسين وضع باراك وكاديما انتخابياً. وإذا كان موعد انتخابات الكنيست هو في شهر شباط المقبل، وموعد التغيير الرئاسي في واشنطن الشهر المقبل، وموعد انتهاء ولاية رئيس السلطة الفلسطينية أيضاً الشهر المقبل، فلا يستطيع أن يغامر هذا التحالف باستمرار العدوان مفتوحاً وعدم نجاحه في وقف الصواريخ، ما سيحول ما اُنجز حتى الآن إلى خسارة لاحقة، لا سيما في ظل التنافس والمزايدات المفتوحة بين الأطراف المتنافسة انتخابياً، وحيث يسود جنون التطرف كامل الرأي العام الإسرائيلي تقريباً.
ما يعني أن أمام الحكومة الحالية أن تختار بين أحد أمرين: إما الاكتفاء بما أنجز مع اضافة انجاز آخر لديه هو الاتفاق على هدنة طويلة قابلة للتسييل انتخابياً، وإما المضي إلى النهاية في مغامرة غير محسوبة.
ثالثاً: إن التداعيات العربية للعدوان حتى الآن، وإن كانت دون التوقع المطلوب، إلا أنها بلا شك كانت فاعلة ومؤثرة وضاغطة، خصوصاً على منظومة ما يعرف بدول "الاعتدال العربي"، وتحديداً النظام المصري.. ولا يستطيع هؤلاء الذين هم في تحالف موضوعي مع الكيان الإسرائيلي، إلا أن يأخذ مضاعفات العدوان عليهم بالاعتبار، ومعه ـ بالتحديد، واشنطن التي ستنتظر إلى ذلك كتهديد لمصالحها في المنطقة، الأمر الذي سيشكل عامل ضغط غير مرئي على الكيان الإسرائيلي لوقف عدوانه، وعامل موازنة لمصلحة المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في غزة.
رابعاً: إن ردود الفعل الدولية حتى الآن، لا سيما الأوروبية وحتى الأميركية، كما يبدو من قناعة ثابتة، بأن العدوان الإسرائيلي لن يتمكن من تحقيق أهدافه، وأن تأثيراته وتداعياته المباشرة والمتوسطة والبعيدة المدى، لن تكون لمصلحة الكيان الإسرائيلي، ولا لمصلحة الأنظمة والأطراف التي تدور في فلك المشروع الغربي عموماً، والأميركي تحديداً.
ولذا حرصت فرنسا ـ بدعم أميركي غير معلن كما يبدو ـ إلى التحرك سريعاً لإيجاد مخرج ما، لا يبدو أيضاً بحسب ما يصدر من مواقف لقادة عسكريين صهاينة وسياسيين، بعيداً عن مناخ ما يدور من نقاشات داخل الغرف المقفلة اسرائيلياً وعربياً وإقليمياً.
إلى أين يقودنا كل هذا؟
يقودنا إلى خلاصة أساسية وهي:
أ ـ إن إيجاد مخرج ـ تسوية حالياً يبدو أنه انحياز الأفضل للكيان الإسرائيلي قبل سواه، لا سيما إذا ضمن من خلاله الاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار، وهدنة طويلة الأمد.. واذا فشلت الجهود المبذولة في هذا الاتجاه، فسيجد الإسرائيلي نفسه مضطراً لتنفيذ عمل بري قد يبدأ محدوداً ويتطور بحسب الكلفة وحجم المقاومة.
ليس المخرج الحالي يبدو أنه سينطلق من العنوان الإنساني مخرج للجميع، على أن تكون الهدنة الانسانية بمثابة جس نبض متبادل، وفرصة اختبار لكل الأطراف، لإمكان تطويرها إلى هدنة دائمة.
ج ـ العناوين الأخرى في التسوية من المتوقع أن تشمل العناصر الصعبة التالية:
ـ وضعية المعابر ومسؤولية الإشراف عنها وضمان استمرار فتحها.
ـ مصير الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط.
ـ دور السلطة الفلسطينية برئاسة أبي مازن في هذه التسوية.
في الأيام القليلة المقبلة ستحمل المزيد من المؤشرات حول وجهة الأمور، لكن مما لا شك فيه أنه برغم من كل الشهداء الذين سقطوا والدمار الذي لحق بغزة، فثمة فجر جديد للمقاومة يرسم حدوداً اضافية للقدرة الإسرائيلية، ويؤكد أن إرادة المقاومة لا تهزم ولا تلين، وثمة رسالة واضحة لمن يعينه الأمر، وهي أن غزة بحجمها ووضعها الصعب يواجه فيها الإسرائيلي ما يواجه، فأي مصير سينتظره في ما لو فكر بشن عدوان جديد على لبنان مثلاً، هذا برسم كل من لا يزال يجادل حول سلاح المقاومة.
الانتقاد/ العدد 1327 ـ 2 كانون الثاني/ يناير 2009