ارشيف من :أخبار لبنانية

حكومة الوحدة الوطنية والمخاض الصعب: أي سيناريو يعمل له؟

حكومة الوحدة الوطنية والمخاض الصعب: أي سيناريو يعمل له؟
مصطفى الحاج علي
تواجه تسوية الدوحة تحدياً مزدوجاً: الأول سياسي يتمثل بتعثر تنفيذ البند الثاني منه والمتعلق بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، والذي يفترض أن يشكل المدخل الدستوري لتنفيذ البند الثالث الخاص بتشريع قانون جديد للانتخابات النيابية وفق التقسيم الذي تم الاتفاق عليه في الدوحة، والذي روعي فيه مفهوم القضاء بتعديلات جزئية.
والتحدي الثاني أمني يتمثل بتنقل وتمدد وانتشار وتوزع الإشكالات والمواجهات المسلحة على أكثر من منطقة ومكان، مصحوبة بشحن مذهبي مكثف يمارسه إعلام وكوادر تيار المستقبل على نحوٍ فاضحٍ ومكشوف، وفي مخالفة صريحة لاتفاق الدوحة الذي دعا إلى وقف الحملات الاعلامية والتحريضية والتزام مبادئ ومقولات التهدئة على أنواعها.
ومكمن العقد في استمرار تعثر انجاز التشكيلة الحكومية يتمثل بالتالي:
أولاً: عدم قدرة فريق الموالاة على التوفيق بين موجبات اتفاق الدوحة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وعملية إرضاء مكوناته المختلفة، وخصوصاً أن الجميع يعلق أهمية خاصة على هذه الحكومة باعتبارها حكومة الانتخابات النيابية، فأزمة هذا الفريق هي أشبه ما تكون بأزمة السوق عندما يواجه جشعاً رأسمالياً مصحوباً بكثرة الطلب وقلة العرض.
ثانياً: التوجه الاستئثاري والمقاطعجي لفريق الموالاة، حيث يصر أقطاب هذا الفريق على اعتبار الوزارات السيادية منها والخدماتية التي يشغلها أملاكاً خاصة لا يحق لأحد المطالبة بها. وهذا ان أخفى شيئاً، فإنما يخفي وراءه قُطباً وأسراراً هي عبارة عن خليط من المحسوبيات والفساد والالتزامات الداخلية منها والخارجية، هذا التوجه لدى الحريرية السياسية تحديداً يذكرنا بشعار المارونية السياسية المشهور: ما لنا لنا وما لكم لكم ولنا.
ثالثاً: سعي فريق الموالاة إلى الالتفاف على روح ومضمون وتوازنات حكومة الوحدة الوطنية. صحيح أن هذا الفريق أعطى موافقته عن يدٍ وهو صاغر لحكومة الوحدة، إلا أنه لم يتوقف عن محاولة إجهاض مضمونها من خلال الاخلال بمعادلة النسب العددية عبر الإمساك بالوزارات الحساسة من جهة، ومن خلال فرض مناخات وضغوط متنوعة لتقييد حكومة الوحدة ببيان وزاري هو خارج الأهداف المطلوبة من هكذا وحدة، وخارج التوازن العام الذي أنتجها. كل هذا يؤكد عمق التزامات هذا الفريق مع دول الوصاية، واستمراره في رهن سيادة لبنان وقراره الوطني لها.
رابعاً: تعامل فريق الموالاة مع رئيس الجمهورية لا بوصفه رئيس تسوية، وإنما بوصفه رئيساً ـ طرفاً، فهذا الفريق لم يتوقف لحظة واحدة منذ انتخاب سليمان رئيساً عن محاولة وضعه في وجه المعارضة عموماً، والرئيس ميشال عون تحديداً، ومناوراته في هذا الإطار مفضوحة، حيث عمل هذا الفريق، ومن خارج اتفاق الدوحة، على منح رئيس الجمهورية حقيبتين سياديتين: الداخلية (وهي متفق عليها وبشرط أن تعطى إلى وزير حيادي)، والدفاع، في الوقت الذي يعرف فيه فريق السلطة أحقية عون في أخذ حقيبة سيادية لتياره، ومن الواضح، أنه بمنح رئيس الجمهورية حقيبة الدفاع، وبإصرار السنيورة على تملك وزارة المالية، يكون قد أقفل باب المفاوضات في وجهه من جهة، ويكون قد وضع رئاسة الجمهورية في مواجهة مع عون من جهة أخرى، وذلك من ضمن نظرية لمسيحيي فريق السلطة تقول: إن مواجهة عون والانتصار عليه تتطلب توحيد ثلاث جبهات: الكنيسة ورئيس الجمهورية ومسيحيي فريق السلطة. وهكذا، سيبدو ـ في المحصلة النهائية ـ وكأن المعارضة بشخص عون هي من يعرقل ويضع العصي في دواليب انطلاقة العهد الجديد، في حين أن المشكلة الفعلية هي مع رئيس الحكومة الذي أناط به الدستور مسؤولية تشكيل الحكومة لا برئيس الجمهورية. خلاصة القول هنا، ان فريق السلطة يريد تحويل مناسبة تشكيل الحكومة إلى فرصة لتصفية الحسابات مع المعارضة عموماً والتيار الوطني الحر تحديداً.
