ارشيف من :آراء وتحليلات
القذافي... غرابة الشخصية و"مآثر" الإجرام

أحمد شعيتو
لم يخطف معمر القذافي (مواليد 1942) الانظار ـ ولا شك انها انظار الاستغراب في معظم الاحيان ـ فقط في تصرفاته وحركاته وسكناته ومواقفه وكلماته اثناء أحداث ليبيا الحاصلة، بل كان دوما محط الانظار جراء شخصيته التي اقل ما يقال فيها انها غريبة الاطوار.. ويصر القذافي على الغرابة في اقواله وافعاله بالاضافة الى الشناعة في ممارساته السياسية والامنية كحاكم لليبيا منذ 42 عاما بل قبل ذلك اي اثناء سعيه للسلطة ووضع قدمه على درجة السلم الاولى لها.
سجلّ تاريخه حافل بالارتكابات والجرائم منذ ان سيطر على السلطة ونكّل بالمعارضين الليبيين وقتلهم واعتقلهم، كما تدخل في الشؤون العربية لعدة دول وثبت ضلوعه في التفجيرات والارتكابات في الخارج، فيما شخصيته الغريبة وتصرفاته المريبة تشهد لها انطلاقته الى عالم الاضواء ومسيرته وصولا الى تعاطيه مع الثورة الحالية..
واضافة الى عقدة التسلط والاجرام بدم بارد فإن الغرابة في شخصه وما يقارب "الجنون" في مسلكه سابقا وحاليا خصوصا مع الثورة الحالية جعلت منه مادة تعليقات دسمة في وسائل الاعلام والمواقع والمنتديات حتى بات التأكيد بأن "لديه شهادة طبية بمعاملته معاملة الاطفال" او بأنه يعتبر ان "الثورة هي.. أنثى الثور" امراً غير مستغرب!
شخصية "لا متناسقة"
في أسلوب استيلائه على الحكم، وممارساته، في جرائمه والاعتراف بها، في ملابسه، في اتخاذه حرسا شخصيا من النسوة فقط، في تصميمه على نصب خيمته في كل بلد يذهب إليه... يأخذ القذافي صفات لم يعهدها احد غيره ممن يفترض انهم "قادة".. وفي تقرير على موقع "يورونيوز" يقول "كريستيان مالار" مسؤول الأخبار الدولية في قناة فرانس 3: "القذافي شخص لا يمكن التنبؤ بأفعاله التي تتسم باللاتناسق أساسا. أخبرني مرة أحد سفرائه أنه أي القذافي يستعين ببعض المواد الطبية ليحتفظ بوعيه لعدة ساعات فقط في اليوم. لا يجب أن نتجاهل أيضا تعطشه للدماء وأنه يحكم منذ مجيئه للسلطة منذ عقود بالحديد والنار"..
ويقول "فيليب جافيه" وهو طبيب نفسي "عندما ننظر إليه لأول وهلة نرى أنه غريب الأطوار ومهرج لكن عندما نقترب من شخصيته نكتشف أنه غير متزن ومصاب بجنون العظمة وعقدة الاضطهاد التي تضخمت بمر السنين"..
ويُنقل عن الشيخ يوسف القرضاوي بأن "القذافي من الحكام الذين لا يقرأون التاريخ، وإذا قرأوه لا يفهمونه، وإذا فهموه لا يعملون به".
الاستيلاء على السلطة
معمر القذافي الذي تخرج من الاكاديمية العسكرية تم ارساله عام 1965 لبريطانيا للتدريب العسكري وعاد عام 1966 كضابط في سلاح الاشارة الليبي، تولى السلطة بانقلاب نفذه عام 1969 مع مجموعة من الضباط على الملك ادريس السنوسي وطرح نفسه كقائد للثورة وللأمة واقام حكما عسكريا بحتا. وفور توليه السلطة بدّل نظام ليبيا القانوني بقانون الشريعة لكنه عاد وبدل هذا المبدأ بالاعتماد على "دستوره الخاص": الكتاب الأخضر، الذي يتضمن الكثير من المفارقات والقوانين غير المسبوقة والتناقضات وغير الترابط.
واعتمد القذافي رغم تسميته ليبيا بالجماهيرية الشعبية وزعمه بالتشاور مع الشعب على نظام امني مخابراتي واسع، ديدنه اعتقال المعارضين والزج بهم في السجون، كما "لا يقصر" القذافي دوما في قتل معارضين له والتنكيل بهم في السجون.. وفي رواية عن قتل احد الصحافيين المعارضين واسمه ضيف الغزال، فقد اختُطف في عام 2005، و اعيد بعد فترة الى ذويه جثة هامدة وقد قطعت أصابعه.
