ارشيف من :ترجمات ودراسات
واشنطن قلقة من اتفاق الإسلاميين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة

علي شهاب
تواجه الإدارة الأميركية معضلة استكمال مشاريعها في الدول التي تشهد "ربيعا عربيا". ليس دقيقا القول ان واشنطن تقبل بوصول الإسلاميين الى السلطة في جميع الدول التي تشهد تغييرا دراماتيكيا. مصر هي واحدة من تلك الساحات التي تعاني فيها الولايات المتحدة من عدم وجود شريك يُعتمد عليه بالكامل، بعد سقوط حسني مبارك.
بهذا المعنى، جاءت توصية البحث الذي وضعه الدكتور في العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا آيرا وينر، والخبيرة في الشؤون المصرية، والباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى كيستون فاميلي، بضرورة أن تعمل واشنطن "من اجل ايجاد النفوذ المطلوب لكي تضمن أن المرحلة الانتقالية التي تشرف عليها السلطة العسكرية المصرية لا تعزز عن قصد من دور الإسلاميين على حساب القوى الثورية"، محذرة من أنه "بينما تستعد مصر لمحاكمة الرئيس السابق حسني مبارك بتهم قتل المتظاهرين وسوء استخدام السلطة، تشير الأحداث الأخيرة في ميدان التحرير في القاهرة إلى زيادة التوافق بين الإسلاميين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، حيث يهدف كلاهما إلى تهميش القوى الثورية من الليبراليين واليساريين".
مساعي التوافق بين اطراف المعارضة
على مدى الأشهر القليلة الماضية، أدى تقاعس "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" في تنفيذ مطالب شعبية رئيسية (مثل وضع حد أدنى للأجور ومحاكمة أعضاء النظام السابق المتهمين بقتل المتظاهرين) إلى إحباط القوى الثورية في مصر، ما حفّز على قيام جولة جديدة من المظاهرات والاعتصامات المنتقدة لدور "المجلس". واستجابة لذلك، قامت الحكومة المؤقتة المعينة من قبل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" بتقديم تنازلات متواضعة للمتظاهرين، حيث عينت مجلس وزراء جديدا، وأجرت تعديلاً كبيراً بين أفراد وزارة الداخلية. وللتعبير عن عدم رضاه عن هذه اللفتات، نظم ائتلاف من الجماعات الليبرالية واليسارية والإسلامية يوم احتجاجات في "ميدان التحرير" في 29 تموز/ يوليو للتعبير عن "الوحدة" بينها.
وقد رأى الليبراليون واليساريون أن مثل هذه المظاهرة مهمة لثلاثة أسباب. أولاً، أنهم يؤمنون بأن المظهر الموحد سوف يزيل الرفض الشعبي المتنامي للمظاهرات التي أغلقت الطرق الرئيسية في القاهرة لمدة شهور. فعلى سبيل المثال، يلقي البعض باللوم على الاعتصام في "ميدان التحرير" الذي بدأ في 8 تموز/يوليو ويقولون إنه السبب في المتاعب الاقتصادية التي تشهدها البلاد، كما اندلعت بين الحين والآخر مصادمات بين البائعين والمتظاهرين.
ثانياً، كان الليبراليون واليساريون يخشون من أن حملة الدعاية المكثفة التي يقودها "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" ضدهم قد بدأت تكتسب زخماً وقوة دافعة. ففي منتصف تموز/يوليو، اتهم «المجلس» "حركة 6 نيسان/أبريل" - الحركة الشبابية الثورية الرائدة ـ بأنها تتلقى تمويلاً أجنبياً محظوراً إلى جانب التدريب في دول أجنبية، وتستخدم مقاطع فيديو على الإنترنت وغيرها من أدوات الإعلام الاجتماعي لكي "تثبت" الارتباطات الأجنبية للنشطاء. وقد لاقت هذه الاتهامات صدى واسعاً بين جماعات المجتمع المدني الأخرى، والتي سارع العديد منها إلى التبرؤ من أي روابط أجنبية.
