ارشيف من :آراء وتحليلات

حدث في مقالة: ما بعد الحرب على غزة.. أية مرحلة؟

حدث في مقالة: ما بعد الحرب على غزة.. أية مرحلة؟
كتب مصطفى الحاج علي
عام 2006، ولم يكد عدوان تموز يتوقف، حتى سارعت الإدارة الاميركية إلى تحديد مهام مرحلة ما بعد هذا العدوان، والتي اختصرت بجملتين آمرتين صغيرتين، لكنْ بالغتا الدلالة: الأولى، ممنوع على حزب الله أن يحتفل بالنصر؟ والثانية، ممنوع على حزب الله أن يترجم انتصاره في السياسة؟
سرعان ما تمّ التجاوب مع هذه الأوامر الأميركية عبر حملة منظمة قام بها فريق الموالاة آنذاك ركزت بشكل رئيسي على التشكيك في أصل الانتصار من جهة، وعلى إبراز حجم كلفة العدوان من جهة أخرى، لكن على نحوٍ يحمّل المسؤولية للمقاومة وليس للعدو الإسرائيلي، كما عمل فريق الموالاة بقوة لتأخير ترجمة التوازنات الجديدة في صيغة حكومة وحدة وطنية تحصل فيها المعارضة على الثلث الضامن، إلى أن انفجرت الأمور في السابع من أيار فارضة إحداث تغيير في المعادلة السياسية الداخلية جرى التعبير عنه في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي تشكيل حكومة وحدة وطنية، وتفرغ الجميع لاستحقاق الانتخابات النيابية في شهر حزيران القادم.
إن مناسبة التذكير بهذه الوقائع تعود إلى التطورات الأخيرة الخاصة بالحرب الإسرائيلية على غزة، والتي تشبه كثيراً في مسارها العام، واستهدافاتها العامة، المسار والاستهدافات الخاصة بعدوان تموز، والتي أيضاً تشبه كثيراً نتائجها نتائج عدوان تموز على لبنان: في تموز فشل العدو الإسرائيلي في انجاز أهدافه من الحرب، وفي عام 2009 فشل أيضاً في غزة، المقاومة خرجت منتصرة في لبنان، وفي فلسطين خرجت المقاومة منتصرة. العدو الإسرائيلي ادعى في تموز أنه ألحق إصابات وأضراراً بالغة بالمقاومة، وفي كانون الثاني يدّعي الأمر نفسه في ما يتعلق بحماس، في عدوان تموز شهدنا انقساماً عربياً في الموقف من الحرب، وفي العدوان على غزة شهدنا انقساماً أبلغ وأقوى، في لبنان شهدنا انقساماً داخلياً كبيراً كذلك، وفي فلسطين هناك انقسام حاد أيضاً، مع فارق أنه في لبنان كنا في مواجهة حكومة غير شرعية، وفي فلسطين كنا إزاء حكومتين تتوزعان وتتقاسمان السلطة بقوة الأمر الواقع، نعم في لبنان كان هناك فراغ في سدة الرئاسة، واليوم في فلسطين هناك رئيس للسلطة الفلسطينية انتهت مدة ولايته، وهو ـ بالتالي ـ فاقد للشرعية، ويحكم بقوة الأمر الواقع.
إلى أين تقودنا هذه المقارنة، وما الغاية منها؟ ما نريد قوله هو الخلاصات التالية:
أولاً: سنشهد محاولات حثيثة من قبل الولايات المتحدة، والكيان الإسرائيلي، والسلطة الفلسطينية، والنظام المصري ومن يدور في فلكهم، ويصرّ على ركوب رأسه، سنشهد محاولات مماثلة لمنع المقاومة في غزة من الاحتفال بالنصر، عبر تعميم منطق الهزيمة، واستحضار حجم الدمار والتضحيات البشرية.
ثانياً: سنشهد محاولات حثيثة أيضاً من قبل هؤلاء تحديداً لتوظيف حصيلة العدوان لمصلحة السلطة الفلسطينية، وذلك من خلال حصر المساعدات المالية والعطايا الخاصة، بإعادة الإعمار بيد السلطة الفلسطينية، وذلك بهدف تحويل المساعدات إلى جسر عودة للسلطة إلى غزة، وذلك في وجه حركة حماس.
ثالثاً: سنشهد محاولات قوية لمحاصرة المقاومة ليس فقط خدماتياً ومالياً واقتصادياً ومعيشياً، وإنما أمنياً وعسكرياً، وذلك من خلال استثمار تقاطع المصالح الكبير القائم بين الكيان الإسرائيلي، والنظام المصري تحديداً، ومنظومة عرب التسوية عموماً، والغرب إجمالاً، لفرض واقع أمني صعب على حركة تسلح المقاومة لإضعافها.
رابعاً: الحرص على منع التواصل والتفاعل بين منطقة قطاع غزة، ومنطقة الضفة الغربية، كي لا تشكل غزة رافعة شعبية قوية لحركة المقاومة في الضفة.
باختصار، سنشهد محاولات عديدة هذه المرة لمنع حركة المقاومة في غزة من ترجمة انتصارها على مختلف الصعد، وهذا من شأنه أن يعمق الانقسام السياسي الفلسطيني الداخلي، ويدفع الاحتقان السياسي الداخلي إلى مستويات خطرة، لكن من الواضح، أنه لن يكون هناك أيار فلسطيني، ما يجعل طيف القوى الفلسطينية محكوم بتنظيم عملية حوار وطني على قاعدة التمسك بالثوابت، ويفتح الطريق أمام إعادة بناء المؤسسات السياسية عبر  انتخابات حرة ونزيهة، تعكس المزاج الفعلي، والخيارات الحقيقية للشعب الفلسطيني.
فهل سنشهد تسوية داخلية من هذا النوع، أم سنشهد مخاوف من هذه الانتخابات، فيعمل على التأجيل والتسويف، لتبقى الأمور على ما هي عليه.
الانتقاد/ العدد 1330 ـ 23 كانون الثاني/ يناير 2009
2009-01-23