ارشيف من :أخبار لبنانية

الحصار البحري وتعويض العجز الإسرائيلي

الحصار البحري وتعويض العجز الإسرائيلي
كتب غالب قنديل
تقوم خطة التعويض عن العجز الإسرائيلي منذ هزيمة تموز 2006 على  اعتماد مبدأ تحريم التسلح برا وبحرا على المقاومة اللبنانية وهو ما شكل محور القرار 1701 ومحتوى المحاولات الدولية المتمادية واليائسة للإمساك بالحدود اللبنانية السورية ووضعها تحت الرقابة بمعونة قوى لبنانية تواطأت في تسريب التدابير والإجراءات تحت وطأة التهديد بالفتنة الداخلية.
بعد الفشل الإسرائيلي في مجابهة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، ينقل الأميركيون والحلف الأطلسي خبرات النموذج اللبناني إلى ساحل غزة والحدود المصرية مع القطاع التي تحولها السياسة المصرية إلى مجال قابل للتطويع وفقا للشروط الأميركية الإسرائيلية خلافا لحالة الحدود السورية مع لبنان، وإن كان المحتوى الفعلي لنشر قوات مصرية بموافقة إسرائيل هو تجاوز لاتفاقية كمب ديفيد لكنه رضوخ للطلبات الأميركية والإسرائيلية في مراقبة الحدود لمنع تسلح المقاومة أو تمويلها.
أولا : إن القبول بتكريس مبدأ تحريم التسلح على المقاومة في لبنان وفلسطين هو أمر مشين سياسيا وأخلاقيا ولا يعفي من ضرورة إدانته ورفضه مبدئيا ، حتى لو كانت التوازنات الحاضرة لا تسمح سوى بتلمس سبل التفلت من أحكامه التطبيقية لمراكمة قوة المقاومة العسكرية وهذا شأن المقاومة وقيادتها بجميع تفاصيله، وهي أثبتت قدرة فعلية على ابتداع السبل والوسائل في وجه الحصار البري أو البحري ، ولكن بعد مذابح غزة التي جاءت أشد فظاعة في حصادها من المجازر التي نفذها العدو في لبنان وبينما لا يجد الفقراء المستهدفون بوجودهم ومصيرهم حماية أو قوة للدفاع عنهم سوى المقاومة ، لا يعني تحريم التسلح سوى قرار أميركي أطلسي بإطلاق يد القوة الإسرائيلية المجرمة ، وهذا ما ينبغي العمل لتوضيحه أمام العالم فصواريخ المقاومين هي أسلوب الرد الموجع الذي يخشاه الإسرائيليون وهي وسيلة ردع العسكرية الصهيونية عن التمادي في ارتكاب المذابح ضد السكان المدنيين .
ثانيا : ما يسمى بالمجتمع الدولي يحرم على المقاومة أن تتسلح ، بموازاة التذخير المتواصل لترسانة إسرائيل الحربية وهو يقدم بذلك تعبيرا دقيقا عن فظاعة التدخل الاستعماري الأميركي في المنطقة لفرض الهيمنة الصهيونية عليها ، وحيث يمثل حشد أسطول الحلف الأطلسي قبالة سواحل لبنان وغزة خطوة عدائية يجب التصدي لها سياسيا وحقوقيا بوصفها محاولة للتأثير على معادلات الصراع العربي الإسرائيلي وفرض التسليم بالتسوية التي تريد إسرائيل فرضها على العرب ، فعنوان التواجد الأطلسي المعلن على شواطئنا هو حماية التفوق العسكري الإسرائيلي وحرمان المقاومة من موارد القوة وبغض النظر عن مدى احتياج المقاومة إلى سلوك الطرق التي يسعى الأميركيون لوضعها تحت رقابتهم الأمنية  والعسكرية .
ثالثا :  من الواضح أن إدارة أوباما لا تملك القدرة على رعاية حرب جديدة كبرى في المنطقة وعلى الأقل في المدى المنظور فهي منشغلة بأولويات داخلية عديدة وبحربي أفغانستان  والعراق ولكن يتبين أن تحركها السياسي بمضمونه التفاوضي ينطلق من أولوية حاسمة  ومشتركة بين جميع الإدارات الأميركية وهي تبني الرؤية الصهيونية للتسوية في المنطقة  وهذا سيجعل مسارات التفاوض بين الولايات المتحدة وكل من سوريا وإيران صعبة  ومتعرجة كما أنه سوف يعني مزيدا من التدخل الأميركي لمصلحة إسرائيل في الواقع السياسي الفلسطيني الداخلي وبالتالي يتطلب عملا مدروسا وجديا لاستنهاض أوسع تحالف وطني فلسطيني حول المقاومة لمحاصرة المجموعات المرتبطة بالحلف الأميركي الإسرائيلي بصورة مباشرة أم بواسطة بعض الحكومات العربية التابعة .
رابعا : إن احتمال ذهاب إسرائيل إلى حرب كبرى في السنوات المقبلة هو احتمال قائم  وجدي بالنظر لطبيعة الكيان الصهيوني الذي سيذهب نحو المزيد من التشدد والعدوانية وهو المحكوم بالاصطفاء اليميني فالمستوطنون الصهاينة يقودهم الكفر بجدوى الكيان إلى الهجرة المعاكسة أما الباقون في فلسطين السليبة فهم صفوة تيارات العنصرية وعقائد الإبادة الجماعية وينبغي الإقلاع عن المبالغة في نفي احتمال شن حرب إسرائيلية جديدة ضد لبنان أو ضد سوريا ولبنان معا أم ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية ، خصوصا لأن ما يجب التحضر له في الفترة المقبلة هو احتمال تنظيم  الصهاينة لمذابح في الأراضي المحتلة عام 1948 بعد التطويب النهائي الذي أعلنه أوباما لفكرة الدولة اليهودية التي لا يعني نقاؤها العنصري سوى تعزيز التوجه إلى التخلص من الفلسطينيين وهو اتجاه يتصاعد داخل الكيان الصهيوني ويقتضي المتابعة عن كثب .
الإصرار على حق العودة والتمسك بالمقاومة وحقها بالتسلح والعمل لأنها قوة الدفاع المشروع عن الوجود والانتقال من فكرة الدولتين إلى فكرة فلسطين التي يعود إليها أهلها ليمارسوا حقهم في تقرير المصير على أرضهم وليختاروا النظام السياسي المناسب لهم باقتراع حر هي الرد الذي يستحق الدراسة على فكرة الدولة اليهودية العنصرية.
2009-01-24