ارشيف من :أخبار لبنانية
خاص الانتقاد.نت: رحلة الخروب ليتحول دبساً وشراباً ومواد تجميل

النبطية ـ عامر فرحات:
غالبا ما يكون العودة الى الارض، منبعا للحياة وعودة إلى صفاء روح ارهقت بمنتوجات لوثتها المواد الحافظة والامراض، هي بنت البيئة المعطاءة التي تهب الإنسان والأرض والطير والحيوان الكثير من الفوائد والاستعمالات، انها شجرة الخروب..شجرة الحياة بوجهيها الحياة الصحية عبر شرابها او عصارتها، والبيئة النظيفة باغصانها التي تبقى خضراء على مدار العام .
في سفح جبل الرفيع المشرف على بلدة عربصاليم في اقليم التفاح، يقع مصنع دبس الخروب، الذي ابصر النور منذ عشرة ايام بعد ان تم افتتاحه من قبل الجمعيات المانحة، وبعد طول انتظاره تنفس مزارعوا الخروب الصعداء للمشقة التي كانوا يعانون منها للوصول الى معاصر الخروب البعيدة بالاضافة الى الفرصة التي اعطيت للمزارع لزيادة زراعته لهذه الشجرة المثمرة وفرصة انتاج جديدة.
يشكل المعمل نافذة جديدة للمزارع للتشبث بالارض، بعد ان منعه الاحتلال من الاستفادة منه ابان الاحتلال الاسرائيلي للجنوب قبل العام 2000 واهمال الدولة لمساعدة اهل الارياف للعمل بالارض وتأمين العيش الرغيد منها.
المهندس الزراعي قاسم حسن مؤسس الجمعية الزراعية في عربصاليم قال: "ان المصنع هو الاول في منطقة اقليم التفاح والجنوب لصناعة دبس الخروب، ويندرج في اطار تنشيط زراعة الخروب التي كانت تتجه نحو الاضمحلال كشقيقاتها من الزراعة البعلية".
ونظرا للاهمية الكبرى للخروب ارتأت بلدة عربصاليم ان تعمل على الاستفادة من ثمرة الخروب، من هنا كانت الانطلاقة، ففي عام 2002 كانت مبادرة من الجمعية اللبنانية للتنمية وبالتعاون مع برنامج الامم المتحدة للتنمية المحلية لتشجيع زراعة الخروب وانتاج دبسه لما له من فوائد على مختلف الاصعدة حيث تم زراعة 80 دونمات من الارض بنصب الخروب في عربصاليم من اجل الاستفادة منها لصناعة الدبس الذي يحتاج الى مصنع لصناعته وهذا ما كان.
رحلة الخروب الى دبس
المشوار الى معمل تصنيع الدبس لا يأخذ منك سوى التمعن بطريقة العمل، عاملين داخل المصنع كل واحد يقوم بخطوة من اجل الحصول على دبس يقال "انه صحي ومفيد لمرضى السكري لاحتواءه على السكر الطبيعي"، البخار يعبق بالمكان، التصنيع يتم على البخار، ليعطي نتاج جيد، كل شيء يتم عبر الالات حديثة حرصت كل من الجمعية اللبنانية للتنمية وبالتعاون مع برنامج الامم المتحدة للتنمية المحلية الممولتين للمصنع ان يكونوا بجود وتقنية عالية، اربع ساعات من الغلي على نار هادئة هي المدة التي يستحوذها عصار الخروب ليتحول الى دبس شهي ينتظره المواطن كل عام .
رحلة الخروب الى معصرته، تبدأ بعد ان ينضج ثمره ويتحول لونه اسود حيث يقطف في شهر أيلول/ سبتمبر، ويتم تجفيفه تحت اشعة الشمس، بعدها ينقل الى المصنع حيث تكون فرامة الخروب بانتظاره، تقطعه وتفرمه ليعمل الغربال على تنقية كسر الخروب الصغيرة والكبيرة من شوائبها ويعربها، فيذهب الكسر نقياً الى التخمير حيث يتم وضعه في غرفة معتمة لمدة 60 يوما لنجز التخمير، بعد هذه المدة ينقع في المياه لمدة 8 ساعات يتم خلالها استخراج عصارته التي يمكن تحويلها الى شراب مفيد لامراض المعدة، بعدها تكون النار بانتظار العصارة لكي تطبخه وتحوله دبسا بعد مشوار اربع ساعات من الغليان على البخار التي توفره "الة الشاديار"، بعدها يصبح الدبس جاهزا للبيع الذي يسوق تحت اسم "دبس الجبل الرفيع".
ولفت رئيس الجمعية التعاونية الى ان "بقايا الخروب يتم تحويلها الى كمبوست زراعي او علف للحيوانات، فيما يجري العمل حاليا على الاستفادة من بذره في لبنان نظرا لاهميته في تحضير ادوية التجميل اذ يقول: "أن 7 بالمئة من قرن الخروب عبارة عن بذر، وهو مادة اساسية في كريمات التجميل، وحيث ان لبنان لا يملك تقنية في تصنعيه يتم تصديره الى فرنسا حيث يباع كيلو البذر بـ30 دولار في حين يتم شراءه من لبنان بـ2,5 دولار، ويلفت الى انه يجري العمل حاليا على التعاون مع اختصاصيين في المنطقة للاستفادة من البذر محليا، كما يجري التواصل مع فرنسا لمد جسور التعامل المباشر معها وليس عبر وسيط، ويعتبر حسن الذي يفتخر بافتتاح معمل تصنيع الخروب على ارض الجنوب المعمل الذي بلغت تكلفته 87 مليون ليرة، ان الناس يتهافتون على شراء الانتاج، في ظل توجههم نحو الغذاء الصحي الطبيعي، اضف الى ذلك يشير حسن الى انه : "سوف يتم العمل على الاستفادة من الخروب في صنع شراب الخروب الذي يستخرج من العصارة، والى انتاج بسكويت الخروب الخال من السكر، وبودرة الخروب التي تستعمل بديلا للكاكاو".
ويحض حسن كافة البلديات التي يزرع اهلها الخروب على تشجيع زراعته وان الجمعية ستعمد على شراء المحصول منهم خاصة لان المعمل هو الوحيد في المنطقة بهذه التقنية العالية وذو جودة لا يضاهيه بها اي معمل اخر، وعن انتاج المعمل يقول حسن انه بامكانه ان ينتج 100 طن دبس وبنوعية جيدة وكل كيلو دبس يباع بـ5000 ليرة.
لا تتوقف فائدة المشروع عند حسن عند هذا الحد بل تراه يقول: " ان ما ينتجه المصنع ويدر من اموال سيتم الاستفادة منها في مشاريع زراعية اخرى كتطورير زراعة الملوخية ومصنع لصناعة الحطب الاصطناعي، لان ذلك يؤدي الى تنشيط القطاع الزراعي ويعطي الامل للمزارع ببيع محصوله فضلا عن ان التسويق يتم عبر الجمعية.
كلما كانت الحياة تتجه نحو الاضمحلال في سماء المواد المعلبة والحافظة تكون العودة الى جذور الارض ثورة التجدد ونبع الحياة .فكيف اذا كانت العودة عبر شجرة الخروب رمز الحياة المتجددة وكيف لا تكون كذلك فمن خلال بذرها يتم تصنع ادوية التجميل ومن شرابها تشفى.
