ارشيف من :آراء وتحليلات

المقاومة ... وكلمة الفصل الأخيرة

المقاومة ... وكلمة الفصل الأخيرة
كتب مصطفى الحاج علي
اعتبارات الحرب ودوافعها:
دلالات وأبعاد الحرب المفتوحة على غزة أكثر بكثير مما هو معلن، ومما هو بادٍ للنظر للوهلة الأولى، وذلك لـ:
أولاً: إن هذه الحرب تأتي زمنياً بعد حرب تموز عام 2006 على المقاومة في لبنان. هذه الحرب التي مني بها العدو الإسرائيلي بفشل ذريع، دفعه إلى تشكيل لجنة تحقيق للوقوف على الأسباب والمسؤوليات. لكن الأهم، هو تداعيات هذه الحرب على صورة جيش الكيان الصهيوني، وقدراته الردعية، وكذلك الاهتزازات العنيفة لهذه الحرب على الأطروحات التسووية، وحامليها من أنظمة عربية معروفة، بنت شرعية استمرارها على مواقعها وأدوارها في خدمة مشاريع الاستسلام، التي لا يمكن أن تستقيم أو أن تأخذ مداها بدون إسقاط جدوى المقاومة، ووأد روحها.
ثانياً: إن هذه الحرب تحدث في غزة، غزة المحدودة والصغيرة في مساحتها الجغرافية التي لا تتجاوز الـ 360 كلم2، والمحاصرة من كل حدب وصوب، وتفتقد، بالتالي، إلى أي عمق استراتيجي يتيح لها حرية الحركة، والمناورة، وتوفير الحاجات اللوجستية المطلوبة، والمستنـزفة على مدى أشهر على كل الصعد، ولدرجة يمكن القول معها، أن المقاومين هناك يقاتلون باللحم الحي.
ماذا يعني هذا؟
إنه يعني أن الفشل الإسرائيلي هذه المرة سيكون أكبر وأعمق، كما أن نجاح المقاومة ستكون أبلغ، لأنه بقدر ما يتسع الفارق ويكبر بين إمكانيات وقدرات وظروف طرفي معادلة الصراع، بقدر ما تكون النتائج أبلغ، فعندما يواجه مصارع من الوزن الخفيف مصارعاً من الوزن الثقيل ويتمكن من الانتصار عليه، فمعنى الانتصار وأبعاده ودلالاته تكون بوزن وثقل فارق القوة بين الإثنين، بل، يمكن القول، أن التداعيات المعنوية، وحجم المهانة، على الخاسر ستكون شديدة الوطأة ولا نهاية لها، لأبعادها الاستراتيجية.
ثالثاً: إن هذه الحرب وإن كانت تدور عسكرياً وميدانياً في غزة، إلا أنها سياسياً وإعلامياً، ورأياً عاماً، يدور رحاها على امتداد المنطقة، لا سيما داخل نطاق الأنظمة المتحالفة موضوعياً ومصيرياً مع الكيان الإسرائيلي.
ـ المدى الاستراتيجي للصراع:
رابعاً: إن المدى الاستراتيجي البعد للحرب على غزة يمكن تجزئته إلى الدوائر المترابطة التالية:
ـ تصفية المقاومة الفلسطينية ما يفتح الطريق أمام عملية إنهاء للقضية الفلسطينية بمعزلٍ عن السيناريو الذي يمكن أن يعتمد إسرائيلياً، حيث ما زال هناك انقسام إسرائيلي حول طبيعته: دولة فلسطينية مسخ، وملحقة بالكامل بالكيان الإسرائيلي. فصل غزة عن الضفة، وإلحاق الأولى بالإدارة المصرية، والثانية بالأردن كما يطمح الليكود واليمين المتطرف..الخ.
ـ تصفية المقاومة الفلسطينية، وتهيئة الظروف المناسبة لإنتاج تسويات مذلة، تبرر لعرب الخزي الذهاب إلى التطبيع الشامل مع الكيان الإسرائيلي، ويسقط هذه القضية من أيدي حركات المقاومة، ويوفر الظروف الملائمة للانقضاض عليها أينما وجدت، وللتفرغ لتوجيه ضربة للدول الحاضنة لحركات المقاومة والداعمة لها كإيران وسوريا.
