ارشيف من :آراء وتحليلات

بقلم الرصاص: انتسب

بقلم الرصاص: انتسب
كتب نصري الصايغ
لم يعد ينفع الحياد، والتذاكي بالموضوعية، وشراء الأعذار، وتقديم التبريرات، وادعاء العجز، وفبركة الكذب، فما حصل في غزة، قبل أن يكون موضوعاً قومياً، وطنياً، حقوقياً، اقليمياً، دولياً، هو أولاً موضوع إنساني، مجرد عن أي إطار آخر.
لم يعد ينفع الاختباء، وعليك أن تنتسب، أو تتعرض للفضيحة، فإما أن تكون مع الضحية، وقد انتصرت بدمها، أو مع الجلادين، وقد خسروا ما يمت الى الإنسانية بصلة قربى.
الصحف العالمية، بدأت تسرّب معلومات: إسرائيل لم تقاتل حماس، لم تصطدم بالمقاومة، لم تقتحم موقعاً، لم تهاجم معقلاً، بل قامت بتدمير متعمد للحجر والبشر؟ "أقتل، لا تدع شيئاً يتحرك، كل حركة هي عدو، كل جدار هو كمين، كل مبنى هو جبهة، كل كائن حي، يجب أن يكون كائناً ميتاً.
إسرائيل، تقاتل.. بل، قتلت، وهي لو شاءت أن تقاتل، لانصرفت الى قتال المقاومين، لا الى قتل المدنيين، وما نفذته إسرائيل في غزة، ليس صدفة حرب، ولا هي اصابات جانبية، بل سياسية بملء حذافيرها: "دع المدنيين يدفعون ثمن المقاومة"، اقصف ولا توفر شجرة أو حقلاً أو مزرعة أو مصنعاً أو مدرسة أو مستشفى، أو مؤسسات حكومية أو انسانية.. أبِد ما تراه أمامك، فليس أمامك إلا العدو.
وليست المرة الأولى التي ترتكب فيها إسرائيل والجلادون الدوليون، ومن معهم من قتلة الأقاليم الدانية، جرائم انسانية، وجرائم حرب، ضباط وجنود اسرائيليون وصفوا ما حصل في بيروت إبان حصارها لأكثر من شهرين وخلال قصفها براً وبحراً وجواً وتجويعاً واستشفاءً، هم اعترفوا بما ارتكبوه، عندما سمحوا "لأغيار" يقتلون "أغياراً".
قائد الجرافة الذي أعدم جدران مخيم جنين على ساكنيه، اعترف بفخر في هآرتس، كيف كان يقود "مدمرته" الجرافة، لتقضي على السكن والسكان معاً، وكان قد أعلن فور مسح المخيم، أنه الآن مرتاح لأنه سوّى جنين ملعباً لكرة القدم، وصار باستطاعة الفلسطينيين التمرن على لعبة كرة القدم، بقدم واحدة، لأن الأخرى، كانت قد بترت.
اسرائيل، من حيث تكوينها ومن حيث ولادتها، هي ابنة جريمة دولية صهيونية عربية، الجريمة أصلها والجرائم المتفرعة عنها فروع لازمة لذلك الجذر الجرمي اللاشبيه له في التاريخ الحديث.
أيحتاج المحايدون، أن يداوموا على نفاقهم، الى مزيد من المشاهد: نساء يرضعن أولادهن أمواتاً، فتيات يلتصقن بموتهن حتى الدفن المؤجل، أطفال يتحولون الى أهداف رماية "ذكية" و"حقول تجارب" لأبشع أنواع الأسلحة، أيحتاج المحايد أن نقول له: أما ذقت طعم الدم في بيروت، أما ذقت طعم المذلة في الأغوار، أما تجرعت نخب الهم مراراً في مدرسة بحر البقر، وأبو زعيل؟
أخرج من حالتك، أنت يائس منك، ونحن نعوّل على يقظة في هذا اليأس، نعوّل على انتسابٍ واضح لإنسانيتك، أليس من المعيب أيها العربي المقيم بصيغة معادية أن تنقل وزارة الخارجية الإسرائيلية على مواقعها الالكترونية ما كتبت؟ ألا يخيفك أن تصبح واحداً من السجل الذهبي الإسرائيلي، فتنضم الى عشيرة القتلة وأسباط الجلادين؟
أخرج، قبل فوات الأوان، فما حصل في غزة، له أظفار، وما حصل في عدوان تموز له أنياب، هذا ليس تهديداً، بل هو مسيرة لأن المستقبل العربي، رهن بانتصارات المقاومة، وولادة أشقاء لها، في الضفة والدول المحيطة بإسرائيل، ومن دون المقاومة سيتحوّل العرب، الى مدعوين لكرنفال نهايتهم، بسلمٍ بشع وذل، وحياة ما دون الكرامة بكثير.
أخرجوا.. وليكن لكم جرأة الانتساب الى الانسان في أرقى تجليه المقاوم، بهذا فقط، تظل عربياً.
الانتقاد/ العدد1331 ـ 30 كانون الثاني/ يناير 2009
2009-01-30