ارشيف من :آراء وتحليلات

حدث في مقالة: ملفات كثيرة مفتوحة ولا حلول ومربط الفرس الانتخابات النيابية

حدث في مقالة: ملفات كثيرة مفتوحة ولا حلول ومربط الفرس الانتخابات النيابية
كتب مصطفى الحاج علي
تتنوع الملفات المفتوحة في لبنان، إذ لا يكاد يفتح واحد منها حتى يفتح الثاني، من دون أن يجد أي منها طريقاً إلى المعالجة الحاسمة والنهائية، وإذا كان لكل منها خصوصيته، فلا شك، أن القاسم المشترك الأكبر بينها هو استحقاق الانتخابات النيابية التي ـ وكما يبدو حتى الآن ـ ستكون الانتخابات الأشد سخونة، والأكثر أهمية نظراً لمضاعفاتها وانعكاساتها السياسية لبنانياً وإقليمياً، هذا في الوقت الذي يعود فيه الجنوب إلى أفق الاهتمامات في ضوء أكثر من تطور لافت، وفي هذا الإطار، يمكن ملاحظة التالي:
الانتخابات النيابية:
ـ الأزمة الناشئة في وسط تكتل فريق 14 آذار، والتي توزعت على خطين: خط جنبلاط ـ جعجع، وخط جنبلاط ـ الجميل، حيث ساد انزعاج واضح من مواقف جنبلاط الأخيرة، التي عكسها في مقابلته مع تلفزيون الـ(LBC)، والتي شكلت، في جزء منها، قطعاً للطريق عليهما في دائرتي الشوف، وبعبدا تحديداً، وتعبيراً عن انزعاجه من كليهما، وذلك استناداً إلى:
ـ سعى القوات اللبنانية لحجز مقاعد لها في لوائحه، رغبة منها في احتكار القسم الأكبر من حصة مسيحيي فريق 14 آذار، استناداً إلى قناعة لديها بأنها تمثل 25% من المسيحيين.
ـ سعي حزب الكتائب بدوره إلى تعويض تراجعه الشعبي وتالياً التمثيلي أمام عون من جهة، والقوات اللبنانية من جهة أخرى، وذلك على حساب جنبلاط أيضاً، وباقي مسيحيي 14 آذار.
وقد عبّر جنبلاط عن ذلك بمسارعته إلى القول مباشرة، أو من خلال ناطقين باسمه،إنه لن يسمح لأحد بالتدخل في تشكيل لوائحه الانتخابية في دائرتي الشوف وعاليه تحديداً، ومن خلال قطعه تبني ترشيح دوري شمعون، وإشارته بأنه يجب تمثيل الأطراف الأخرى من مسيحيي 14 آذار كالتيار الديمقراطي، وحزب الوطنيين الأحرار، وقرنة شهوان، تحت عنوان  ضرورة إشراك كل أطراف مسيحيي 14 آذار.
ـ من جهته، أظهر سعد الحريري نفس الانزعاج، حين أشار إلى أن ما يطالب به بعض مسيحيي 14 آذار هو أكبر من حصة المسيحيين مجتمعين حتى لو لم يفز عون بأي مقعد.
ـ الانزعاج الأكبر سجله الرئيس أمين الجميل الذي يرى أن فريق 14 آذار يريد حرمانه من الترشح في البترون، وفي المتن الجنوبي، وزكزكته في زحلة من خلال تسريب معلومات بأن الحريري أقام تفاهماً مع النائب السابق خليل الهراوي، ليكون مرشحه في هذه الدائرة. التعبير عن هذا الانزعاج تركه الجميل لابنه سامي الذي أطلق رسائل بمختلف الاتجاهات على وقع هذه المعطيات.
ـ لم يفت جنبلاط توجيه رسالة إلى الحريري مضمونها عدم موافقته على ترشح ممثل للجماعة الإسلامية على لائحته في الإقليم، بعدما رشح أن الحريري عقد اتفاقاً بهذا الصدد مع الجماعة الإسلامية.
ـ الرسائل الأخرى لجنبلاط كانت باتجاه النائب أرسلان، والرئيس بري، حيث أشار بالنسبة للأول أن قبوله بأرسلان مرشحا في عاليه يقتضي الحصول على مقابله، وفي هذا رسالة ضمنية لحزب الله، حيث قد يكون البديل في بعبدا، إما بنائب شيعي، أو بنائب درزي.
وأشار في الثانية إلى إمكان التفاهم مع الرئيس بري في منطقة مرجعيون ـ حاصبيا، هذه الرسالة تحمل أكثر من دلالة:
ـ فهي من جهة قد تكون لإحداث نقزة لدى المعارضة من بري.
