ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: كربلاء غزة

كتب حسن نعيم
إذا كنا نقول ونردد دائماً الشعار الحسيني الذي يجلجل عبر التاريخ كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء، فإن كربلاءنا اليوم هي غزة بامتياز. أطفال الحسين هم أطفال غزة. نساء الحسين هم نساء غزة. وشيوخ الحسين هم شيوخ غزة، وعلي الأكبر والعباس هم كل أبطال غزة . دماء الحسين هي الدماء التي تتطاير اليوم في غزة, ونداء الحسين: "أما من ناصر ينصرني, أما من ذابٍ يذب عن حرمي" هو نداء غزة. هذا ما نعرفه من كربلاء ولا نريد أن نعرف منها غير ذلك.
عندما يُخير أهل غزة بين الذل والموت فيختارون الموت شهادةً, فهذا يعني أنهم حسينيون بلا ريب. أما خيّر الإمام الحسين (عليه السلام) بين السلّة والذلّة فقال مقولته الشهيرة "ألا إن الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السّلة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة... وعرب اليوم ونقصد رؤساءهم وملوكهم وأصحاب القرار عندهم خيّروا أيضاً بين السلّة والذلّة فاختاروا الثانية فانضموا الى معسكر يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وأهل الكوفة بصمتهم وجبنهم وذلّهم وبالعار الذي لحق بهم لتخليهم عن الحق وعن ابن بنت رسولهم ونصرتهم للظالم لا حباً به ولا قناعة منهم به وإنما خوفاً وحرصاً على دنياهم.
كربلاء ليست محطة من محطات التضحية، هي كل محطات الصبر والثبات والتضحية. هي الملحمة الأم التي تنتمي إليها كل ملاحمنا, لذلك هي خالدة بخلود الفداء. مخطئون وأكثر من مخطئين هم أولئك الذين يحصرون معنى كربلاء في المكان والزمان; كربلاء ليست مأتماً للطم الصدور أو شق الجيوب, أو نواح من لا يحدث نفسه بالبطولة الحسينية ولا يحاول أن يتمثلها في حياته,
درس الحسين في كربلاء يرسم للعابرين على سطور الزمان معالم طريق الحق, ويعرفهم معارج النفوس العظيمة, التي تمسك بالكتاب وتنتصر من الظالم, وتضحي بالغالي والنفيس من أجل الدين وطلب الإصلاح, هذا هو الحسين ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم, ومهجة قلب فاطمة الزهراء عليها السلام. هذا هو الحسين الذي قال فيه جدّه الحبيب المصطفى (ص): حسين مني وأنا من حسين.
كان مولانا جلال الدين الرومي يقول: كل واحد منّا مسيح عصره, وها نحن نردد مقولته على طريقتنا: كل يوم عاشوراء, كل أرض كربلاء.
الانتقاد/ العدد 1328 ـ 9 كانون الثاني/ يناير 2008