ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: إرث الصمت

كتب حسن نعيم
في لعبة المرايا المتقابلة نلهو وننمو, وتنمو معنا أوهامنا الخادعة لاهثين وراء واقع افتراضي رسمناه بأيدينا أو رسمته لنا أيدي الآخرين... وتمضي الأيام كما السحب العابرة, وننسى آلامنا, أحلامنا, ومخاوفنا والذين أساؤوا إلينا, الذين أسأنا إليهم. حياتنا الماضية لا تبدو الآن أكثر من نتفٍ من الذكريات المتفرقة نستعيدها بين الحين والآخر, وأرشيف نستدعيه ما أسعفتنا الذاكرة.
ولكن أليست الحقيقة أعقد من ذلك. أليست اللحظة الراهنة هي الابنة الشرعية للّحظة الآفلة ونوعاً من التصعيد والتراكم الوظيفي الذي يضاف إليها؟
أليست هواجسنا الراهنة هي هواجسنا السحيقة نفسها، تعيد ذواتنا إنتاجها بتعديل طفيف جداً كأننا نحن الصغار, بل كأننا آباؤنا وآباء آبائنا بصيغ منقّحة, بعقلية واحدة ومكونات ومنابع ثقافية واحدة تتلاقح وتتناسج لتلدنا أفراداً وجماعات.. أفراداً لم يستطع واحدنا ـ إلا ما قل وندر ـ أن يحقق ذاته بعيداً عن القافلة وأفكار القافلة وثقافة القافلة, ولم يتمكن من أن يشكل تنويعاً وتلويناً في هذه اللوحة التي يتناسل بعضها من بعض مع تراكم السنين.
على مستوى الجماعة لم يطرأ على مسيرتنا الحضارية ما هو خارج السياق, فنحن نحن... خذ مثلاً الصمت، فهذا الصمت الذي يشبه صمت الصحراء نتوارثه جيلاً عن جيل كأنه استراتيجية عربية مشتركة وليته كان كذلك, لكان فيه معنى من معاني النبل والشاعرية والموقف, إنه صمت الخمود والخواء والعجز، إنه صمت القبور الخرساء، صمت الجبناء، صمت يشارك السفّاح أولمرت مذابحه، وربما يبزّها وحشية وفداحة.
في أمة الصمت هذه يتحدث المتحدثون اليوم عن الفروق بين نتنياهو وليفني. هذا كلام نعم.... ولكن ألم يكن الصمت أولى وأفضل منه.
الانتقاد/ العدد1333 ـ 13 شباط/ فبراير 2009
في لعبة المرايا المتقابلة نلهو وننمو, وتنمو معنا أوهامنا الخادعة لاهثين وراء واقع افتراضي رسمناه بأيدينا أو رسمته لنا أيدي الآخرين... وتمضي الأيام كما السحب العابرة, وننسى آلامنا, أحلامنا, ومخاوفنا والذين أساؤوا إلينا, الذين أسأنا إليهم. حياتنا الماضية لا تبدو الآن أكثر من نتفٍ من الذكريات المتفرقة نستعيدها بين الحين والآخر, وأرشيف نستدعيه ما أسعفتنا الذاكرة.
ولكن أليست الحقيقة أعقد من ذلك. أليست اللحظة الراهنة هي الابنة الشرعية للّحظة الآفلة ونوعاً من التصعيد والتراكم الوظيفي الذي يضاف إليها؟
أليست هواجسنا الراهنة هي هواجسنا السحيقة نفسها، تعيد ذواتنا إنتاجها بتعديل طفيف جداً كأننا نحن الصغار, بل كأننا آباؤنا وآباء آبائنا بصيغ منقّحة, بعقلية واحدة ومكونات ومنابع ثقافية واحدة تتلاقح وتتناسج لتلدنا أفراداً وجماعات.. أفراداً لم يستطع واحدنا ـ إلا ما قل وندر ـ أن يحقق ذاته بعيداً عن القافلة وأفكار القافلة وثقافة القافلة, ولم يتمكن من أن يشكل تنويعاً وتلويناً في هذه اللوحة التي يتناسل بعضها من بعض مع تراكم السنين.
على مستوى الجماعة لم يطرأ على مسيرتنا الحضارية ما هو خارج السياق, فنحن نحن... خذ مثلاً الصمت، فهذا الصمت الذي يشبه صمت الصحراء نتوارثه جيلاً عن جيل كأنه استراتيجية عربية مشتركة وليته كان كذلك, لكان فيه معنى من معاني النبل والشاعرية والموقف, إنه صمت الخمود والخواء والعجز، إنه صمت القبور الخرساء، صمت الجبناء، صمت يشارك السفّاح أولمرت مذابحه، وربما يبزّها وحشية وفداحة.
في أمة الصمت هذه يتحدث المتحدثون اليوم عن الفروق بين نتنياهو وليفني. هذا كلام نعم.... ولكن ألم يكن الصمت أولى وأفضل منه.
الانتقاد/ العدد1333 ـ 13 شباط/ فبراير 2009