ارشيف من :آراء وتحليلات

مفاجأة وحذر في تل ابيب...

مفاجأة وحذر في تل ابيب...
كتب محرر الشؤون العبرية
كغيرها من العواصم والقوى السياسية اللبنانية، فوجئت تل أبيب بقرار استقالة المعارضة اللبنانية وإسقاطها حكومة الحريري ردا على إسقاطه التسوية السورية السعودية، تلبية لمطلب الإدارة الأميركية. المفاجأة الإسرائيلية أتت رغم أن أجهزتها ومسؤوليها جهدوا خلال المرحلة السابقة في استشراف ما يمكن أن يُقدم عليه حزب الله وحلفاؤه في المعارضة في مواجهة المخطط الذي يستهدفه، عبر المحكمة الدولية. لكن بدا أن الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، التي تتولى مسؤولية تقدير الأوضاع، لم يكن يخطر على بالها أن تقدم المعارضة اللبنانية على خيار "ديمقراطي" لقلب الطاولة في بيروت. وهذا ما ظهر جليا من كلام اللواء احتياط عاموس يادلين، في مقابلة مع صحيفة يديعوت احرونوت، الذي كان رئيسا للاستخبارات العسكرية حتى قبل أسابيع قليلة، اذ عرض السيناريوهات المحتملة لمآل الأوضاع في لبنان ردا على القرار الاتهامي ضد حزب الله، وفق الترتيب التالي: أن يفسره كل طرف وفق الطريقة التي يريدها ويتم استيعاب الاستنتاجات والجميع يسيرون إلى الأمام، أو احتدام الأزمة السياسية بحيث يستقيل وزراء حزب الله، (دون المعارضة) ما يدفع رئيس الوزراء سعد الحريري إلى الاستقالة (وليس إسقاطه من قبل المعارضة) أو اشتعال صدامات عسكرية داخلية وأخيرا إمكانية أن يقدم حزب الله على توجيه ضربات لإسرائيل. وذهب يادلين إلى حد التقدير بأن حزب الله سيتجنب تكرار تجربة غزة بتحمل المسؤولية المباشرة عن أي حكومة (عبر استبعاد الحريري عن رئاستها).
في المقابل لفت المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت احرونوت" "اليكس فيشمان"، إلى أن خيار إسقاط الحكومة كان ضمن مروحة الاحتمالات إلا انه كان مستبعداً، على أساس انه لم يملك ارجحية معتبرة لدى اجهزة التقدير. وبنظرة اجمالية إلى التقارير السابقة يبدو أن حديث المسؤولين والمعلقين الإسرائيليين كان متمحورا حول الخيارات العسكرية التي يمكن ان يقدم عليها حزب الله من قبيل السيطرة على لبنان أو إشعال الحدود مع إسرائيل.
لكن المفاجأة كانت أن المعارضة وضعت المشهد السياسي في لبنان على مسار تغيير دراماتيكي بآليات ديمقراطية، وهو ما كان خارج دائرة احتمالات أو ترجيحات الاستخبارات الإسرائيلية.
إلى جانب المفاجأة التي أصابت المؤسسة الإسرائيلية، فقد بدت الخيبة على كافة أجهزتها من الإدارة الأميركية التي اكتفت بالتصريحات الكلامية، وفي هذا المجال أوضح رئيس مجلس الأمن القومي السابق اللواء "غيورا آيلاند" أن الحريري "أقدم على رفض صيغة الاتفاق السوري السعودي، انطلاقا من تقديرات، لا اعلم إلى أي درجة هي أكيدة, تفيد بأن العالم الغربي ولا سيما الولايات المتحدة سوف يدعمه دعماً لا متناه"، لكنه أضاف مشككاً "لست أكيدا انه لن يفهم في مرحلة ما انه من اجل أن تسري الأمور بطريقة جيدة مع السوريين وليس مع الأمريكيين, عليه أن يجد طريقة ما للخروج من هذا الموضوع".
أما حذر القيادات الإسرائيلية فبرز في أقوال وزير الحرب الإسرائيلي "إيهود باراك" الذي وصف التطورات السياسية الداخلية في لبنان بأنها "شأن داخلي"، مؤكدا أن إسرائيل "تتابع عن كثب ما يجري" هناك، في حين رأى وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، في ذلك، "اختبارا للأسرة الدولية"، أما في مكتب رئيس الحكومة فقد رفضوا التعليق على الموضوع. وكشف بعض المعلقين عن أن نفي الجيش من أن يكون قد استنفر قواته على طول الحدود مع لبنان بهدف عدم القيام بخطوات تستفز حزب الله، وبالتالي رفع مستوى التوتر. ولفت آيلاند ايضا إلى انه "في حال تدخلت "إسرائيل" فإنها تكون قد قدمت إلى حزب الله حجة للقول بأن كل هذا يتم من اجل إسرائيل, وإسرائيل هي من تشجع على هذه الأمور"، مشيرا إلى أن "الصحيح حاليا هو أن نلتزم بالصمت".
في كل الأحوال، يمكن القول إن المرحلة التي يمر بها لبنان تشكل محطة فاصلة سوف تساهم في كشف ما لدى الولايات المتحدة و"إسرائيل" من أوراق فعلية في مواجهة حزب الله، عبر وضعها موضع الاختبار الحاد. وبالتالي فإن طبيعة وحجم ردود الفعل الدولية والإسرائيلية ستشكل عاملا كاشفا عن حقيقة المعادلة الإقليمية، إما باتجاه ترسيخها (وهو المرجح) من خلال تعامل تل ابيب معها، اضافة الى واشنطن وباريس، على انها حقيقة راسخة مع كل ما يترتب على ذلك من نتائج سياسية، أو باتجاه رفضها والرد بخطوات عملانية، وبالتالي فتح ساحة المواجهة على آفاق أخرى، وهو أمر مستبعد في هذه المرحلة.
2011-01-17