خامساً: في مواجهة هذا كله تقف المعارضة صفاً واحداً مصرة على حقوقها السياسية، ورافضة تقديم أي تنازل، وراسمة في الآن نفسه سقفاً زمنياً لإنجاز التشكيلة الحكومية، والا فإنها ستعتبر نفسها في حلٍ من كل التزام آخر.
سادساً: على صعيد آخر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل كل ما تقدم يعني أننا أمام وضع ميؤوس منه، وأن لا أمل في أن نرى حكومة جديدة في المدى المنظور؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تقتضي ملاحظة التالي:
أولاً: إن استمرار حال المراوحة سيشكل عملية استنزاف وتجويف سريعة، سواء لاتفاق الدوحة، ما يعني إعادة الأمور إلى الوراء، أو لانطلاقة عهد الرئيس سليمان، الأمر الذي سيكون نذير سوء لكل المرحلة المقبلة، لا يمكن لرئيس الجمهورية أن يقبل بها أو أن يتحملها.
ثانياً: إن التوازنات والتقاطعات التي انتجت اتفاق الدوحة ما زالت هي هي، ولا يتوقع لها أن تتغير في المدى المنظور، وهي تملي بالتالي انقاذ هذا الاتفاق كاملاً، لأن أي انقاذ جزئي له سيجعله كأنه لم يكن، هذا إلى جانب أن الدول المعنية بهذا الاتفاق سيكون "ماء وجهها في الدق".
ثالثاً: إن عامل الوقت لا يعمل، في المدى المنظور على الأقل، لمصلحة فريق السلطة مهما حاول أن يكابر، وأن يقلل من شأن الضربة التي تلقاها، وبالتالي فإن التنازل الذي قدمه في الدوحة هو بمثابة حجر الدومينو الذي لا يقف عند أول قطعة تسقط فقط.
صحيح، أن عدم تشكيل الحكومة يمنع عملياً المعارضة من الحصول على الثلث المعطل، إلا أن عدم تشكيل الحكومة سيبقي حكومة فريق الموالاة حكومة تصريف أعمال، أي لا لون لها ولا طعم، ولا رائحة.
رابعاً: إن اتفاق الدوحة اتفاق عضوي بمعنى أن تنفيذ أحد عناصره بدون تنفيذ باقي العناصر لن يؤدي إلى نسج سقف سياسي كامل ومتين فوق الأزمة اللبنانية، الأمر الذي سيسرع في عملية الاهتراء الأمني، الذي بدوره لن يكون لمصلحة فريق الموالاة، وإن توهم أن هذا الاهتراء يمكن أن يخدمه في شد عصبه، وفي رفع معنويات فريقه، وفي نفخ الشعور بالقوة في أوصاله، إلا أن هذه السياسة سياسة قصيرة النظر ستوقع أصحابها في تقديرات خاطئة جديدة يدفعون كلفتها غالياً أكثر من المرة السابقة.
خامساً: إن بقاء الأمور على ما هي عليه سيعني المزيد أيضاً من التدهور في الأوضاع الاقتصادية والمالية والخدماتية والمعيشية، ما يعني تفعيل أكثر من صاعق تفجير اجتماعي واقتصادي، لن يكون في مصلحة أحد.
كل هذه الاعتبارات تدفع إلى الاعتقاد بأن ما يحدث الآن هو عملية تفاوض معقدة وصعبة إلا أنها طبيعية، ولا بد من أن تفضي في النهاية إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، إلا إذا كنا أمام لعبة تسويف هدفها تقطيع الوقت حتى موعد إجراء الانتخابات النيابية بدون تشريع القانون الجديد، وفي ظل إبقاء الوضع الأمني ملتهباً، لإمرار فكرة التمديد للمجلس النيابي الحالي، إلا أن هذه اللعبة سيف ذو حدين، ومن المؤكد أن المعارضة لن تقف موقف المنتظر والمتفرج.
2008-06-11