ثالثاً، كان معسكر الليبراليين واليساريين يأمل في عكس الاستقطاب المتنامي مع الإسلاميين حول قضايا المرحلة الانتقالية. فعلى الرغم من أن المعسكر الأول فضّل صياغة مصر لدستور جديد قبل الانتخابات، إلا أن الإسلاميين دعموا قرار "المجلس الأعلى" بعقد الانتخابات أولاً، حيث يؤمنون بأن الجدول الزمني الذي وضعه "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" سوف يمنحهم وجوداً قوياً في البرلمان الجديد ومن ثم نفوذاً أكبر حول عملية صياغة الدستور. ومع استمرار الاحتجاجات، بدأ الإسلاميون على مختلف أطيافهم في النظر إليها على أنها تقوض هذه الخطة الانتقالية. على سبيل المثال، أدانت "الجماعة الإسلامية"، وهي منظمة صنفتها الولايات المتحدة على أنها إرهابية، المحتجين ووصفتهم بأنهم "شيوعيون وعلمانيون يريدون اختطاف السلطة السياسية من خلال التحريض على الانشقاق بين الشعب والجيش".
وفي الوقت نفسه، يبدو أن الإسلاميين كانوا قلقين من أن "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" سوف يدعم وضع "مبادئ فوق دستورية" تحد من دور البرلمان القادم في صياغة الدستور الجديد. وبناءً على ذلك، وافقوا على المشاركة في مظاهرات "الوحدة" في الأسبوع الماضي، ويعود ذلك جزئياً من أجل استعراض قدرتهم على القيام باحتجاجات واسعة إذا حاد "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" عن خطته الانتقالية.
ومع الاقتراب من 29 تموز/يوليو، وافق الليبراليون واليساريون الذين يخشون بشكل متزايد من اندلاع مواجهات عنيفة مع الإسلاميين على تعليق مطالبهم الحزبية لمصلحة القيام بمظاهرة مشتركة. لكن السلفيين المتعصبين كانت لديهم خطط أخرى، حيث اكتسحوا الاحتجاجات بمشاركة آلاف المؤيدين الذين نادوا بتطبيق قانون الشريعة. كما أشاد المتحدثون الإسلاميون بـ "المجلس الأعلى"، وفي النهاية، انضم إليهم في "ميدان التحرير" أولئك المتظاهرون المؤيدون لـ "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" من "ميدان روكسي" في شمال القاهرة. وبحلول منتصف اليوم، انسحب الليبراليون واليساريون من "ميدان التحرير" منهزمين، حيث ألغوا خطط استمرار الاحتجاجات أثناء شهر رمضان.
توافق المجلس العسكري والإخوان
جاءت نتيجة يوم الجمعة بمثابة نصر لـ "المجلس الأعلى للقوات المسلحة". فلقد نظر "المجلس" إلى الاحتجاجات المستمرة من جانب الثوريين باعتبارها تحدياً لسلطته، وبدا أن تعبئة الإسلاميين لعشرات الآلاف من المؤيدين لتوصيل رسالة جزئية مؤيدة للجيش تمنح "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" الشرعية التي كان يحتاجها لمنع أي تجمعات إضافية بالقوة. فقد قام الجيش وشرطة "قوى الأمن المركزي" في يوم الاثنين بإخلاء "ميدان التحرير": حيث اخترقت الدبابات الحواجز التي وضعها المتظاهرون عند مداخل الميدان، وطارد الضباط آلاف المحتجين، ومن بينهم أفراد من أسر الشهداء الذين قُتلوا أثناء ثورة كانون الثاني/يناير. وبعد أن فرض الجيش سيطرته على الميدان وأعاد فتحه أمام حركة المرور، تجمع عشرات من أصحاب المحال التجارية والسلفيين لشكر "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" والشرطة.
كما استفاد "المجلس" من نشاطات الإسلاميين المتشددين أثناء مظاهرات يوم الجمعة. ومن خلال دعوتهم الصاخبة لتأسيس دولة إسلامية، أشار السلفيون إلى سعيهم بلا هوادة إلى تأسيس نظام سياسي أصولي، والذي ـ وفقاً لاستطلاعات الرأي ـ معظم المصريين يرفضونه. واستجابة لذلك، استغل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" هذه الخدعة من جانب السلفيين ودعا الشعب إلى الوقوف إلى جانبه ضد مطالب الإسلاميين المتشددين؛ بل إن اللواء بـ "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" أحمد صلاح عبد الحليم ذهب إلى حد تحذير الجمهور من أن "مصر هي الآن في خطر".
