ارشيف من :آراء وتحليلات

مرحلة ما بعد غزة إقليمياً ولبنانياً: حسم للمعارك.. وتجميع للأوراق..

مرحلة ما بعد غزة إقليمياً ولبنانياً: حسم للمعارك.. وتجميع للأوراق..
كتب مصطفى الحاج علي
ثمة، ملامح صورة إجمالية بدأت ترتسم للمرحلة المقبلة في المنطقة، وإن بقسمات واضحة، وذلك استناداً الى التالي:
أولاً: لقد حدد الرئيس الاميركي الجديد باراك أوباما أولويات إدارته بوضوح صارخ: اميركا مأزومة مالياً واقتصادياً وتعليمياً واجتماعياً، وحتى على مستوى العلاقة بين مؤسسات الحكم والشعب الاميركي، اذاً الأولوية القصوى لمعالجات أزمات الولايات المتحدة، وبدون وعود قاطعة بالنجاح على الأقل في المدى المنظور، هل هذه الأولوية تعني انعطافة كاملة نحو الداخل على حساب الاهتمام بالقضايا والأزمات الخارجية، أم أنها تعني انخراطاً أقوى، نظراً للترابط القائم بين مشاكل الداخل، وتحديات الخارج، أم أن الأمر هو ما بين الاثنين، أي أولوية مطلقة للداخل مع اهتمام بالخارج يكون هدفه الأساس هو منع تفاقم أزمات الخارج على النحو الذي يلزم واشنطن بالتصدي المكلف لها، وبما يأخذ من رصيد الاهتمام وسيولته اللازمة بقضايا الداخل؟
هذا الاحتمال الأخير هو المرجح، حجتنا في ذلك هي شكل المقاربات الجديدة لأوباما القائمة على الديبلوماسية كنهج سياسي لمقاربة الأزمات في العلاقات الدولية، ولمقاربة القضايا والتحديات، وكبديل عن سياسات القوة، والحروب الاستباقية.
يضاف اليها التوقعات الخفيضة السقف بالنسبة لمعالجة أزمة أزمات المنطقة أي القضية الفلسطينية، ومن ثم اشارته لأول مرة عن ضرورة البحث عن السلام في أفغانستان بعد أن كان قد حددها كأولوية عسكرية للجيش الاميركي.
وفي مطلق الأحوال، ثمة فترة انتظارية قد تمتد لأشهر لتتبلور خطوط وتفاصيل وبرامج سياسة أوباما الخارجية، آخذة في الاعتبار ما ستسفر عنه الانتخابات في لبنان والكيان الإسرائيلي، وفي فلسطين إذا ما جرى التوافق عليها، وكذلك في إيران والعراق.
ثانياً: ثمة حرب غير محسومة بعد الحرب الإسرائيلية على غزة: الجولة الأولى من هذه الحرب انتهت ـ في العمق ـ لمصلحة حركة المقاومة، الجولة الثانية منها، وهي سياسية ـ أمنية ـ إعمارية بامتياز ما زالت تدور بقوة. النظام المصري يتصرف بنزعة ثأرية، هو يريد فرض هزيمة لم تحصل على حماس، يريد أن يحول الهزيمة الى أمر واقع، يضع لها النتائج، ويتصرف على هذا الأساس، هناك حملة دولية أوروبية ـ اميركية ـ مصرية ـ اسرائيلية، الهدف المعلن منها إقامة ترتيبات أمنية تخنق المقاومة عسكرياً، كما يراد خنقها إعمارياً، أما الهدف غير المعلن، فهو رسم خطوط احتكاك وتماس جديدة مع طهران تبدأ من الخليج الفارسي، وتمر بباب المندب ـ الصومال ـ السودان ـ فسيناء ـ  وقد نكون إزاء تدشين لنوع جديد من المواجهات يرث فكرة الحروب البرية والجوية المكلفة وغير المطلوبة الآن اميركياً.
