ارشيف من :أخبار عالمية
الاتحاد الأوروبي: رئاسة غير اتحادية!
كتب عقيل الشيخ حسين
رئاسة الاتحاد الأوروبي تتم بالتداول كل ستة أشهر بين دوله السبع والعشرين، دون إيلاء أهمية للحجم السياسي أو الاقتصادي أو الديموغرافي لهذه الدولة أو تلك. وعليه صادف أن انتقلت الرئاسة بين أول كانون الثاني/ يناير الحالي وآخر حزيران/ يونيو المقبل من فرنسا، أحد أبرز الأقطاب المحركة للاتحاد منذ نشأته، خصوصاً في ظل ما يوصف بحركية نيكولا ساركوزي ومبادراته العديدة بهدف إخراج الاتحاد من أزماته ودفعه قدماً إلى الأمام، إلى تشيكيا، الحديثة العهد بالانضمام، والقادمة إلى الاتحاد من الفلك السوفياتي السابق، والتي لا تتمتع بقدرات لافتة مقارنة مع الكبار.. لكن كل ذلك لا يشكل جوهر المشكلات التي يثيرها إمساك تشيكيا بدفة السفينة الأوروبية،
فتشيكيا هي أبرز بلدان الاتحاد عداء لفكرة الاتحاد.. بدل العداء يستعملون في أوروبا مفهوم التشكيك، فيقولون عن هذا البلد أو هذا الشخص إنه متشكك بخصوص الاتحاد. وانضمامها إلى الاتحاد كان نتيجة استفتاء حصل فيه المؤيدون على 77.3 من أصوات المقترعين الذين لم تزد نسبتهم على 55 في المئة من التشيكيين، ما يعنى أن غالبية السكان ينظرون إلى الاتحاد بحذر أو بحماسة باهتة. كما أن تشيكيا لم تنضم حتى الآن إلى منطقة اليورو، ولم توقع اتفاقية ليشبونة التي أخرجت الاتحاد بصيغته السركوزية المخففة أو المرنة من أزمته الدستورية، ولا تكاد تضيع فرصة في "الكيد" إلى الاتحاد، إذا جاز التعبير.
واللافت أن الرئيس التشيكي فاكلاف كلاوس وحزبه الديموقراطي المدني اليميني هو معارض شرس لانضمام بلاده إلى الاتحاد. فالانضمام بنظره هو خطأ فادح يأتي على تشيكيا بالخسائر أكثر مما يعود عليها بالأرباح. فتشريعات الاتحاد قلصت مثلاً من حصة تشيكيا في إنتاج السكر بنسبة 35 في المئة، وحولتها من بلد مصدر لهذه المادة إلى بلد مستورد. وعلى سيرة السكر، يعتبر كلاوس أن تشيكيا ستذوب في الاتحاد كما تذوب قطعة السكر في الشاي الساخن. كما يفضل لنفسه أن يكون سمكة كبيرة في حوض صغير، على أن يكون سمكة صغيرة في حوض كبير. ولا يكف كلاوس عن مهاجمة تكنوقراطية بروكسل وتحول الحياة في تشيكيا بعد الانضمام الى أكداس من الأوراق والأختام والحواجز والتشريعات المجحفة. كما يهاجم ما يعتبره توجهاً اشتراكياً للاتحاد المتمسك بدولة الإعانات، ويقف ضد التشريعات التي تمنع التدخين أو تدافع عن البيئة وترشيد إنتاج الطاقة. ومن الناحية السياسية يعادي كلاوس إقامة الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا ويقف ضد استقلال كوسوفو، ويرفض السماح برفع العلم الأوروبي فوق القصر الرئاسي، ويعلن إعجابه الشديد بمارغريت تاتشر المشهورة بعدائها لفكرة الاتحاد. كما يسعى كلاوس إلى تأكيد حضوره في اجتماعات البرلمان الأوروبي، ما يثير مخاوف المعنيين مما قد يبدر عنه من أقوال وتصرفات في وقت يحتاج فيه الاتحاد خصوصاً إلى التوافق والتضامن.
