كتب حسن نعيم
مشهدان غزّيان, يمكنهما أن يختصرا واقعها بكثير من الإيجاز والوضوح الذي لا يعوزه العمق التحليلي.
المشهد الأول هو المأساة الإنسانية التي لا نظير لها في التاريخ المعاصر، والمشاهد التي نقلتها وسائل الإعلام أكثر بلاغةً وتصويراً للحقيقة من أي كلام ووصف وإضافات, إذ لا إضافة تضاف.
المشهد الثاني هو البطولة الأسطورية التي مارسها المقاوم الفلسطيني على أرض المعركة, وما يستتبعها من صمود الناس ورسوخ الإيمان وقوة القرار التي تحلّى بها قادة فصائل المقاومة وعلى رأسهم حماس والجهاد الإسلامي، مع التحفظ على كلمة يستتبعها بالنظر الى حجم الضغوطات التي مورست على القيادة الفلسطينية الحماسية على وجه التحديد، وبالنظر إلى التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني الصابر والمحتسب الذي كان يقول في أحلك اللحظات وأصعب المواقف حسبنا الله ونعم الوكيل...
 البطولة الأسطورية التي يعترف بها العدو قبل الصديق, والمأساة الإنسانية التي يصعب حتى تصورها، هما عنوانان رئيسيان للملحمة الفلسطينية الأخيرة التي تندرج كل العناوين المائزة لحرب غزة الأخيرة تحتها. أما العناوين الأخرى كالتعاطف الشعبي العربي والعالمي على أهميته الوجدانية فلا مكان له على الخريطة العملية الرادعة لهذا الوحش الذي اسمه "إسرائيل". أما ما يحكى عن التخاذل العربي على مستوى الحكّام فهو أيضاً مما يمكننا وصفه بالعدم بالنظر إلى انتفاء صفة الفعل والحاكمية عنهم، فهم بمعظمهم أدوات لحاكميات وفاعليات أخرى تدور في الفلك الأميركي على وجه التحديد.
أما درس غزة الأبلغ من كل بلاغة, والأحق من كل الحقيقة، فهو أنه ينبغي لنا الآن محو معادلة القوة والضعف, وإحلالها بمعادلة القوة والخوف. فلا يمكن لأحد بعد غزة أن يحتج بضعفه للهرب من مواجهة مع الباطل مهما عتت قوة هذا الباطل.
الانتقاد/ العدد 1330 ـ 23 كانون الثاني/ يناير 2009