وقد استغلت كذلك جماعة «الإخوان المسلمين» خدعة السلفيين بنجاح، حيث أظهرت نفسها بمظهر الجماعة الإسلامية "المعتدلة" نسبياً. وفي يوم الجمعة، عندما اجتاح المتشددون "ميدان التحرير" بشعارات تنادي بالشريعة، كانت جماعة «الإخوان المسلمين» تقدم إيماءات شاملة مثل فتح مسرحها لصلاة الأقباط، كما انتقدت لاحقاً استخدام السلفيين للشعارات الدينية كونها تتعارض مع الوحدة الوطنية. ورغم ذلك حاكت جماعة «الإخوان» رد فعل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" بإلقاء الكثير من اللوم في جمعة الشقاق على المعارضين الثوريين، الذين اتهمتهم بالتهكم على الإسلاميين. ومن أجل تدعيم زعمها بشكل إضافي بما يمثل الوسط المصري، أعلنت «الجماعة» التزامها بالحفاظ على الهوية الإسلامية للبلاد. ووفق ما ذكره «الإخوان»، فإن الأحداث الأخيرة تثبت أن قبول مبادئ الشريعة هو أمر تشارك فيه الفصائل المختلفة في مصر.
ومن خلال قيام "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" باستيعاب الإسلاميين على حساب المحتجين الثوريين مع تصوير المتشددين على أنهم يشكلون تهديداً للأمن القومي، يبدو أن "المجلس" يعود إلى صيغة النظام السابق في استخدام الإسلاميين لمنع الضغط الداخلي والدولي من أجل توسيع الحريات. وقد يكون لهذا الأسلوب نتائج عكسية، حيث قد يلهم بعض الإسلاميين بالضغط للحصول على مزيد من السلطة.
وفي يوم السبت، على سبيل المثال، شن مسلحون كانوا يرددون شعارات إسلامية هجوماً بقذائف صاروخية على مركز للشرطة في مدينة العريش في شمال سيناء، أدى إلى مقتل خمسة أفراد وجرح خمسة عشر آخرين على الأقل. وفي وقت متأخر من ذلك اليوم، أطلق إسلاميون قذائف صاروخية على خط أنابيب في الشيخ زويد يوصل الغاز إلى إسرائيل، التي تبعد نحو ثلاثين كيلو متراً شمال العريش. وفي غضون ذلك، قامت جماعة يطلق عليها " تنظيم القاعدة في شبه جزيرة سيناء" بتوزيع منشور حول مساجد العريش ينادي بإقامة دولة إسلامية في شبه جزيرة سيناء.
خيارات واشنطن
إن لجوء "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، إلى انتهاج سياسات مبارك مثل سياسة فرِّقْ تَسُدْ، والإرضاء عبر التخويف، لا يعزز المصالح المصرية أو الأمريكية. فبالإضافة إلى إثارة تعبيرات "القلق" من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، فإن استخدام "المجلس" للعنف ضد المحتجين يوم الاثنين أدى فعلياً إلى مناداة المحتجين الثوريين للقيام باعتصام جديد في "ميدان التحرير". وإذا انتاب الجمهور الشك بشأن سير محاكمة مبارك، فسوف تكتسب تلك الدعوات زخماً. وفي غضون ذلك، تشير الهجمات في سيناء التي أعقبت الاستعراض القوي من جانب السلفيين في 29 تموز/يوليو، إلى أن استراتيجية "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" التي تقوم على استيعاب الإسلاميين المتطرفين لتقويض المحتجين الثوريين تأتي بنتائج ضارة.
وعندما قام وفد رفيع المستوى من "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" بزيارة الولايات المتحدة مؤخراً، ذكر مساعد وزير الدفاع اللواء محمد العصار أنه في حين أن دعم الولايات المتحدة للجماعات الثورية الليبرالية هو "غير مشروع"، إلا أن المساعدات العسكرية لمصر هي قانونية. لكن الدعم الأمريكي لإدارة "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" لمصر خلال المرحلة الانتقالية ينبغي ألا يكون بدون شروط. ومن ثم يتمثل التحدي القائم أمام صناع السياسات الأمريكيين في العثور بسرعة على أساليب فعالة؛ ليس فقط لتشجيع الإصلاح السياسي والاقتصادي، وإنما أيضاً لضمان أن عملية التحول لا تعزز الإسلاميين بصورة متعمدة على حساب القوى الثورية.