ارشيف من :آراء وتحليلات
على العهد: وحشيتان وديناميات مواجهة

كتب إبراهيم الموسوي
ليس الذي يفعله الصهاينة المحتلون في غزة مما يمكن أن تجده في أي قاموس آخر سوى القاموس الأميركي، هذا التفنن في القتل، هذا التلذذ بجرائم الإبادة الجماعية، هذا الاستخدام غير المسبوق لشتى أنواع الأسلحة الفتاكة ضد البشر دون تفريق بين طفل رضيع أو فتى يافع أو رجل كهل، أو بين "أنثنى وذكر"، أو بين مدني ومقاتل، هذا الاستهداف للمنشآت والمؤسسات وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية، كلها أمور لم تشهد الإنسانية مثيلاً لها حتى في أحلك أيام جاهليتها وعصور ظلامها.
ليس هناك مماثل لما يقوم به العدو الصهيوني في غزة إلا ما ارتكبته الإدارات الأميركية المتعاقبة من جرائم حصار وتجويع وقتل وإبادة جماعية، بدءاً بإبادة الهنود الحمر سكان أميركا الأصليين، مروراً بإلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي في آب 1945، وصولاً إلى حصار العراق وغزوه وقتل وجرح الملايين من أبنائه، وبينهم مليون طفل قتلوا بفعل الحصار المجرم.
الإدارة الأميركية التي تعد "اسرائيل" ربيبتها تضم عصابة من السفّاحين ومجرمي الحرب القتلة الذين يهندسون ويحفظون ويرفدون "اسرائيل" بكل أسباب الدعم المادي والعسكري، وتزويدها بأحدث آلات وتكنولوجيا القتل والإبادة، وكذلك الدعم المعنوي وإعطاء الضمانات بثبات سياسة التغطية لجرائمها في المحافل الدولية.
إزاء ذلك يبدو واضحاً، وفي ظل تسيّد الولايات المتحدة، كونها القوة العظمى الوحيدة في العالم منذ ما يزيد على العقدين من الزمن، أن مسلسل الجرائم الكونية مفتوح أمام المزيد من الارتكابات من جانب كلّ من الولايات المتحدة والعدو الصهيوني.
لا يأبه هذان الكيانان للمجتمع الدولي، ولا يقيمان أي وزن لمؤسساته الجامعة، ولا يخافان تبعات جرائمهما، فمستوى الحصانة الظالم الذي يتمتعان به يعصى على أي مساءلة، ولا تطاله أية محاكمة، ولا يخضع لأي قانون حتى الآن، إنها شريعة الغاب من جديد تبعث في القرن الواحد والعشرين على أيديهما، هذا الإجرام الوحشي غير المسبوق يجب أن يواجه بكل وسيلة، في العالم من المظالم والمظلومين من شعوب وأفراد ودول وحكومات ممن يستطيعون فعل الكثير.
ما يجري اليوم في غزة هو فجيعة للإنسانية ولكل ما يمت إليها بصلة، والأكثر فجاعة هو التواطؤ الدولي الرسمي الغربي تحديداً، الأميركي والأوروبي على وجه الخصوص. الغرب اليوم يضع كل منظومة قيمه الأخلاقية التي طالما تغنى بها وخاض الحروب للتبشير بها وفرضها على محك الاختبار. والنتيجة الأكيدة التي خرج الجميع بها لم تجد أن الغرب يكيل بمكيالين ويتبع سياسة ازدواجية المعايير فحسب، المحصلة النهائية وخلاصة ما يجري أن الغرب الرسمي منافق ومفلس أخلاقياً وخاوٍ من القيم.
لم يعد الغرب قادراً على اقناع شعوبه أولاً فضلاً عن الشعوب الأخرى أنه منبع لتصدير القيم، فالأمثولة الواضحة في الوحشية الرهيبة تقول إن هذا الغرب يفتقر إلى الاخلاقيات الأساسية، وصولاً إلى اعتماد منظومة متوحشة وإجرامية ضد كل الذين لا يسيرون في مخططاته أو يسايرونها، ولكن برغم كل فظاعة المشهد وقتامته يجب التأكيد على أن ما يجري ليس قدراً محتوماً لا يرد، يجب مواجهة ما يجري على غير مستوى وصعيد.
ثمة ديناميات عديدة يمكن لها مواجهة ما يجري بما يؤهلها لاجتراح الإنجاز والنجاح، ونذكر هنا ثلاثاً منها:
الدينامية الشعبية: لقد أثبتت هذه الدينامية فعاليتها في ممارسة الضغط المنظم المستمر والمباشر في الشارع من خلال الاعتصام والتظاهر، ورفع العرائض للحكومات المعنية، ودفعها إلى اتخاذ مواقف تدين العدو الإسرائيلي وتدعم الشعب الفلسطيني، ولكن ما ينقص هذه الدينامية هو المزيد من التنظيم وآليات التنسيق والتواصل لبلورة جبهة متماسكة فيما بينها تستطيع طرح برنامج عمل مرناً وموحّداً يراعي خصوصيات البلدان والمنظمات والقضايا محل المتابعة.
