ارشيف من :آراء وتحليلات

بعد بن لادن ... أميركا تطارد باكستان!

بعد بن لادن ... أميركا تطارد باكستان!

عقيل الشيخ حسين

قبل أن يتمكن الأميركيون من قتل بن لادن، وفقاً لروايتهم التي تظل مفتقرة إلى الصدقية التامة، رغم اعتراف القاعدة  وبعدها طالبان بمقتله، وهو الاعتراف الذي لا يمكن التعويل أيضاً على صدقية مصدره، كانوا يتبرمون من موقف باكستان، أو بعض أجهزتها العسكرية والمخابراتية، غير المتعاون في الحرب على الإرهاب، أو حتى الضالع بتقديم المساعدة لمن يسمونهم بالإرهابيين والمتشددين.
 

وبعد مقتل بن لادن، إذا صحت فرضية مقتله، قويت حجة الأميركيين في اتهام باكستان: كان بن لادن يقيم منذ مدة طويلة (خمس سنوات أو سبع) في منزل قريب من أكاديمية عسكرية باكستانية غير بعيدة عن العاصمة إسلام أباد، دون أن تعلم الأجهزة بوجوده. فشل أم تواطؤ؟
 

الأميركيون يفضلون نظرية التواطؤ الباكستاني مع القاعدة وطالبان، حتى لو لم يستبعدوا نظرية الفشل. لأن هذه وتلك تسمح لهم بممارسة الضغوط باتجاه زعزعة الدولة الباكستانية بأشكال ليس أقلها إتاحة الفرصة لبرويز مشرف بأن يطل برأسه ليضع الحكومة الباكستانية أمام احتمالي العجز أو التآمر. أو التهويل على باكستان بوقف التعاون الاستخباري معها واستبداله بتعاون في هذا المجال مع جارتها اللدودة، الهند. أو بوقف المساعدات المالية الضخمة التي حصلت عليها باكستان منذ عام 2001 والتي تقدر بـ 25 مليار دولار معظمها ذو طابع عسكري لتمكينها من الإسهام الفعال في الحرب على ما يسمى بالإرهاب.

أما الهدف من تجريم باكستان فهو "إرهابها" خدمة لرهان الأميركي على زجها في المعترك الأفغاني بشكل يكفل اضطلاعها بالدور الذي تقوم به قوات التحالف التي يفترض، بحسب الوعود، أنها ستبدأ بالانسحاب من أفغانستان في تموز/ يوليو القادم، على أن يستكمل الانسحاب في العام 2014.

وفي الوقت الذي لا تبدو فيه باكستان جاهزة لتلبية هذه الرغبة الأميركية لأسباب منها حالة التوتر الدائمة مع الهند، وعجزها عن احتواء المد الطالباني داخل حدودها، إضافة إلى مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخانقة، فإنها تكتفي بمحاولة رد التهم الموجهة إليها، مع توجيه انتقادات خجولة للأميركيين.

فهي تعترف بالعجز في المواجهة مع الإرهاب وتعتبر، على ما ورد في تصريحات أدلى بها رئيس وزرائها، يوسف رضا جيلاني، خلال زيارته الأخيرة لباريس، أن مواجهة الإرهاب ليس بالمهمة السهلة، وأن على جميع دول العالم أن تتعاون فيما بينها، وأن تساعد باكستان في التصدي لهذه المهمة.

أما عن اختباء بن لادن في مكان غير بعيد عن أكاديمية عسكرية باكستانية فهو، بحسب جيلاني، دليل على فشل العالم كله إضافة إلى الولايات المتحدة في مطاردته.

وما يضيف التباساً ذا وزن إلى كل ما أحاط بقصة مقتل بن لادن من التباسات هو تأكيد جيلاني على أن الباكستانيين اشتبهوا بالمكان الذي يقيم فيه بن لادن وأعلموا الأميركيين بذلك منذ العام 2009. لكن الأميركيين تجاهلوا دعوى جيلاني هذه مفضلين إبقاء الباكستانيين وحدهم في قفص الاتهام.

ربما لعلمهم أن ما تعانيه باكستان من أزمات، وخصوصاً "طمعها" في تحصيل المزيد من المساعدات المالية لا يسمح لها بدق الإسفين إلى نهايته في صرح العلاقات بين البلدين، وهذا ما يؤكده التشديد الباكستاني على الحاجة إلى المساعدة من العالم أجمع، كما تؤكده الجهود التي بذلها جيلاني، خلال زيارته الباريسية، من أجل إقناع رجال الأعمال الفرنسيين بالاستثمار في باكستان.
 

ولعلمهم أيضاً بأن التهديدات "المبهمة" التي صدرت عن مسؤولين عسكريين باكستانيين والتي أفادت بأن "أي بلد يحاول الإغارة على باكستان بالطريقة التي قامت بها القوات الأميركية سيقابل برد من الجبش الباكستاني"، هي للاستهلاك المحلي بعد فضيحة تنفيذ العملية العسكرية ضد بن لادن في قلب الأراضي الباكستانية ودون إعلام السلطات الباكستانية بالموضوع.

أما الأنباء التي تحدثت عن تعطيل الدفاع الجوي الباكستاني أثناء تنفيذ العملية ضد بن لادن بهدف تمكين القوات الأميركية من القيام بالمهمة دون إزعاج، وهي الأنباء التي نفتها السلطات الباكستانية، فإنها لا تغير شيئاً في المعادلة، وإن كان بإمكان جيلاني استخدامها في التدليل على فعالية مشاركة بلاده في الحرب على الإرهاب عموماً، وفي قصة مقتل بن لادن خصوصاً. 

وأياً يكن الأمر، فإن من الواضح، بعد أن قامت الطائرات الأميركية بدون طيار، بعد التهديدات المذكورة، بتنفيذ عمليات في باكستان أوقعت العديد من الضحايا، دون أن تقابل برد من الجيش الباكستاني، أن تلك التهديدات كانت من النوع الاعتيادي المتبادل مع الهند أكثر مما هي موجهة إلى الولايات المتحدة.

وبالطبع، لم تنته فصول المشادة الأميركية الباكستانية. فالرئيس الباكستاني ورئيس الوزراء وقادة الجيش والاستخبارات منهمكون في اجتماعات متواصلة، والبرلمان يتهيأ للنظر في الملابسات، وفي الأفق القريب إقالات واستقالات، ناهيكم عن المعارضة التي خيرت رئيس الجمهورية بين توضيح الملابسات أو الاستقالة.

وإذا كانت الكرة قد مزقت شباك المرمى الباكستاني، فإن المرمى الأميركي قد بدأ بالاهتزاز على وقع الغموض والتصريحات المتناقضة حول ملابسات مقتل بن لادن، وربما تكون للقضية تبعات جنائية بعدما دعت المفوضة العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى نشر الوقائع "الكاملة والدقيقة" لمقتل زعيم القاعدة، على أساس أن مكافحة الإرهاب يجب أن تحترم القانون الدولي.

2011-05-09