ـ ومن جهة أخرى تشكل نوعاً من الربط مع المعارضة من خلال بري باعتباره الطرف الأسهل لإقامة تفاهم معه، وذلك تداركاً لمرحلة ما بعد الانتخابات، أو استدراكاً مسبقاً للوجهة التي ستتخذها التطورات الإقليمية خصوصاً بعد الانتخابات الإسرائيلية، ومؤتمر القمة العربية الذي سيعقد في الدوحة أواخر شهر آذار المقبل، وفي ضوء الحركة التي ستنطلق على خط التسوية اميركياً وعلى مختلف المسارات.
ـ شكل الدخول السافر للبطريرك صفير على خط الانتخابات رسالة بالغة الدلالة أيضاً عندما اعتبر أن فوز المعارضة سيشكل خطأ تاريخياً، هذا الدخول بقدر ما يحسم موقف صفير انتخابياً، ويحوله إلى طرف مباشر، فهو يعكس خوفاً ضمنياً لديه من نتائج الانتخابات، ومحاولة منه للتأثير على نتائجها منذ الآن، لا سيما مسيحياً.
ولا شك، أن هذا الدخول السافر لصفير على خط الانتخابات لا يمكن وضعه إلا في خانة المواجهة مع عون والتصدي له.
ـ حسم نائب رئيس الحكومة السابق ميشال المر مصير الكتلة الوسطية لمصلحة الاستمرار فيها، من خلال إعلان ترشحه، بالتحالف مع الجميل، ما يعني أن التردد الذي ساد لفترة حول احتمالات الرجوع عنها قد تلاشى، إلا أن عدم إعلان المر عن لائحته يعكس بدوره عدم وجود توافق نهائي حول أسمائها، وبالتالي فإن دون ولادتها كاملة مشاكل وصعوبات عدة.
ـ في مطلق الأحوال، إن صورة المشهد الانتخابي لا تزال دون تظهيرها كاملة مرحلة انتظار صعبة لجملة من الاستحقاقات الإقليمية والدولية، يبقى أبرزها:
أ ـ الانتخابات الإسرائيلية.
ب ـ الصراع الدائر على التركيبة السياسية لنتائج الحرب الإسرائيلية على غزة.
ج ـ مصير المفاوضات ووجهتها على المسارات المختلفة.
د ـ النتائج التي ستسفر عنها القمة العربية في الدوحة لا سيما لجهة المصالحات العربية ـ العربية واحتمالات السير بها قدماً، ولجهة احتمالات التفاهم على الملفات الأساسية المختلف عليها.
ملف التنصت:
لا يزال هذا الملف موضع أخذ ورد بين المعارضة والموالاة بالرغم من توافق الجميع على المضي به قدماً في مجلس النواب، وتشكيل لجنة تحقيق نيابية بهذا الصدد. والبارز هنا هو محاولات فريق 14 آذار خوض معركة التنصت تحت العناوين الرئيسية التالية:
ـ ربط ملف التنصت بالتجاذب حول  المحكمة الدولية.
ـ اعتبار ملف التنصت جزءاً لا يتجزأ من التصدي لمحاولات ما يسميه فريق 14 آذار إعادة المحسوبين على الأجهزة الأمنية في المرحلة السورية إلى بعض المواقع الحساسة أمنياً، وفي هذا الإطار، جاء إطلاق النار على الجيش، الذي سرعان ما رد عليه قائد الجيش ورئيس الجمهورية، وفي هذا مكسب مهم لمصلحة المعارضة.
ـ السعي لتوسيع البحث في هذا الملف ليشمل ما يدعونه بالتنصت غير الشرعي، والمعني به تحديداً حزب الله، وفي المقابل، تملك المعارضة حججاً كبيرة وقوية، تستند إلى:
ـ مضمون القرار 140، ومراسيمه التطبيقية.
ـ عدم وجود أدلة على ادعاءات فريق 14 آذار.
ـ أن لعبة هذا الفريق مكشوفة، لأن ما يريده حقيقة هو حماية موقع ودور جهازه الأمني الخاص، أي فرع المعلومات، والذي يتضمن ملف عمله لائحة طويلة من المخالفات القانونية، إضافة إلى دوره المشبوه أمنياً على أكثر من صعيد، وصلاته القوية بأجهزة العديد من السفارات العربية والأجنبية.
ـ لا يتوقع أن يقفل هذا الملف سريعاً، بل أن يزداد التجاذب حوله، والذي لا يقف عند حدود الانقسامات السياسية، بل يتجاوزها إلى نطاق التجاذب الدائر بين الأجهزة الأمنية الأخرى سواء في الأمن العام، أم لدى الجيش.
