ارشيف من :آراء وتحليلات
حدث في مقالة: غزة تعيد رسم صورة المنطقة وسلاح المقاومة بات أقدس

كتب مصطفى الحاج علي
المنطقة بعد العدوان على غزة، لن تكون هي نفسها بعده، بمعزل عن النتائج التي سيؤول اليها هذا العدوان في النهاية. كل يوم ينقضي يجتمع في داخله مشهدان: جيش مزوَّد بكل صنوف السلاح المتطور، ومحترف حروب، في مقابل مقاومة شعب بكامله لا يملك إلا جدران منازله كمخطط دفاع، شعب يحترف التضحية، والثبات، والصمود، ويفرض على عدوه المراوحة في المكان، واضعاً له حدوداً جديدة لقوته وغطرسته، وجشعه غير المحدود بالدم والدمار والفساد.
اذا كان انتصار المقاومة في لبنان على العدو الاسرائيلي في عدوان تموز 2006، قد نقل قوته من دائرة المطلق إلى دائرة النسبية، فارضاً حدوداً لها، وقيوداً عليها، فإن مقاومة غزة اليوم تقلص حدود قوة هذا العدو أكثر، الأمر الذي بدأ يفرض صفحات جديدة من تاريخ الصراع مع هذا العدو، تاريخ يمكن القول معه: إن زمن الانتصارات السهلة أو النظيفة أو السريعة قد ولّى، وإن زمن الهزائم قد انطلق ولو على نحوٍ متراكم، لكن بالتأكيد له مغزاه الاستراتيجي، بل وفاعليته الاستراتيجية.
على صعيد آخر، ما يحدث في غزة يشكل فعل إدانة بمفعول رجعي لكل النظام العربي الرسمي السابق والحالي، إذ السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو التالي: ماذا لو شهدنا مقاومة مماثلة منذ العمل على إقامة الكيان الإسرائيلي،أو سمح لمقاومات كهذه أن تقوم خلال كل مراحل الصراع الأخرى، هل كان ليقوم هذا الكيان، إضافة إلى أن يستمر في الوجود؟ نستطيع الجزم بعد تجربة لبنان عام 2006، وتجربة غزة 2008 ـ 2009 أن هذا الكيان كان ليلفظ أنفاسه بسرعة.
ولنفرض جدلاً، ومن قبيل أن فرض المحال ليس بمحال، أن من يدعم العدوان الإسرائيلي من أنظمة المنطقة هم في موقع مختلف تماماً، كيف ستكون صورة الأحداث هناك، بل هل كان ليجرؤ العدو الإسرائيلي على فعل ما يفعل.
ولا شك، أن هذه الأنظمة تواجه معضلة رئيسة، فهي لا تستطيع أن تتحمل انتصاراً مدوياً لحركات المقاومة لأن في ذلك ليس إدانة لها فحسب، وإنما، وهذا الأهم، لأن في ذلك فضيحة ما بعدها فضيحة لهذه الأنظمة، وتقويضاً لشرعية استمرارها، ومشكلة هذه الأنظمة، أنها حاولت بعد عدوان تموز أن تحمي نفسها من خلال تسعير العامل المذهبي، وتصوير المقاومة في لبنان بأنها مقاومة مذهبية، ومن خلال تسعير العامل القومي مصورة إياها بأنها مقاومة فارسية، كل ذلك لوضع سدود في وجه تداعيات ونتائج وانعكاسات انتصار المقاومة على الكيان الإسرائيلي.
لكن، كيف ستحمي نفسها إزاء تداعيات ونتائج وانعكاسات ما يجري في غزة؟ فهل حركة حماس شيعية مثلاً؟ وهل حركة حماس فارسية مثلاً؟ وكل المحاولات التي قام بها إعلام هذه الأنظمة كانت متهافتة ومفضوحة إلى أقصى الحدود.
النقطة المهمة الإضافية هنا ـ وإن كانت ليست بالجديدة ـ تتمثل في الصورة التي بدا عليها الواقع الرسمي العربي، وهو واقع خاوٍ، منقسم على نفسه، عاجزٍ عن أي فعل، وفي قسمٍ رئيسي منه متواطئ، وفي الصورة التي بدا عليها الواقع الدولي عموماً ومجلس الأمن تحديداً، وهو واقع لا يقل سوداوية وعجزاً، بل وتواطؤاً عن الواقع العربي الرسمي.
النتيجة التي نريد تسجيلها هنا هي: هل يمكن لأحد الادعاء بأنه يمكن الرهان على شرعيات كهذه، أو وقائع، سواء للحفاظ على الحقوق، أم للدفاع عنها.
هذه النتيجة هي برسم من يجعل من هذه الوقائع بنداً ثابتاً يعوّل عليه كثيراً في صياغته لأية استراتيجية دفاع متجاهلاً عوامل القوة الذاتية.
إن منطق أهل التسوية استند دائماً إلى ما يسميه قوة الديبلوماسية، والعلاقات الدولية، مع التخلي مطلقاً عن أية عوامل قوة ذاتية، ما يحدث اليوم هو انهيار كامل لمنطق التسوية، ومنطق الديبلوماسية، ومنطق الاعتماد المطلق على الشرعية الدولية، هذه الشرعية التي لا تفهم الا منطق القوة، ولا تخضع إلا لنتائجه.
فبأي منطق بعد اليوم سيواجه سلاح المقاومة، في لبنان، وفي غير لبنان. لقد انتهت المقاربات الداعية إلى التخلي عن سلاح المقاومة إلى غير رجعة.
