ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر:قصة الطاغية والبطل

نقطة حبر:قصة الطاغية والبطل
كتب حسن نعيم
ليت الذين يتحدثون اليوم عن جسامة الخسائر الفلسطينية جراء الحرب الأخيرة التي شنتها الآلة العسكرية الصهيونية على غزة يتوقفون قليلاً على النتائج التي حصدتها هذه الحرب على الصعد كافةً ما دام أنهم لا يؤمنون إلاّ بمنطق الأسباب والنتائج.
ثمة خسائر جسيمة عند الجانب الفلسطيني نعم, ولكن بالمقابل ثمة خيبة أمل عميقة لدى العدو الصهيوني. وإحساس بالعجز الكامل عن إحداث أي تغيير في قواعد اللعبة. إنها اللعبة القديمة قدم التاريخ نفسه، قوامها طاغية مدجج بالأسلحة والشرور والرعونة، ومقاوم امتشق الحق سلاحاً.
الطاغية معتد، وهو يعرف أنه معتدٍ، لكن إحساسه بامتلاكه لوسائل القوة يدفعه لاستعمالها في وجه من يعتقد أنه لا يمتلكها, وهو في قرارة نفسه يعرف انه يمتهن كرامات الآخرين، لكن لا يستطيع مقاومة شهوة الاعتداء على الغير الذين لا يمتلكون أسباب قوته،  فيبدأ بممارسة ما يظن أنه حقه في تطبيق قوانين القوة الأقوى على القوة الأضعف من دون أي أخذ في عين الاعتبار للمعايير الأخلاقية والإنسانية، بل هو يعتبر أن الحديث عن هذه المعايير هو سلاح الضعفاء وفاقدي الحيلة.
يعرف الطاغية أن من يصفقون له, أو يسكتون عن جرائمه أو يكتفون بمجرد إدانته، إنما يسكتون ويصفّقون لقوته وليس لحقه, فالحق عنده هو القوة والقوة هي الحق.
أما من لا يمتلك أسباب القوة فهو إزاء خيارين لا ثالث لهما، إما أن يخضع ويجد لنفسه ما تسعفه حنكته في ابتداع المبررات التي ابتدعها من قبله أهل الكوفة، وإما أن يرفض  الخضوع والاستكانة فيكون حسينياً.. بطلاً.. مقاوماً.. وقل ما تشاء من أوصاف العزة والعنفوان والنبل والطهر، ولكل هذا ضريبته الكبيرة جداً التي دفعها الغزاويون بصبر وشدة بأس وقوة شكيمة يحسدون عليها.
هذه ثقافة المقاومة وهذا درس من أبلغ دروسها... تضحيات كبيرة جداً وآلام إنسانية أكبر من أن يتصورها عقل, وفي الجهة المقابلة خسارة سياسية وخيبة أمل وعجز عن قهر غزة....
هذه ثقافة المقاومة، لك أن تقبلها ولك أن ترفضها وتستهزئ بالقائلين بها, لكنها خيارنا، هكذا تربينا، وهكذا نربي أبناءنا.
الانتقاد/ العدد1331 ـ 30 كانون الثاني/ يناير 2009
2009-01-28