ملف الموازنة والتعيينات:
هذان الملفان لا يزالان يدوران في الحلقة المفرغة جراء تمسك كل فريق بمواقفه، وفي هذا الإطار، لم تنفع محاولات السفير السعودي في إغراء الرئيس بري لجهة تأكيده بأن الهبة السعودية ستوزع على مستحقيها خلال شهر، حيث أصرّ الرئيس بري على موقفه، والأمر عينه ينطبق على الخلافات المتعلقة بالتعيينات لا سيما الخاصة ببعض المحافظين والمديرين العامين، وبالجسم القضائي والمجلس الدستوري، وبالمدعي العام العسكري، وبمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.
واللافت هنا موقف جنبلاط المساند للرئيس بري والغامز من قناة السنيورة، معتبراً أن ما يقوم به الأخير سيؤثر سلباً على العهد وعلى الدولة عموماً لجهة عدم إقرار الموازنة العامة.
ملفات أخرى:
في الوقت الذي لم تطو فيه الملفات المفتوحة، التي تشهد سجالات ساخنة بين المعارضة والموالاة، فتح التيار الوطني الحر ملفاً إضافياً حساساً هو ملف التملك في لبنان.
خلاصات أساسية:
ـ لا شك، أن لكل ملف من هذه الملفات سياقه ومبرراته الخاصة، إلا أنها جميعاً تتقاطع عند الاستحقاق الانتخابي، لجهة محاولة كل فريق اقتناض نقاط لمصلحته لدى الشارع تزيد من فرص نجاحه.
ـ إن كثرة الملفات المفتوحة، التي من المتوقع أن تزداد، تعكس حرارة المعركة الانتخابية، والمنطلقات والحسابات التي تتحكم بكل فريق في نظرته إليها بوصفها معركة مصيرية.
ـ إن حجم التجاذبات يعكس بدوره حجم الانقسام الحاصل سياسياً، واستمراره في هذه المرحلة.
ـ إن عدم نجاح رئيس الجمهورية في إنجاز أي توافقات حول هذه الملفات سينعكس سلباً على صورته، وعلى دوره كرئيس توافقي، ما يجعل دوره هذا لزوم ما يلزم في ظل هذا الواقع الانقسامي الحاد.
ـ إن تعليق عقد الحكومة جلستها المقبلة على إنجاز تفاهمات أو توافقات معينة حول المسائل الخلافية، سيجعل عقدها في المدى المنظور مؤجلاً بدوره، وإذا عقدت ستكون مجرد جلسة عادية لضرورة الاستمرار وإقرار القرارات الإجرائية التي ليست مورد خلاف، ما يجعل عملياً الحكومة بمثابة حكومة تصريف أعمال، حيث لا وزن لها ولا دور.
ـ إن هذا الانقسام الحاد قد يستفيد منه أصحاب منطق الوسطية لجهة تأكيد الحاجة إلى كتلة تكون هي المرجح في إدارة عمل الحكومة لاحقاً.
ـ يبدو أن كل الملفات الأساسية المفتوحة الآن، أو التي ستفتح، سيبقى البت فيها مؤجلاً إلى مرحلة ما بعد الانتخابات، ما يؤكد بدوره الطابع الانتخابي لها.
الوضع في الجنوب:
عاد الوضع في الجنوب ليحتل جزءاً من الاهتمام في ضوء التطورات التالية:
أ ـ الاستنفار الإسرائيلي على الحدود عموماً، وفي منطقة مزارع شبعا تحديداً، وعودة وزير "الدفاع" إلى إرسال رسائل الإنذار إلى حزب الله، وذلك في ضوء الخوف من قيامه بعملية ثأرية في المرحلة المقبلة.
هذه الرسائل قد تكون عملية وقائية تعكس مخاوف محتملة لدى الإسرائيلي من أن يقوم حزب الله فعلياً بعملية ما في ذكرى استشهاد القائد الحاج عماد مغنية، وبالتالي فهي مجرد إجراء وقائي، أو أنها تعكس مخاوف مغلبة لديه.
ب ـ الكلام عن اكتشاف صواريخ جديدة في الجنوب معدة للإطلاق باتجاه الكيان الإسرائيلي.
ج ـ الكلام عن احتمال نشوب صراع عسكري في الجنوب بين حماس وفتح لحسم القرار السياسي.
إن مجمل هذه التطورات تعيد تسليط الضوء على الجنوب وتقتضي حذراً بالغاً، لما يمكن أن يعد أمنياً أو عسكرياً فيه، إذ أن فتح صراع في المخيمات من شأنه أن يخلق أوضاعاً مربكة لحركة المقاومة، يستفيد منها العدو الإسرائيلي، للدخول على خط الأزمة الفلسطينية ـ الفلسطينية من جهة، وعلى خط الأزمة اللبنانية من جهة أخرى، بما قد يؤدي إلى خلط الأوراق.
الانتقاد/ العدد1333 ـ 13 شباط/ فبراير 2009
2009-02-13