الدينامية الرسمية: وتتمثل هذه بمجموعة من الدول والحكومات المناوئة للسياسات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة والعالم، والداعمة لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتحرر والاستقلال، وقد قدّمت هذه الدينامية أيضاً أمثلة رائعة حول احترام السيادة والاستقلال السياسي بما يتناغم مع مصالحها القومية الحقيقية وتوجهاتها بعيداً عن التهديدات والتأثيرات الأميركية، ويأتي في طليعة هذه الدول فنزويلا وبوليفيا فضلاً عن سوريا وتركيا وايران وقطر في المنطقة.
الدينامية الثالثة: هي ما يمكن أن نسميه اصطلاحاً الدينامية الوسيطة، وتتمثل بالمنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية والشخصيات الفنية والاعلامية والثقافية والاكاديمية، وبعض الكنائس والجمعيات الدينية الأخرى، وهذه فعاليات ينبغي تعزيز التواصل المنتظم معها والعمل على ايجاد قواسم انسانية مشتركة معها، وتحويلها إلى برامج عمل حقيقية لضمان تشكيل رافد آخر باتجاه تشكيل جبهة كبرى ضد الحكومات المعتدية التي تخوض الحروب ظلماً وعدواناً على شعوب وحكومات من دون أي وجه حق.
إن الجرائم العديدة التي ارتكبها العدو ضد غزة من جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم الحصار والتطهير العرقي والفصل العنصري، قد أطلقت مستوى متقدماً من الوعي لم يسبق أن وجد في العديد من دول العالم، وعليه فإنه ينبغي تثمير هذا الوعي في هذه اللحظة النادرة بطريقة مسؤولة وجدية وحثيثة حتى لا تضيع كل التضحيات والدماء في غزة كما ضاع غيرها الكثير من قبل، وينبغي الاجابة على عهدة كل قوى المقاومة والممانعة من حكومات وحركات تحرر ومن يساندها من فعاليات أكاديمية وثقافية وإعلامية واجتماعية وفنية.
الانتقاد/ العدد 1329 ـ 16 كانون الثاني/ يناير 2009
ليس الذي يفعله الصهاينة المحتلون في غزة مما يمكن أن تجده في أي قاموس آخر سوى القاموس الأميركي، هذا التفنن في القتل، هذا التلذذ بجرائم الإبادة الجماعية، هذا الاستخدام غير المسبوق لشتى أنواع الأسلحة الفتاكة ضد البشر دون تفريق بين طفل رضيع أو فتى يافع أو رجل كهل، أو بين "أنثنى وذكر"، أو بين مدني ومقاتل، هذا الاستهداف للمنشآت والمؤسسات وسيارات الإسعاف والطواقم الطبية، كلها أمور لم تشهد الإنسانية مثيلاً لها حتى في أحلك أيام جاهليتها وعصور ظلامها.
ليس هناك مماثل لما يقوم به العدو الصهيوني في غزة إلا ما ارتكبته الإدارات الأميركية المتعاقبة من جرائم حصار وتجويع وقتل وإبادة جماعية، بدءاً بإبادة الهنود الحمر سكان أميركا الأصليين، مروراً بإلقاء القنابل الذرية على هيروشيما وناغازاكي في آب 1945، وصولاً إلى حصار العراق وغزوه وقتل وجرح الملايين من أبنائه، وبينهم مليون طفل قتلوا بفعل الحصار المجرم.
الإدارة الأميركية التي تعد "اسرائيل" ربيبتها تضم عصابة من السفّاحين ومجرمي الحرب القتلة الذين يهندسون ويحفظون ويرفدون "اسرائيل" بكل أسباب الدعم المادي والعسكري، وتزويدها بأحدث آلات وتكنولوجيا القتل والإبادة، وكذلك الدعم المعنوي وإعطاء الضمانات بثبات سياسة التغطية لجرائمها في المحافل الدولية.
إزاء ذلك يبدو واضحاً، وفي ظل تسيّد الولايات المتحدة، كونها القوة العظمى الوحيدة في العالم منذ ما يزيد على العقدين من الزمن، أن مسلسل الجرائم الكونية مفتوح أمام المزيد من الارتكابات من جانب كلّ من الولايات المتحدة والعدو الصهيوني.
