ارشيف من :أخبار عالمية

مفاجأة أوباما

مفاجأة أوباما
كتب ريتشارد هاس
إن الآمال الكبيرة المحيطة برئاسة باراك أوباما هي أمر إيجابي بشكلٍ عام، إذ أنها تنبّهنا إلى أن مشاعر الكراهية التي يكنّها العالم للولايات المتحدة ليست دائمة ولا يجب أن تكون كذلك.
إلا أن التوقعات هي أيضاً مشكلة بحد ذاتها لأوباما، بحيث سيكون من الصعب عليه – وفي بعض الحالات مستحيلاً – تحقيقها. فلن يكون هناك دولة فلسطينية هذا الربيع؛ ولن يتم التوصل إلى أي ميثاق عالمي للتغير المناخي أو اتفاق تجاري جديد، كما لن يتلاشى الفقر ولا الإبادات الجماعية ولا الأمراض في أي وقتٍ قريب.
وتتخطى أسباب ذلك حقيقة أن الإنجازات الكبرى تتطلب الوقت والجهد. فالرئيس الجديد يواجه قيوداً استثنائية – وهي قيودٌ ستجعل من الضروري للدول الأخرى أن تبذل المزيد من الجهود إن كان الإستقرار والإزدهار سيصبحان معياراً وليس فقط حالة شاذة.
ويتجذر القيد الأكثر وضوحاً من وضع الولايات المتحدة الإقتصادي. فقد تم التخلص من مليوني وظيفة في الأشهر الأربعة الفائتة فقط، في ظل استمرار سوق العقارات بالتدهور، وتقلص الناتج المحلي الإجمالي بمعدل غير مسبوق إجمالاً.
ونتيجةً لذلك، لن يكون أمام أوباما أي خيارٍ إلا بتكريس حصة الأسد من وقته وانتباهه إلى إعادة إحياء الإقتصاد. فأكثر من أي شيءٍ آخر، سيحدد نجاحه في هذا المجال أسلوب فهم إدارته. ويدرك أوباما أن هذا الشأن سيتطلب منه تأجيل إنجاز العديد من الوعود الأخرى التي قطعها خلال حملته. 
أما القيد الثاني فيتجذر من كل الأزمات التي سترحّب بالرئيس الجديد. فالإسرائيليون والفلسطينيون يخوضون حرباً ثانوية. والوضع في العراق يتحسن إلا أنه غير ثابت في أي حالٍ من الأحوال. وربما سيكون على أوباما الإختيار بين مهاجمة تجهيزات إيران والعيش مع إيران تمتلك القدرة على تصنيع سلاحٍ نووي في غضون أسابيع. كما تخسر حكومة أفغانستان السيطرة في صراعها ضد طالبان الناهضة من جديد. ومن الممكن أن تصبح باكستان التي تمتلك الكثير من الأسلحة النووية والتي تأوي أخطر إرهابيي العالم، دولة فاشلة كما قد تصبح كوريا الشمالية المسلحة نووياً. فالعديد من هذه التحديات ليست بمشكلاتٍ تحتاج حلولاً بقدر ما هي أوضاع تحتاج تدبيراً.
ويتأتّى القيد الثالث من اتجاهات النظام العالمي. فحقبة الأحادية المتمثلة ب"أمريكا" قد انتهت. وسيرث أوباما عالماً تتخذ القوة فيه جيمع أشكالها – العسكرية، الإقتصادية، الديبلوماسية، والثقافية – ويسود فيه الإضطراب أكثر من أي وقتٍ مضى. وهذا يعني أن عليه التعاطي مع عددٍ كبيرٍ من الأخطار، ومواطن الضعف، إلى جانب الفاعلين المستقلين الذين قد يرفضون الإنصياع لمشيئة "أمريكا".
كل هذا يزيد من الصعوبات أمام الولايات المتحدة لتسوية كل القضايا في العالم – وأمام أوباما ليحظى بفرصة تحقيق التوقعات التي بُنِيَت عليه – من دون المساعدة الفاعلة من الغير. وبما أن أوباما سيرغب بتحقيق بعض هذه التوقعات، فحريٌ بالدول الأخرى أن تكون حاضرة للمطالب، أو الضغوط، الأمريكية بأن تتصرف بالتعاون مع الولايات المتحدة وليس ضدها أو البقاء مكتوفة الأيدي.
فالصين ستخضع لضغوط من أجل إعادة تقييم عملتها (العالقة في مستويات متدنية بشكلٍ إصطناعي) بحيث تكون الصادرات الصينية أعلى كلفةً والواردات الآتية من دول أخرى (بما فيها الولايات المتحدة) أكثر رخصاً. وسيُنتَظر من الصين وبلدانٍ نامية أخرى أن تنفّذ واجبها بتخفيض انبعاثات الكربون وإبطاء وتيرة التغير المناخي العالمي.
وعلى الدول الأوروبية أن تكون حاضرة للدعوات الأمريكية بأن تضاعف جهودها لمواجهة التحدي الأمني المتفاقم في أفغانستان. فما يتعرض للخطر هو ارتباط الناتو بهذا الموضوع في عالمٍ تظهر فيه التحديات الأمنية الأساسية التي تواجه أوروبا خارج منطقة معاهدة الناتو.
وستواجه كل دولة أياً كان نوعها مطالباً لتأدية واجبها من أجل تخطي العقبات أمام اتفاق تجاري عالمي جديد. فيجب تخفيض كل الحواجز الجمركية منها وغير الجمركية. كما سيُطلَب من الدول الغنية تخفيض الإعانات المالية الحكومية، ومن الدول الفقيرة فتح أسواقها.
إلى هذا، سيُسأل القادة العرب الذين ينتقدون الولايات المتحدة على العيوب البارزة في سياساتها تجاه الشرق الأوسط في المقابل عن مدى استعدادهم لفعل ما يجب فعله من أجل تقوية الحكومة في العراق. فما إن تنقضي المعركة بين إسرائيل وحماس، حتى تتم إثارة سؤال مؤكد حول ما ستفعله الدول العربية لتقوية الفلسطينيين المعتدلين وإقامة سلامٍ مع إسرائيل.     
وعلى روسيا والصين أن تتوقعا ضغطاً هائلاً من أوباما لفعل المزيد من أجل ردع إيران عن مواصلة تخصيب اليورانيوم. وسيتضمن هذا الأمر الدعوات لعقوبات سياسية واقتصادية أشد، وربما دعم أكبر للحد من استخدامات القوة العسكرية لصالح فرض عقوبات المشددة.
إن هذه القائمة طويلة، ولكن من الممكن إطالتها أكثر بكل سهولة. فقد كان باقي العالم يشعر بالامتعاض في أغلب الأحيان من جورج بوش، لجهة أسلوب ومضمون سياسته الخارجية على السواء. واليوم، سيجد الآخرون أن البديل لتنفيذ "أمريكا" المهمة لوحدها أو الإنسحاب من المشهد العالمي هو التعددية الحقيقية، التي تتطلب استعدادهم وقدرتهم على تسخير الموارد للتعامل مع التحديات الضاغطة. فمن المرجح أن يكون أوباما أكثر ديبلوماسية من سلفه، إلا أنه سيكون أكثر تطلباً، على الأغلب.       
 
(*) ريتشارد هاس هو رئيس مجلس العلاقات الخارجية.
20 ك2/يناير 2009
المصدر: دايلي  نيوز إيجبت/ موقع الشرق الجديد، ترجمة: مهى صالح
2009-01-22