وإذا كان من الصحيح أن الدستور التشيكي لا يمنح الرئيس سلطة فعلية، فإن كلاوس يتمتع بشعبية كبيرة تجعله قادراً على عرقلة توجهات رئيس وزرائه الليبرالية، وهذا ما يفسر تعرضه لحملات تشهير صاخبة في الأوساط الأوروبية. وعلى العموم فإن الرئاسة التشيكية تطرح نفسها كمأزق بالدرجة الأولى، خصوصاً أن الاتحاد الأوروبي يقف أمام استحقاقات صعبة خلال فترة الرئاسة تلك. فهنالك مشكلات الاتحاد التقليدية، إضافة إلى الأزمة المالية المستجدة.
وإذا كانت بلدان الاتحاد قد أعربت عن ارتياحها لأن أزمة جورجيا والأزمة المالية قد تفجرتا خلال فترة الرئاسة الفرنسية، فإن هذا الارتياح قد أخلى المجال للقلق منذ اليوم الأول في فترة الرئاسة التشيكية، حيث وجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام أزمتين من النوع الثقيل: العدوان الإسرائيلي على غزة، ووقف "غاز بروم" الروسية إمداد أوكرانيا وبالتالي بلدان أوروبية أخرى، بالغاز الطبيعي. وقد دعت الرئاسة التشيكية للاتحاد إلى التفاهم والوفاء بالالتزامات كحل للأزمة الثانية، في حين استنسخت الموقف الأميركي عندما اعتبرت، في ما يخص الأزمة الأولى، أن من حق "إسرائيل" أن تدافع عن نفسها! وإن كانت قد ناشدتها عدم إلحاق الأذى بالمدنيين. والمعروف في هذا المجال أن الاتحاد الأوروبي يخص "إسرائيل" بمعاملة تفضيلية في العديد من المجالات، كما أن تشيكيا نفسها تفرض على مواطنيها عدم حمل جنسية أخرى إلى جانب جنسيتهم التشيكية، لكنها تستثني "إسرائيل" من هذا الإجراء.
كما ثار في الآونة الأخيرة جدل حاد بين نائب رئيس مجلس النواب فويتيخ فيليب الذي يترأس الحزب الشيوعي التشيكي المورافي المعارض، ورئيس الوزراء التشيكي الذي وصف "إسرائيل" بأنها رسول الديموقراطية والقيم الغربية إلى الشرق الأوسط، والمقاومة بأنها هجمة بربرية. وقد رد فيليب بشرح بيّن فيه طبيعة "إسرائيل" العدوانية والتوسعية، ودافع عن حق المقاومة الفلسطينية وحزب الله في التصدي للاحتلال الإسرائيلي.
وعلى خلفية ذلك جاء الموقف التشيكي متضارباً مع الموقف الفرنسي الداعي إلى وقف العدوان الإسرائيلي، ومسيئاً إلى جهود ساركوزي الذي يقوم حالياً بجولة خاطفة على المنطقة.. كما يتضارب خصوصاً مع تصريحات لرئيس الوزراء التشيكي ميريك توبولانيك، المكلف بالرئاسة التداولية، قال فيها إنه من غير الممكن الاعتماد على الإدارة الأميركية، وإن المطلوب الآن هو التقدم بمبادرة أوروبية بخصوص السلام في الشرق الأوسط. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار العداوة الناشبة بين الرئيس التشيكي ورئيس وزرائه، والاستياء التشيكي من "غطرسة" فرنسا، لمحاولة ساركوزي تحييد تشيكيا عن إدارة الملفات الخاصة بمنطقة اليورو والاحتفاظ بذلك لنفسه مدة عام الأقل، إضافة إلى الموقف التشكيكي المبدئي عند التشيكيين، فإن كل ذلك يضع مستقبل الاتحاد الأوروبي في الوقت غير المناسب، أمام منزلقات قد تكون في غاية الخطورة.
