ارشيف من :أخبار لبنانية

لماذا تعثرت ولادة حكومة الوحدة الوطنية؟ وما هو دور فريق السلطة؟

لماذا تعثرت ولادة حكومة الوحدة الوطنية؟ وما هو دور فريق السلطة؟
كتب ابراهيم صالح
عندما عاد أعضاء الوفد اللبناني  إلى مؤتمر الحوار الوطني في الدوحة، على متن طائرة واحدة إلى بيروت استبشر الكثيرون خيراً، وسرى في خلدهم أن الأزمة الى زوال، وأن الباب مفتوح أمام من يقنع السلطة بضرورة الخروج نهائياً من فكرة الاستئثار الذي أودى إلى نفق الأزمة أصلاً.
وعندما تم انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، ازدادت موجة التفاؤل وسرى في وجدان اللبنانيين، أن الفريق الحاكم ربما تعلم من الدرس، ولا سيما أن البند الأول من اتفاق الدوحة قد نفذ.
ومع هذا المناخ قيل إن البند الثاني من هذا الاتفاق قاب قوسين او أدنى من التحقق، وخصوصاً أن الاتفاق نفسه ينص على عدد أعضاء حكومة الوحدة الوطنية، وينص أيضاً على حصص كل من المعارضة والموالاة ورئيس الجمهورية (11،16،3).
لكن رياح التطورات سارت خلاف كل التوقعات، واتضح يوماً بعد يوم أن فريق الاستئثار يعد العدة ليأخذ بيد ما قدّمه باليد الأخرى مكرهاً في اتفاق الدوحة.
إذ سرعان ما كشفت الأحداث عن الآتي:
1 ـ ان فريق الهيمنة، سمى رمز الأزمة ووجهها الأبرز، فؤاد السنيورة، رئيساً للحكومة إبان الاستشارات النيابية الملزمة، مع ادراكه المسبق أن هذا الرجل ما اعتاد إلا العرقلة وخدمة توجهات معينة لا تساهم اطلاقاً في تسيير عجلة العملية السياسية.
2 ـ إن الفريق عينه حجز لنفسه حقائب وزارية معينة، وقال إنه وتحت حجج واهية، يريد ان يعطيها للوزراء المحسوبين عليه، هذه الوزارات هي: المال، الاتصالات، العدل، الأشغال العامة، الإعلام والمهجرين.
3 ـ طفت إلى السطح فجأة ومن دون سند واضح، مقولة إن حقيبتي الداخلية والدفاع الوطني هما من حصة رئيس الجمهورية.
وأكثر من ذلك أن وزارة الدفاع محجوزة لوزير بعينه، وهو الوزير الياس المر.
وبدا واضحاً أن هذا الأمر معاكس تماماً لجوهر اتفاق الدوحة الذي لم يكن حبره قد جفّ بعد، إذ نص هذا الاتفاق على أمر واحد وهو أن تكون وزارة الداخلية من حصة "الكوتا" الوزارية للرئيس شرط أن يسمي وزيراً محايداً يرضى عنه كل الأطراف.
وكان جلياً أن فريق السلطة "شجع" على مسألة اعطاء وزارة الدفاع لكوتا الرئيس، وبالتحديد للوزير المرّ من منطلقات سياسية عدة منها أن هذا الوزير هو كان طوال الفترة الماضية من حصتها وفي عداد الفريق الوزاري الذي دار في فلكها إبان أشهر الأزمة، لذا فلن يكون بشكل أو بآخر وزيراً ولسيد العهد.
إلى جانب ذلك شاء هذا الفريق الذي يدرك سلفاً صعوبة أن تقبل المعارضة بهذا الأمر، أن يحدث فجوة بين المعارضة ورئاسة الجمهورية، ليؤسس ذلك لاحقاً لقوة سياسية تحاصر رمز المعارضة في الشارع المسيحي العماد ميشال عون، وبالتالي تحقق غاية إقصائه نيابياً.
وعندما أبدت المعارضة مجتمعة اعتراضها على هذه القسمة الوزارية غير العادلة وغير المنطقية إطلاقاً، وأصرت على أن يكون للعماد عون ومن منطلق أنه يرأس كتلة نيابية تضم 22 نائباً، وزارة سيادية، "ابتدع" السنيورة فكرة "السلتين"، وجوهرها ينهض على الآتي:
حدد للموالاة حصة معينة من الوزارات، وترك الباقي للمعارضة ورئاسة الجمهورية، وأن عليها تقاسم هذه الحصة (بما فيها وزارة الدفاع الوطني) بينهما.