ولذا، ذهب العديد من الخبراء والقادة العسكريين الأوروبيين إلى أن ما يقوم به العدو الإسرائيلي في غزة هو تمرين بالنار الهدف الأبعد منه حزب الله وإيران، لكن بعد سبر إمكانات المسعى الديبلوماسي الذي ستقوم به إدارة أوباما اتجاه طهران.
ـ اعتبارات التوقيت:
خامساً: إن حرب العدو الإسرائيلي على غزة تتقاطع توقيتاً عند جملة ظروف واستحقاقات، أبرزها:
ـ المرحلة الانتقالية ما بين عهد إدارة بوش وإدارة أوباما، على ما بينهما من تباينات في طريقة مقاربة ملفات المنطقة. ولذا، ثمة جهد لإيجاد وقائع وتوازنات ومعادلات جديدة، تحسن من شروط وأوراق المحور الأميركي ـ الصهيوني في أي عمليات تفاوضية لاحقة يمكن أن تحدث.
ـ انتخابات الكنيست الإسرائيلية، حيث بات تحسين شروط الفوز يمر مروراً إجبارياً بالمزايدات المتطرفة، وتالياً بالحرب على حماس. هذا العامل الانتخابي ليست له أبعاداً إسرائيلية فحسب، وإنما أبعاد تتصل بالتسوية والمفاوضات، وبالتالي، فإن الأصابع الأميركية حاضرة في ما يجري، وإن بشكل غير معلن.
سادساً: إن العدو الإسرائيلي دخل في لعبة سباق خطيرة مع الوقت، وهو وكل من يقف وراءه، وأمامه من أنظمة ودول وأحزاب وتنظيمات. وإذا كان بالإمكان شراء الوقت للإسرائيلي، فإن عملية الشراء هذه لا يمكن أن تستمر لوقت طويل، لا سيما في ظل ظروف ضغوط الرأي العام الغربي والإسلامي والدولي.
ـ المؤشرات والدلالات:
سابعاً: كل ما تقدم يؤشر إلى التالي:
ـ أن العدو الإسرائيلي لا يستطيع هذه المرة خوض حربٍ لا يكون ربحه فيها واضحاً وحاسماً، وقابلاً للصرف داخلياً وخارجياً، ولذا يحرص العدو على وضع أهدافٍ متواضعة، تخفي أهدافه البعيدة ليتمكن من القول ـ في ما لو نجح ـ بأن ما أعلنه من أهداف قد وصل إليه. إلا أن الربح الواضح والحاسم يحتاج أيضاً إلى أن لا تكون كلفته كبيرة وباهظة، وإلا لبات نصراً ممزوجاً بالهزيمة، بل أن رائحة الهزيمة فيه أكبر.
ـ إن العدو الإسرائيلي لا يستطيع التراجع الآن، وفي نفس الوقت فإنه لا يستطيع التقدم بدون أن يكون واثقاً من النتائج، ومن حدود الكلفة.
ـ إن كل أنظار الحلف الجهني الأميركي والغربي مع الكيان الإسرائيلي مشدودة إلى ما سيقوم به العدو الإسرائيلي في غزة، وأنظمة العمالة تبدو في ورطة الآن، فهي بعد نفض يدها من أي مساعدة حقيقية وضرورية لـ غزة، ومساهمتها في عملية الحصار الاقتصادي والسياسي والإعلامي لها، وانفضاحها أمام شعوبها، فهي لم يعد لديها من رهان سوى على كسب الإسرائيلي عدوانه على غزة. ويمكن القول أيضاً، أن كل من وضع نفسه في هذا المركب ينتظرون تسجيل هذا المكسب لأخذ الروح كما يقولون، وبالتالي يراهنون عليه.
ـ ورطة العدو:
ثامناً: بناءً عليه، يمكن القول، مع شروع العدو الإسرائيلي في حربه البرية على غزة، يكون قد وضع نفسه في ورطة استراتيجية هو وكل من معه، ورطة لا يعرف كيف سيخرج منها، لا سيما وأنه لا يعرف ما ينتظره، وما سيتعرض له، ولذا تراه يحاول استدراج المقاومة إلى ردود فعل عسى أن تكشف له عما ينتظره ليقيّم الخطوة اللاحقة، وقبيل الإمعان في التورط.
لقد دخل الإسرائيلي، في سباق مع الوقت، وغزة اليوم تضع الكيان الغاصب، وحلفائه من عرب ودول إقليمية وخارجية على مفترق طرق استراتيجي، ومرة أخر ستكون للمقاومة الكلمة الفصل فيها.
2009-01-12