رئاسة الاتحاد الأوروبي تتم بالتداول كل ستة أشهر بين دوله السبع والعشرين، دون إيلاء أهمية للحجم السياسي أو الاقتصادي أو الديموغرافي لهذه الدولة أو تلك. وعليه صادف أن انتقلت الرئاسة بين أول كانون الثاني/ يناير الحالي وآخر حزيران/ يونيو المقبل من فرنسا، أحد أبرز الأقطاب المحركة للاتحاد منذ نشأته، خصوصاً في ظل ما يوصف بحركية نيكولا ساركوزي ومبادراته العديدة بهدف إخراج الاتحاد من أزماته ودفعه قدماً إلى الأمام، إلى تشيكيا، الحديثة العهد بالانضمام، والقادمة إلى الاتحاد من الفلك السوفياتي السابق، والتي لا تتمتع بقدرات لافتة مقارنة مع الكبار.. لكن كل ذلك لا يشكل جوهر المشكلات التي يثيرها إمساك تشيكيا بدفة السفينة الأوروبية،
فتشيكيا هي أبرز بلدان الاتحاد عداء لفكرة الاتحاد.. بدل العداء يستعملون في أوروبا مفهوم التشكيك، فيقولون عن هذا البلد أو هذا الشخص إنه متشكك بخصوص الاتحاد. وانضمامها إلى الاتحاد كان نتيجة استفتاء حصل فيه المؤيدون على 77.3 من أصوات المقترعين الذين لم تزد نسبتهم على 55 في المئة من التشيكيين، ما يعنى أن غالبية السكان ينظرون إلى الاتحاد بحذر أو بحماسة باهتة. كما أن تشيكيا لم تنضم حتى الآن إلى منطقة اليورو، ولم توقع اتفاقية ليشبونة التي أخرجت الاتحاد بصيغته السركوزية المخففة أو المرنة من أزمته الدستورية، ولا تكاد تضيع فرصة في "الكيد" إلى الاتحاد، إذا جاز التعبير.
واللافت أن الرئيس التشيكي فاكلاف كلاوس وحزبه الديموقراطي المدني اليميني هو معارض شرس لانضمام بلاده إلى الاتحاد. فالانضمام بنظره هو خطأ فادح يأتي على تشيكيا بالخسائر أكثر مما يعود عليها بالأرباح. فتشريعات الاتحاد قلصت مثلاً من حصة تشيكيا في إنتاج السكر بنسبة 35 في المئة، وحولتها من بلد مصدر لهذه المادة إلى بلد مستورد. وعلى سيرة السكر، يعتبر كلاوس أن تشيكيا ستذوب في الاتحاد كما تذوب قطعة السكر في الشاي الساخن. كما يفضل لنفسه أن يكون سمكة كبيرة في حوض صغير، على أن يكون سمكة صغيرة في حوض كبير. ولا يكف كلاوس عن مهاجمة تكنوقراطية بروكسل وتحول الحياة في تشيكيا بعد الانضمام الى أكداس من الأوراق والأختام والحواجز والتشريعات المجحفة. كما يهاجم ما يعتبره توجهاً اشتراكياً للاتحاد المتمسك بدولة الإعانات، ويقف ضد التشريعات التي تمنع التدخين أو تدافع عن البيئة وترشيد إنتاج الطاقة. ومن الناحية السياسية يعادي كلاوس إقامة الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا ويقف ضد استقلال كوسوفو، ويرفض السماح برفع العلم الأوروبي فوق القصر الرئاسي، ويعلن إعجابه الشديد بمارغريت تاتشر المشهورة بعدائها لفكرة الاتحاد. كما يسعى كلاوس إلى تأكيد حضوره في اجتماعات البرلمان الأوروبي، ما يثير مخاوف المعنيين مما قد يبدر عنه من أقوال وتصرفات في وقت يحتاج فيه الاتحاد خصوصاً إلى التوافق والتضامن.
