ارشيف من :آراء وتحليلات

باختصار: هيبة أميركية

باختصار: هيبة أميركية
كتب محمد يونس
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في العقد الأخير من القرن الماضي، تصدرت الولايات المتحدة منصة القرار الدولي وراحت تستثمر هذا الانهيار في سبيل بناء هيبة عالمية لها، بحيث صارت المتحكم الوحيد بكل اتجاهات وسياسات العالم، منصبة نفسها "فرعوناً" للعصر الحديث.
لكن هذا الجهد الحثيث لم يمكّن واشنطن من الاستمرار في إمساك أوراق القوة والسيطرة لأخطاء عديدة، منها مميت عجّل في أفول العصر الفرعوني الجديد، أو سرع في بداية نهايته.
فقبل غزو العراق تحديدا كانت معظم الدول تتمنى أن يكون في بلادها موطئ قدم لجندي أميركي أو موقف لدبابة، فراحت الدول تتسابق في ما بينها لاستضافة كل ما ترغب واشنطن بتسكينه، من القواعد العسكرية الاستراتيجية إلى المعاهد والمؤسسات، وصولا إلى السجون السرية واستخدام المطارات المدنية ممرات للطائرات العسكرية الأميركية التي تقل رهائن مختطفين من دولهم أو من دول أخرى.
لكن الحال تبدلت مع ظهور أولى نتائج الاجتياح الأميركي لبغداد وصمود محور الممانعة العربي الإسلامي، برغم أن جل الحملات العسكرية الأميركية كانت تستهدفه، وساعدتها في ذلك حملات عسكرية صهيونية وأطلسية وربما عربية. وبدأت الصورة تتغير ليتبين للعالم أن القوة مهما عظمت وتجبرت فلا يمكن لها أن تنتصر على الحق.
ومع تقدم الصمود والممانعة بدأت بعض الدول تكتشف أنها تستطيع الوقوف في وجه هذا الوحش الهائج، وخاصة تلك الدول التي خرجت من رحم الانهيار الشيوعي الكبير، لا سيما بعد تمكن مجموعات مقاومة قليلة لا ترقى إلى مستوى الجيوش بالإمكانيات، من هزيمة أقوى جيش في المنطقة قائم على البطش والمجازر والدم، فكان المدماك الأول في كسر هيبة راعي البقر الأميركي.
إلى أن وصلنا إلى مرحلتنا هذه، حيث أقدمت دولة حديثة العهد على إغلاق قاعدة عسكرية أميركية لم يمضِ على إنشائها فوق أراضيها عشر سنوات، برغم الأهمية الاستراتيجية لهذه القاعدة في منطقة أفغانستان ومحيطها.
إن إغلاق هذه القاعدة يتعدى كسر الهيبة الأميركية إلى بداية الانزلاق الفعلي لأميركا وحلفها الأطلسي نحو الفشل الذريع في أفغانستان، لأن ما سبق هذا القرار هو تجرؤ مجموعات مقاومة للاحتلال الأميركي الأطلسي لأفغانستان على استهداف طرق الإمداد في باكستان، ما جعل القاعدة العسكرية في قرغيزيا البديل اللوجستي لهذا الإمداد.
إنها هيبة كبرت على عجل، ويبدو أن تهشمها واندثارها سيكون على عجل أيضا.
الانتقاد/ العدد1332 ـ 6 شباط/ فبراير 2009
2009-02-06