الانتقاد/ العدد 1328 ـ 9 كانون الثاني/ يناير 2008
المنطقة بعد العدوان على غزة، لن تكون هي نفسها بعده، بمعزل عن النتائج التي سيؤول اليها هذا العدوان في النهاية. كل يوم ينقضي يجتمع في داخله مشهدان: جيش مزوَّد بكل صنوف السلاح المتطور، ومحترف حروب، في مقابل مقاومة شعب بكامله لا يملك إلا جدران منازله كمخطط دفاع، شعب يحترف التضحية، والثبات، والصمود، ويفرض على عدوه المراوحة في المكان، واضعاً له حدوداً جديدة لقوته وغطرسته، وجشعه غير المحدود بالدم والدمار والفساد.
اذا كان انتصار المقاومة في لبنان على العدو الاسرائيلي في عدوان تموز 2006، قد نقل قوته من دائرة المطلق إلى دائرة النسبية، فارضاً حدوداً لها، وقيوداً عليها، فإن مقاومة غزة اليوم تقلص حدود قوة هذا العدو أكثر، الأمر الذي بدأ يفرض صفحات جديدة من تاريخ الصراع مع هذا العدو، تاريخ يمكن القول معه: إن زمن الانتصارات السهلة أو النظيفة أو السريعة قد ولّى، وإن زمن الهزائم قد انطلق ولو على نحوٍ متراكم، لكن بالتأكيد له مغزاه الاستراتيجي، بل وفاعليته الاستراتيجية.
على صعيد آخر، ما يحدث في غزة يشكل فعل إدانة بمفعول رجعي لكل النظام العربي الرسمي السابق والحالي، إذ السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو التالي: ماذا لو شهدنا مقاومة مماثلة منذ العمل على إقامة الكيان الإسرائيلي،أو سمح لمقاومات كهذه أن تقوم خلال كل مراحل الصراع الأخرى، هل كان ليقوم هذا الكيان، إضافة إلى أن يستمر في الوجود؟ نستطيع الجزم بعد تجربة لبنان عام 2006، وتجربة غزة 2008 ـ 2009 أن هذا الكيان كان ليلفظ أنفاسه بسرعة.
ولنفرض جدلاً، ومن قبيل أن فرض المحال ليس بمحال، أن من يدعم العدوان الإسرائيلي من أنظمة المنطقة هم في موقع مختلف تماماً، كيف ستكون صورة الأحداث هناك، بل هل كان ليجرؤ العدو الإسرائيلي على فعل ما يفعل.
ولا شك، أن هذه الأنظمة تواجه معضلة رئيسة، فهي لا تستطيع أن تتحمل انتصاراً مدوياً لحركات المقاومة لأن في ذلك ليس إدانة لها فحسب، وإنما، وهذا الأهم، لأن في ذلك فضيحة ما بعدها فضيحة لهذه الأنظمة، وتقويضاً لشرعية استمرارها، ومشكلة هذه الأنظمة، أنها حاولت بعد عدوان تموز أن تحمي نفسها من خلال تسعير العامل المذهبي، وتصوير المقاومة في لبنان بأنها مقاومة مذهبية، ومن خلال تسعير العامل القومي مصورة إياها بأنها مقاومة فارسية، كل ذلك لوضع سدود في وجه تداعيات ونتائج وانعكاسات انتصار المقاومة على الكيان الإسرائيلي.
لكن، كيف ستحمي نفسها إزاء تداعيات ونتائج وانعكاسات ما يجري في غزة؟ فهل حركة حماس شيعية مثلاً؟ وهل حركة حماس فارسية مثلاً؟ وكل المحاولات التي قام بها إعلام هذه الأنظمة كانت متهافتة ومفضوحة إلى أقصى الحدود.
النقطة المهمة الإضافية هنا ـ وإن كانت ليست بالجديدة ـ تتمثل في الصورة التي بدا عليها الواقع الرسمي العربي، وهو واقع خاوٍ، منقسم على نفسه، عاجزٍ عن أي فعل، وفي قسمٍ رئيسي منه متواطئ، وفي الصورة التي بدا عليها الواقع الدولي عموماً ومجلس الأمن تحديداً، وهو واقع لا يقل سوداوية وعجزاً، بل وتواطؤاً عن الواقع العربي الرسمي.
النتيجة التي نريد تسجيلها هنا هي: هل يمكن لأحد الادعاء بأنه يمكن الرهان على شرعيات كهذه، أو وقائع، سواء للحفاظ على الحقوق، أم للدفاع عنها.
هذه النتيجة هي برسم من يجعل من هذه الوقائع بنداً ثابتاً يعوّل عليه كثيراً في صياغته لأية استراتيجية دفاع متجاهلاً عوامل القوة الذاتية.
إن منطق أهل التسوية استند دائماً إلى ما يسميه قوة الديبلوماسية، والعلاقات الدولية، مع التخلي مطلقاً عن أية عوامل قوة ذاتية، ما يحدث اليوم هو انهيار كامل لمنطق التسوية، ومنطق الديبلوماسية، ومنطق الاعتماد المطلق على الشرعية الدولية، هذه الشرعية التي لا تفهم الا منطق القوة، ولا تخضع إلا لنتائجه.
فبأي منطق بعد اليوم سيواجه سلاح المقاومة، في لبنان، وفي غير لبنان. لقد انتهت المقاربات الداعية إلى التخلي عن سلاح المقاومة إلى غير رجعة.
الانتقاد/ العدد 1328 ـ 9 كانون الثاني/ يناير 2008