وإذا كان من الصحيح أن الدستور التشيكي لا يمنح الرئيس سلطة فعلية، فإن كلاوس يتمتع بشعبية كبيرة تجعله قادراً على عرقلة توجهات رئيس وزرائه الليبرالية، وهذا ما يفسر تعرضه لحملات تشهير صاخبة في الأوساط الأوروبية. وعلى العموم فإن الرئاسة التشيكية تطرح نفسها كمأزق بالدرجة الأولى، خصوصاً أن الاتحاد الأوروبي يقف أمام استحقاقات صعبة خلال فترة الرئاسة تلك. فهنالك مشكلات الاتحاد التقليدية، إضافة إلى الأزمة المالية المستجدة.
وإذا كانت بلدان الاتحاد قد أعربت عن ارتياحها لأن أزمة جورجيا والأزمة المالية قد تفجرتا خلال فترة الرئاسة الفرنسية، فإن هذا الارتياح قد أخلى المجال للقلق منذ اليوم الأول في فترة الرئاسة التشيكية، حيث وجد الاتحاد الأوروبي نفسه أمام أزمتين من النوع الثقيل: العدوان الإسرائيلي على غزة، ووقف "غاز بروم" الروسية إمداد أوكرانيا وبالتالي بلدان أوروبية أخرى، بالغاز الطبيعي. وقد دعت الرئاسة التشيكية للاتحاد إلى التفاهم والوفاء بالالتزامات كحل للأزمة الثانية، في حين استنسخت الموقف الأميركي عندما اعتبرت، في ما يخص الأزمة الأولى، أن من حق "إسرائيل" أن تدافع عن نفسها! وإن كانت قد ناشدتها عدم إلحاق الأذى بالمدنيين. والمعروف في هذا المجال أن الاتحاد الأوروبي يخص "إسرائيل" بمعاملة تفضيلية في العديد من المجالات، كما أن تشيكيا نفسها تفرض على مواطنيها عدم حمل جنسية أخرى إلى جانب جنسيتهم التشيكية، لكنها تستثني "إسرائيل" من هذا الإجراء.
كما ثار في الآونة الأخيرة جدل حاد بين نائب رئيس مجلس النواب فويتيخ فيليب الذي يترأس الحزب الشيوعي التشيكي المورافي المعارض، ورئيس الوزراء التشيكي الذي وصف "إسرائيل" بأنها رسول الديموقراطية والقيم الغربية إلى الشرق الأوسط، والمقاومة بأنها هجمة بربرية. وقد رد فيليب بشرح بيّن فيه طبيعة "إسرائيل" العدوانية والتوسعية، ودافع عن حق المقاومة الفلسطينية وحزب الله في التصدي للاحتلال الإسرائيلي.
وعلى خلفية ذلك جاء الموقف التشيكي متضارباً مع الموقف الفرنسي الداعي إلى وقف العدوان الإسرائيلي، ومسيئاً إلى جهود ساركوزي الذي يقوم حالياً بجولة خاطفة على المنطقة.. كما يتضارب خصوصاً مع تصريحات لرئيس الوزراء التشيكي ميريك توبولانيك، المكلف بالرئاسة التداولية، قال فيها إنه من غير الممكن الاعتماد على الإدارة الأميركية، وإن المطلوب الآن هو التقدم بمبادرة أوروبية بخصوص السلام في الشرق الأوسط. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار العداوة الناشبة بين الرئيس التشيكي ورئيس وزرائه، والاستياء التشيكي من "غطرسة" فرنسا، لمحاولة ساركوزي تحييد تشيكيا عن إدارة الملفات الخاصة بمنطقة اليورو والاحتفاظ بذلك لنفسه مدة عام الأقل، إضافة إلى الموقف التشكيكي المبدئي عند التشيكيين، فإن كل ذلك يضع مستقبل الاتحاد الأوروبي في الوقت غير المناسب، أمام منزلقات قد تكون في غاية الخطورة.
أرشيف موقع العهد الإخباري من 1999-2018