وفيما كان السنيورة وبعد كل جولة اتصالات يقوم بها يرفض رفضاً قاطعاً تحديد مهلة زمنية لتأليف الحكومة، كان همّ الفريق السلطوي أن يُبعد عن نفسه شبهة العرقلة والتمسك بوزارات بعينها، وبالتالي إلصاق هذه التهمة بالآخرين، ولا سيما العماد عون وتياره.
وحيال ذلك كله كان اجتماع أقطاب المعارضة الأربعة ومساعديهم، والذي خصص لمناقشة مسألة أساسية وهي تحديد التوجه العام للتعاطي مع مرحلة تأليف الحكومة وما بعدها. وحسب أكثر من مصدر فإن هؤلاء الأقطاب اتفقوا على الخطوط العريضة الآتية:
ـ الانفتاح على كل ما من شأنه تسهيل تأليف الحكومة وإعادة بعث الحياة في الدورة السياسية.
ـ الوقوف مع العماد عون في كل مطالبه، والقبول بما يقبل به ورفض كل ما لا يجده مناسباً.
ـ التوجه إلى رئيس الجمهورية والطلب اليه ان يضطلع بدور أكبر وأكثر حزماً لمعالجة الأزمة الحكومية.
وعلى هذا الأساس أدى رئيس تيار "المردة" النائب السابق سليمان فرنجية دور الوسيط وزار قصر بعبدا لهذا الغاية.
وبالفعل أثمرت جهوده وجهود اخرى عن شبه اتفاق أولي بين العماد عون والرئيس المكلف على أساس أن يتنازل العماد عون عن مطالبته بالحقيبة السيادية في مقابل اعطائه وزارة الاتصالات (والعدل في مرحلة اخرى) اضافة إلى حقيبة الأشغال العامة وحقائب أخرى منها الشؤون الاجتماعية، إضافة إلى نيابة رئاسة مجلس الوزراء.
وعليه فإن هذه الأجواء التفاؤلية نام اللبنانيون عليها متوقعين ان يشهدوا في صبيحة اليوم التالي اعلاناً للتشكيلة الحكومية، وفجأة وفي اتصال هاتفي لم يدم أكثر من ثلاثين ثانية تبلغ مسؤول الاتصالات السياسية في التيار الوطني الحر المهندس جبران باسيل من مستشار السنيورة محمد شطح تراجع السنيورة عن هذا "التفاهم"، وان عليه ان يقبل بالأشغال او الاتصالات والتخلي عن الثانية، ما أعاد الأمور إلى نقطة الصفر، وأعاد الأزمة إلى مربعها الأول.
طبعاً لم يوضح شطح لباسيل، الأسباب الحقيقية لهذا التراجع المفاجئ عن مضمون الاتفاق، لكن الواضح أن ثمة حسابات داخلية وايحاءات خارجية، جعلت فريق السلطة يتحلل من تعهداته والتزاماته، وبرز أن ما تعهد به السنيورة سيظهر العماد عون بمظهر "المنتصر"، وهو ما يخالف كل جوهر مشروع "السلطويين".
وعليه فإن السؤال المطروح ماذا بعد؟
مع الاعتقاد الجازم لدى المعارضة بأن فريق السلطة دخل مرحلة العرقلة المقصودة، والتي تتخطى مسألة المهلة المعقولة لتأليف الحكومات في لبنان، فإن هذه  المعارضة تعطي الآن فرصة أخرى بجولة أخرى من الاتصالات الرامية إلى حلحلة العقد، وتمهيد الطريق أمام ولادة التشكيلة الحكومية التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر، لكي يشعروا أنهم بدأوا يخرجون عملياً من جدران الأزمة.
ولكن الثابت أن المعارضة تنطلق من فكرة ان تنازل العماد عون عن الحقيبة السيادية في مقابل حصوله على الحقيبتين المتفق عليهما سابقاً وهما الاتصالات والأشغال، هو الحد الأقصى للتنازل الذي تقدمه، وبالتالي فالمطلوب من الفريق السلطوي الذي "اخترع" من الأساس أسس الأزمة ان يعيد حساباته من جديد، وأن يصفي الحسابات بين مكوناته، ليعيد الأمور إلى طبيعتها، وبالتالي فإن كل المؤشرات تشير إلى أنه سيقبل بما عارضه بداية على غرار كل تجربته السياسية الفاشلة.
الانتقاد/ العدد1278 ـ 4 تموز/ يوليو 2008
2008-07-04