ثالثاً: الواقع العربي لا يزال واقعاً حيث هو: المزيد من الانقسام والتمحور، ثمة "كسر جليد" حصل في الكويت، إلا أن الدفء لم ينطلق حتى الآن، لم ..... في إعادة تموضع للأطراف المعنية، قد يكون الانتظار هنا سيد الموقف أيضاً، كيف سترسو النتائج النهائية لحرب غزة؟ وما هي الصورة النهائية لنتائج الانتخابات في الكيان الاسرائيلي، وفي لبنان تحديداً؟ كيف سيجري استخدام المحكمة ذات الطابع الدولي في صراع المحاور دولياً واقليمياً؟ ما هو مضمون وشكل المقاربة الاميركية للتسوية، وللعلاقة مع ايران؟ الخ..
ثمة الكثير من الأسئلة غير محسومة الاجابة بعد، وبالتالي لا يمكن منذ الآن، حسم الخيارات النهائية.
رابعاً: إيران وسوريا ليستا بدورهما بعيدتين عن الانتظار بمعناه الأميركي والانتخابي في المنطقة، وفي ما يتعلق بالحصيلة النهائية للكباش الدائر حول غزة وفيها.
خامساً: قالها أوباما وهو يعنيها: لا يمكن التفكيك بين قضايا المنطقة، لقد باتت أزمات الشرق الأوسط بالمعنى الجيو ـ سياسي للكلمة مترابطة، ولا إمكان للفصل بينها.
من هذا الإطار، يضمر الموقع والدور العربي لمصلحة المواقع الإقليمية الأبرز: إيران، تركيا، والكيان الإسرائيلي.
الدلالة هنا بالغة الأهمية: لا يمكن النظر الى التوازنات ومقاربة الحسابات، إلا من ضمن هذا المنظور الواسع والشامل، كل شيء عدا ذلك هو وقوع في الخطأ الكبير.
سادساً: كل ما تقدم، يرسم إطار الفعل ورد الفعل لأطراف الساحة اللبنانية، ويحدد مسار خطواتها، هنا الانتخابات النيابية ليست مجرد استحقاق داخلي، بل استحقاق شرق أوسطي بامتياز، ما دامت نتائجها النهائية ستنعكس على التوازنات في المنطقة، التي هي جزء لا يتجزأ منها، يزيد من حدتها إدراك الفريق الأميركي في لبنان معنى وتداعيات خسارة الإسرائيلي جولة الحرب العسكرية في غزة، ولأن لبنان جزء من ساحة المواجهة، فلا بأس أن تقود الخلفية الاقليمية ـ الدولية لهذا الفريق هجوماً مضاداً على نتائج الحرب حتى لا يتمكن فريق المعارضة المنتصر في استثمارها لمصلحته انتخابياً، هنا أيضاً تبدو كل الأسلحة بالنسبة لهذا الفريق مباحة تماماً كما فعل ويفعل الإسرائيلي في حروبه، لأن المطلوب ربح الحرب بأي شكل من الأشكال، ولهذا يستغل هذا البعض سبحة الفتنة لشن حربٍ دينية، كما يعمل آخرون على إعادة تحريك الرماد والنار من تحت قدر الخلافات والصراعات المذهبية، لأن المطلوب طمس حقيقة الخلاف الذي تأكد بعد حرب غزة أنه لم يكن مذهبياً، وإنما فلسطينياً بامتياز، أي خلاف حول القضية الفلسطينية بكل أبعادها بما فيها الموقف من الكيان الإسرائيلي نفسه.
المناورات والتكتيكات تتنوع بما فيها استخدام عناوين الوسطية، والزج باسم رئيس الجمهورية ـ الخ.
سابعاً: كخلاصة عامة، نقول: اننا إزاء مرحلة انتظار وترقب غير سلبية، بمعنى اننا إزاء مرحلة إعداد لحركة الديبلوماسية الاميركية القادمة؟ ولطاولات التفاوض التي يمكن أن تقوم ببنائها، ما يفرض أن يواكبها أو يسبقها تجميع الأوراق، وتحضير الملفات، وإعادة رسم التوازنات، من خلال العمل على حسم المعارك التي ما زالت دائرة عسكرياً وأمنياً وسياسياً على امتداد خريطة المنطقة.
الانتقاد/ العدد1331 ـ 30 كانون الثاني/ يناير 2009
2009-01-30