ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: المقاومة كثقافة

نقطة حبر: المقاومة كثقافة
كتب حسن نعيم
الرسالة التي وجهها الرئيس الكوبي " فيديل كاسترو" إلى مواطنيه عشية تنحيه عن السلطة منذ أشهر، تنطوي على إشارات عدة، لا بأس أن نتوقف عند اثنتين منها، لدلالتهما البالغة على ما نحن بصدد الحديث عنه من أمور المقاومة التي أصبحت صنو حياتنا في هذه المنطقة من العالم، التي تنصبّ عليها أنظار وأطماع كل العالم.
يقول "كاسترو" إنه تأخر في إعلان تنحيه عن السلطة برغم أن ظروفه الصحية لم تعد تسمح له بممارسة السلطة منذ أمد بعيد، لعلمه المسبق أن هذا القرار سيفرح أعداءه الإمبرياليين، نكايةً بهم استمر الرجل معتلياً سدة الرئاسة اسمياً فيما كانت مهام الرئاسة فعلياً بيد أخيه "شاؤول".
النقطة الثانية التي يجدر التوقف عندها والحديث عنها هي ما جاء في ختام الرسالة من أنه سيستمر في المقاومة، وسيكون مناضلاً بالأفكار في ما بقي له من أيام على وجه هذه البسيطة.
 بقدر ما تسوء الفكرة التبريريّة الأولى، القادة والزعماء العرب، بقدر ما تزعزع الثانية أسس وبناءات ملكهم العضوض.  يمكن للجميع أن يتماهوا مع الفكرة الأولى، ويمكن لهم أن يدّعوا أنهم مناضلون على قاعدة لكلّ نضاله ولكلّ طريقته في المقاومة، ولكن هيهات، هيهات أن يقنعوا حتى أنفسهم بما يقولون.
فالمقاومة الثقافية تفترض إيجاد مناخات تولّد حساسيّة وطنية قومية دينية، ترفض انتهاك الكرامة الوطنية من أي جهة كانت حتى لو كان المعتدي دولة قويّة وكبيرة كالولايات المتحدة الأميركية، والمعتدى عليه بلد صغير ككوبا.
المقاومة أيها السادة تفترض خلق بيئة ثقافية تعلي من شأن الذات في مواجهة الآخر المستكبر. وتوجد حساسيّة خاصّة إزاء كل ما يمس الكرامة الوطنية والقومية, الأمر الذي يستلزم بناء مؤسسات ثقافية تحمل مشروعاً فكرياً مقاوماً مناوئاً للهيمنة، تزرع خمائر المقاومة في التربة العربية الإسلامية، وتبلور مفهوم هوية ذاتية تلعب دوراً في تشكيل وعي مقاوم للسيطرة الأجنبية، وهذا حال من يريد أن يحضر في ذاته أولاً، لكي يكون حاضراً بين الأمم، لكن هذا بأي حال ليس حالكم أيها "السادة".
الانتقاد/ العدد1278 ـ 4 تموز/ يوليو 2008
2008-07-04