لا يأبه هذان الكيانان للمجتمع الدولي، ولا يقيمان أي وزن لمؤسساته الجامعة، ولا يخافان تبعات جرائمهما، فمستوى الحصانة الظالم الذي يتمتعان به يعصى على أي مساءلة، ولا تطاله أية محاكمة، ولا يخضع لأي قانون حتى الآن، إنها شريعة الغاب من جديد تبعث في القرن الواحد والعشرين على أيديهما، هذا الإجرام الوحشي غير المسبوق يجب أن يواجه بكل وسيلة، في العالم من المظالم والمظلومين من شعوب وأفراد ودول وحكومات ممن يستطيعون فعل الكثير.
ما يجري اليوم في غزة هو فجيعة للإنسانية ولكل ما يمت إليها بصلة، والأكثر فجاعة هو التواطؤ الدولي الرسمي الغربي تحديداً، الأميركي والأوروبي على وجه الخصوص. الغرب اليوم يضع كل منظومة قيمه الأخلاقية التي طالما تغنى بها وخاض الحروب للتبشير بها وفرضها على محك الاختبار. والنتيجة الأكيدة التي خرج الجميع بها لم تجد أن الغرب يكيل بمكيالين ويتبع سياسة ازدواجية المعايير فحسب، المحصلة النهائية وخلاصة ما يجري أن الغرب الرسمي منافق ومفلس أخلاقياً وخاوٍ من القيم.
لم يعد الغرب قادراً على اقناع شعوبه أولاً فضلاً عن الشعوب الأخرى أنه منبع لتصدير القيم، فالأمثولة الواضحة في الوحشية الرهيبة تقول إن هذا الغرب يفتقر إلى الاخلاقيات الأساسية، وصولاً إلى اعتماد منظومة متوحشة وإجرامية ضد كل الذين لا يسيرون في مخططاته أو يسايرونها، ولكن برغم كل فظاعة المشهد وقتامته يجب التأكيد على أن ما يجري ليس قدراً محتوماً لا يرد، يجب مواجهة ما يجري على غير مستوى وصعيد.
ثمة ديناميات عديدة يمكن لها مواجهة ما يجري بما يؤهلها لاجتراح الإنجاز والنجاح، ونذكر هنا ثلاثاً منها:
الدينامية الشعبية: لقد أثبتت هذه الدينامية فعاليتها في ممارسة الضغط المنظم المستمر والمباشر في الشارع من خلال الاعتصام والتظاهر، ورفع العرائض للحكومات المعنية، ودفعها إلى اتخاذ مواقف تدين العدو الإسرائيلي وتدعم الشعب الفلسطيني، ولكن ما ينقص هذه الدينامية هو المزيد من التنظيم وآليات التنسيق والتواصل لبلورة جبهة متماسكة فيما بينها تستطيع طرح برنامج عمل مرناً وموحّداً يراعي خصوصيات البلدان والمنظمات والقضايا محل المتابعة.
الدينامية الرسمية: وتتمثل هذه بمجموعة من الدول والحكومات المناوئة للسياسات الأميركية والإسرائيلية في المنطقة والعالم، والداعمة لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتحرر والاستقلال، وقد قدّمت هذه الدينامية أيضاً أمثلة رائعة حول احترام السيادة والاستقلال السياسي بما يتناغم مع مصالحها القومية الحقيقية وتوجهاتها بعيداً عن التهديدات والتأثيرات الأميركية، ويأتي في طليعة هذه الدول فنزويلا وبوليفيا فضلاً عن سوريا وتركيا وايران وقطر في المنطقة.
الدينامية الثالثة: هي ما يمكن أن نسميه اصطلاحاً الدينامية الوسيطة، وتتمثل بالمنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخيرية والشخصيات الفنية والاعلامية والثقافية والاكاديمية، وبعض الكنائس والجمعيات الدينية الأخرى، وهذه فعاليات ينبغي تعزيز التواصل المنتظم معها والعمل على ايجاد قواسم انسانية مشتركة معها، وتحويلها إلى برامج عمل حقيقية لضمان تشكيل رافد آخر باتجاه تشكيل جبهة كبرى ضد الحكومات المعتدية التي تخوض الحروب ظلماً وعدواناً على شعوب وحكومات من دون أي وجه حق.
إن الجرائم العديدة التي ارتكبها العدو ضد غزة من جرائم حرب، وجرائم ضد الانسانية، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم الحصار والتطهير العرقي والفصل العنصري، قد أطلقت مستوى متقدماً من الوعي لم يسبق أن وجد في العديد من دول العالم، وعليه فإنه ينبغي تثمير هذا الوعي في هذه اللحظة النادرة بطريقة مسؤولة وجدية وحثيثة حتى لا تضيع كل التضحيات والدماء في غزة كما ضاع غيرها الكثير من قبل، وينبغي الاجابة على عهدة كل قوى المقاومة والممانعة من حكومات وحركات تحرر ومن يساندها من فعاليات أكاديمية وثقافية وإعلامية واجتماعية وفنية.
الانتقاد/ العدد 1329 ـ 16 كانون الثاني/ يناير 2009