ارشيف من :آراء وتحليلات

في تونس وغير تونس... القمع بداية الطريق نحو الإنهيار

في تونس وغير تونس... القمع بداية الطريق نحو الإنهيار
عقيل الشيخ حسين
في الوقت الذي لم يعرف فيه بعد ما إذا كانت موجة الاحتجاجات التي شهدتها الجزائر ستتوقف مع تراجع الحكومة عن بعض القرارات التي رفعت بموجبها أسعار المواد الأساسية، يتجه الوضع في تونس نحو المزيد من التفاقم في ظل تصاعد المواجهات بين المتظاهرين وقوى الأمن، وهي المواجهات التي خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى والموقوفين في صفوف المتظاهرين، إضافة إلى الخسائر المادية الناتجة عن تدمير الكثير من الممتلكات ووقف الكثير من الأنشطة الاقتصادية والإدارية الحيوية.
وكانت المواجهات قد اندلعت منذ أكثر من شهر وتخللها إقدام العديد من الأشخاص على الانتحار بعد أن سدت في وجوههم سبل العيش في ظل تفشي البطالة وغياب برامج التنمية الحقيقية، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، إضافة إلى الفساد المالي الذي ينخر أجهزة الدولة ويرفع من منسوب النقمة عند المواطنين.
وقد زاوجت الحكومة التونسية في تصديها للأزمة بين استجابات للمطالب الشعبية تمثلت بإقالة مسؤولين كبار وإطلاق خطط إصلاحية لا يبدو أنها قد نجحت في امتصاص السخط الشعبي، وبين اللجوء إلى القمع الذي وصل إلى حد إطلاق الرصاص الحي بقصد القتل على المتظاهرين واستعمال غازات سامة تستخدم عادة كمبيدات للحيوانات ما أدى إلى موت العديد بالاختناق.
كما وصل الأمر بالسلطات حد إطلاق النار على مسيرات تشييع القتلى، حيث قتل شيخ متقدم في العمر مع زوجته أثناء قيامهما بدفن ولدهما الذي كان قد سقط قتيلاً في إحدى التظاهرات.
وشأن الإقالات والوعود الإصلاحية والأوامر بإطلاق معتقلين ممن لم يثبت قيامهم بأنشطة جرمية، لا يبدو أن الخطابات المتلفزة التي ألقاها الرئيس زين العابدين بن علي قد نجحت في وضع حد لتفاقم المشكلة.
بل من الممكن القول ان تفسيراته للمشكلة على أنها من صنع أيد خارجية، أو أنها فصل من فصول الإرهاب، وهي التفسيرات التي تجاهلت المشكلات الداخلية الحقيقية وترافقت مع نزول الجيش إلى بعض الأمكنة الحساسة في تونس العاصمة، قد رفعت من مستوى السخط الشعبي، إن على مستوى استمرار وتصاعد المواجهات، وإن على مستوى قيام جماعات من المتظاهرين بإحراق صور الرئيس في الشوارع.
ولا يبدو أن الرئيس التونسي قد حقق نجاحاً من خلال محاولة إدراج ما يجري في بلاده في سياق ما يقدم على أنه حرب يشنها الإرهاب على الديموقراطية، حتى ولو انبرى بعض المسؤولين الفرنسيين إلى الدفاع عنه بوصفه "قام بالكثير من الأمور"، حسب تعبيرهم. فالرئيس الفرنسي اكتفى، شأن الرئيس الأميركي، بالتعبير عن القلق إزاء ما يجري في تونس.
وبالطبع، لا يدري أحد ما إذا كان هذا القلق ناشئاً عن الخشية على مصير نظام ذي ارتباطات ممتازة بالغرب، أم من الخشية على حقوق الإنسان التي طالما رفع الغربيون عقائرهم منددين بما يلحق بها من انتهاكات في تونس. لكن الأكيد أنهم سعداء بما يجري شرط ألا يفضي إلى الحسم لمصلحة القوى الشعبية التونسية، ولا لمصلحة النظام التونسي الحاكم، بل سقوط البلد في وهدة الاحتراب الداخلي المنسجم مع استراتيجية الفوضى البناءة التي اعتمدها المحافظون الجدد وحظيت بعدهم بكل الرعاية الممكنة من قبل الديموقراطي باراك أوباما.
فتونس بنظرهم هي، شأن الجزائر ومصر والسودان واليمن والصومال ولبنان وصولاً إلى ساحل العاج ونيجيريا وغيرها من بلدان الشرق، مناطق وضعت في استراتيجيات ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر 2001، شأن مصر والسعودية وبلدان الخليج، على لوائح الشطب مباشرة بعد العراق وأفغانستان، على أساس أن تحولها إلى بلدان " ديموقراطية" يسارع في إسقاط النظامين الإيراني والسوري. وبالتالي في سقوط العالم ثمرة ناضجة في حضن الإمبراطورية الأميركية العالمية.
وسواء تعلق الأمر بأي من البلدان المذكورة وغيرها من البلدان المستهدفة، فإن الاستفراد بالحكم وتحويله عن طريق الفساد إلى وسيلة للإثراء غير المشروع، وإدارة الظهر لطموحات الشعوب وآمالها في العيش الكريم، والتسلط عليها بالقمع والقتل، لا يصب إلا في مصلحة قوى الهيمنة التي لم يحدث لها يوماً أن هرعت لنجدة الأنظمة المرتبطة بها عندما تأزف لحظة محاسبتها من قبل الشعوب.
بدلاً من القمع والتعسف واللااستقرار المفتوح على الخراب والدمار، يحسن بهذه الأنظمة أن تستفيد من تجارب الماضين، وأن تحسن قراءة استراتيجيات الهيمنة المتربصة بها، وأن تطلب الصفح من شعوبها، وأن تتصالح معها على طريق وضع سياسات مسؤولة وبناءة في هذا الزمن الذي لم يفعل فيه أكثر الزعماء العرب غير إلحاق الأذى ببلدانهم وبقضايا أمتهم الكبرى.
في هذا الزمن الذي وضعوا فيه بلدانهم خارج التاريخ وجللوها بالفقر والمهانة وهدروا مقدراتها وثرواتها طعمة للشركات والاستثمارات والمصارف الغربية، في وقت طغت فيه عربداتهم على استغاثات القدس وأنين المظلومين في غزة والضفة وسائر بقاع هذا العالم العربي والإسلامي المغلوب على أمره والمتحفز للانتقام لكرامته المهدورة.
2011-01-13