"مجنون ليبيا" يُجرم ويعترف
في فترة السبعينات اشتهر القذافي بلقب اطلقه عليه الرئيس المصري انور السادات وهو "مجنون ليبيا"، ولا شك انها تسمية لها دلالات كبيرة من حيث الشخصية والسلوك الفارق لأحد الحكام.. فالمعلومات المتداولة تشير الى انه في آواخر عام 1985 نفذ هجومين ارهابيين على مطاري روما والنمسا أدّيا الى سقوط عدد من الضحايا قتلى وجرحى, وفي 1986 قام بتفجير ملهى (لابيل) ببرلين الغربية مما اسفر عن مقتل ثلاثة اشخاص وجرح اكثر من 150 شخصا من رواد الملهى.
لكن التفجير الابرز كان في 1988 حيث قام عملاؤه بتفجير طائرة الركاب الامريكية فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية مما اسفر عن مقتل 259 راكبا وملاحا و11 مواطنا اسكتلنديا على الارض.
وفي 1989 فجر طائرة الركاب الفرنسية (UTA) الرحلة 722 فوق سماء النيجر مما ادى الى مقتل جميع ركابها وملاحيها البالغ عددهم 171 شخصا.
في حالة تفجير لوكربي اقر القذافي ضمنا بالمسؤولية وقام بدفع التعويضات لعوائل الضحايا. حالة اعتراف اخرى عام 1996 في قضية قتل احد المقربين منه مئات السجناء الذين اوقفوا بعد حالة تمرد في سجن ابو سليم بعد ان اخذوا الحرّاس رهائن في احتجاجٍ على الظروف. فبعد بعد سنوات من إنكار المجزرة، تسلَّم أقرباؤهم التعويض.
ويمكن ايراد الكثير من ارتكابات القذافي التي تعج بها المعلومات والتقارير والتوثيقات الصحفية والشهادات:
ـ خطف الامام موسى الصدر ورفيقيه عام 1978 اثناء زيارة رسمية لهم الى ليبيا ودلت المعطيات الامنية والقضائية انه هو من ارتكب هذه الجريمة وحتى الآن لم يعرف مصير المختطفين..
ـ إسقاط الطائرة الليبية بالقرب من طرابلس بإطلاق صواريخ أرض جو، راح ضحيتها العديد من الليبيين.
ـ تلغيم قناة السويس بالمتفجرات خلال فترة الثمانينات.
ـ القيام بعمليات ارهابية في اكثر من 40 دولة عربية وغير عربية ودعم جماعات ارهابية وتجنيد مرتزقة كما يظهر اليوم اثناء الثورة حيث يستخدم هؤلاء المرتزقة القادمين من تشاد ودول افريقية.
ـ التدخل في شؤون العديد من الدول واذكاء نار الحروب فيها كما في الحرب الاوغندية عام 1979 والحرب الاهلية في لبنان عام 1975 وكذلك الحرب الاهلية في جنوب السودان في السبعينات وحرب الخليج الاولى والحرب الاهلية في الصومال.
ـ معلومات عن ضلوعه في محاولات اغتيال عدة منها لياسرعرفات والملك حسين وانور السادات والملك السعودي (ولي العهد حينها) عبد الله بن عبد العزيز...
ولا شك ان اكبر اجرام هو ان يقوم الحاكم بما يشبه الابادة بحق "شعبه"، فاثناء الثورة الحالية ضده جند القذافي كتائبه التي يقودها ابناءه ومقربون منه لمهاجمة المتظاهرين والمواطنين الامنين في بيوتهم وصولا حتى عدم التورع عن ارسال الطائرات لقصف المحتجين وكل ذلك اظهرته الصور التلفزيونية فيما الشهادات من مصادر طبية اكدت ان الالاف تم قتلهم والجرحى اكثر من 10 الاف، واكدت مسؤولة دولية ان حصيلة القمع تصل الى الاف القتلى والجرحى . وقد اشارت الشهادات والتقارير الى فظاعات وتعذيب وتشويه اجساد قام بها ازلام ومرتزقة القذافي بحق شعبه.. والخطاب المتلفز الذي ظهر خلاله القذافي بصورة وحشية من حيث النبرة والتعابير المستخدمة بحق الشعب والاوصاف المقيتة تشير مجددا الى طبيعة شخصية هذا الرجل..
وهنا يمكن إيراد تعليق الكاتب عبد الباري عطوان في مقالة حديثة له على خطاب القذافي ضد الثورة الحالية ـ وهو الخطاب الاكثر دموية له على الاطلاق ـ "فالرجل لم يكن طبيعيا، وكان بمثابة الذئب الجريح المتعطش للدماء، والمستعد لحرق ليبيا كلها من اجل الحفاظ على حكمه، ونفوذ قبيلته، وسلامة أتباعه...هذا رجل مريض بالعظمة، لا يعرف ما يجري حوله من تطورات، ومضلل بتقارير الأجهزة التي تصور له ان الشعب الليبي متيم به، وثورته الخضراء، تماماً مثل الرئيسين المصري والتونسي كما يقول عطوان".