ارشيف من :آراء وتحليلات

غزة.. وبوارق الانتصار التي تلوح

غزة.. وبوارق الانتصار التي تلوح
كتب مصطفى الحاج علي
هي الصورة العامة التي يمكن رسمها لحصيلة ثلاثة أسابيع من العدوان المستمر على غزة، وبالتالي، هل دخلت حرب الإرادة الإسرائيلية مراحلها النهائية؟
يحاول العدو الإسرائيلي تثبيت الخلاصة التالية: العمليات العسكرية ناجحة حتى الآن، فهي  أنجزت ما هو مطلوب منها، المتمثل بإلحاق أضرارٍ كبيرة بحركة المقاومة وحاضنتها الجماهيرية، ما يجعل بالإمكان صياغة معادلة جديدة للردع، مرتكز بصورة أساسية على مفهوم رفع الكلفة، أي في كل مرة سيتم فيها إطلاق الصواريخ، بات معروفاً مدى الكلفة الباهظة المترتبة عليها لدى حركة حماس تحديداً، ومن شأن هذه المعادلة في نظر الإسرائيلي، أن تحيد صواريخ المقاومة من معادلة المواجهة في المستقبل، وبالتالي، توفير الحماية والأمن للمستوطنات المنتشرة في محيط ما يعرف بـ"غلاف غزة".
إلا أنه يبقى هناك مهمة إضافية لا بد منها، وتتمثل بإيجاد الترتيبات والآليات الأمنية المناسبة التي من شأنها أن تحول دون عمليات تهريب السلاح عبر الحدود السيادية لمصر، سواء عبر منطقة رفح براً، أم من خلال البحر.
هنا المشكلة ليست كلها محصورة بحماس، وإنما هي في جزء رئيسي منها مرتبطة بالنظام المصري، والدور المطلوب منه، ولذا، نرى أنه بقدر ما يتوجه الضغط الإسرائيلي العسكري على غزة، فإن المطالب تتوجه إلى العنوان المصري.
في مطلق الأحوال، إن فحصاً لهذه الخلاصة الإسرائيلية يقود إلى ملاحظات أساسية لا بد من تسجيلها لالتقاط وجهة الأمور:
أولاً: إن ما يريده الإسرائيلي عملياً هو التوصل إلى نهاية تقود إلى تعطيل المقاومة نهائياً في غزة، هذا ما تدل عليه بوضوح المطالب المشار اليها آنفاً، يضاف اليها مطلب تثبيت هدنة تصل إلى ما بين عشر أو خمس عشرة سنة.
ثانياً: إن مفهوم الردع الذي يتوهم الإسرائيلي أن عملياته الحربية قد أنجزته هو مفهوم يصح في ما لو كان الصراع يتم بين دولة ودولة، أو بين كيان مستقر له مصالحه المختلفة، ما يجعل حسابات الكلفة حاضرة بقوة لديه، لكن عندما يكون الصراع مع حركة مقاومة هي في التوصيف والمهام حركة تحرر وطني، وعندما يكون إزاء قضية كقضية الشعب الفلسطيني الذي يفتقد إلى أبسط مقومات الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فالأمر يختلف نهائياً، لأنه لا يكون في حسابات هذه الأطراف حجم الكلفة، وإنما حسابات الأهداف الأساسية، يضاف إلى ذلك أن مسألة الكلفة وأخذها بالاعتبار مسألة نسبية وتتداخل معها معايير مختلفة، ليس أقلها المعايير الايديولوجية والدينية، حيث تصبح الكلفة وفق هذه المعايير تضحيات لا بد منها، وهي تضحيات ليست مجانية، وإنما لها تعويضاتها الكبيرة.
ثالثاً: بناءً على ما تقدم، فإن العدو الإسرائيلي يدرك في ما بينه وبين نفسه، أن ما حققه، حتى الآن، ليس أكثر من إيجاد مشاكل ضاغطة وآنية، وليس بالمعنى الحقيقي الكلمة، إذ من شأن هكذا ضغوطات أن تولد قناعات معاكسة، أن لا حل إلا باستمرار المقاومة.
وبالنسبة لآليات ضبط تهريب السلاح، فهذه بدورها لا تعدو كونها أكثر من مسألة نسبية، ومسألة وقت ليس إلا، هذا إلى جانب ما تثبته المقاومات عبر التاريخ بأن المهم هو بقاء الإرادة والوعي الكفيلين بابتداع كل أشكال المقاومة الممكنة والملائمة والمتابعة لطبيعة العدو والأرض المعركة، فالمقاومة فكرة وروح وإرادة قبل أن تكون سلاحاً وأدوات. الخلاصة، يمكن القول، إن العدو الإسرائيلي الذي يترنح من عامل الوقت، والوضعية المتناقضة التي يراوح فيها ميدانياً وسياسياً، والتي يقف وراءها ثبات المقاومة والأهالي، ستؤدي إلى تجرعه كأس الهزيمة المرة مرة ثانية، هو وكل حلفائه في المنطقة ودولياً.
الانتقاد/ العدد 1329 ـ 16 كانون الثاني/ يناير 2009
2009-01-16