ارشيف من :أخبار عالمية

خبير في القانون الدولي: محاكمة مجرمي الحرب جولة أخرى من معركة ردع "إسرائيل"

خبير في القانون الدولي: محاكمة مجرمي الحرب جولة أخرى من معركة ردع "إسرائيل"

رام الله ـ ميرفت عمر
خبير في القانون الدولي: محاكمة مجرمي الحرب جولة أخرى من معركة ردع "إسرائيل"منذ علقت حكومة الاحتلال الاسرائيلي عملياتها الحربية على قطاع غزة في السابع عشر من كانون الثاني/ يناير المنصرم، نشطت مجموعة من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية في توثيق ما خلفته الحرب من جرائم نفذت على الهواء مباشرة، ووثقتها عيون العالم قبل أن يصلها الباحثون كي يقرر القانون الدولي بخصوص "دمويتها".
وفي لقاء مع البروفسور جورج جقمان الخبير في القانون الدولي والأستاذ في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية، شدد على أهمية إصرار الفلسطينيين والعرب هذه المرة على المضي في محاكمة القادة الإسرائيليين المتورطين في الإشراف على عمليات قتل الأطفال وإبادة عائلات بأكملها بشكل انتهكت فيه قوات الاحتلال كل المعايير والمواثيق الدولية القانونية والإنسانية دون مبررات.
وأكد جقمان أن عملية جمع وتوثيق الجرائم الإسرائيلية في غزة سواء كانت منفردة أو منظمة من عدة جهات، تحمل أهمية بالغة لكونها تأتي كجولة جديدة من معركة الفلسطينيين ضد الاحتلال، وهي تعني إيجاد رادع قوي لمنع الكيان المحتل من تكرار جرائمه مستقبلا.
وهنا نص المقابلة:

الولاية القانونية
- دكتور جورج جقمان، ما مدى قابلية الجهود المبذولة لمحاكمة قادة إسرائيليين كمجرمي حرب للنجاح في ظل المعطيات السياسية الدولية وموازين القوى المنحازة دائما للاحتلال الاسرائيلي؟
هناك جولة أخرى وثانية من الحرب، ولا نقصد هنا ميدانيا، وإنما جولة من ردع ولجم "إسرائيل" مستقبلا، لأن "إسرائيل" ارتكبت جرائم حرب بالفعل، وإذا لم نقم نحن كفلسطينيين وكعرب أو متضامنين دوليين بلجم هذه الجرائم فإنها ستستمر بالتمادي أكثر، وسيتكرر استهداف وقتل المدنيين مستقبلا. وهذه جولة أخرى من الحرب يجب خوضها.
بالنسبة الى الظروف الدولية، الآن يوجد بعض الدول مثل اسبانيا وبريطانيا وبلجيكا تضمّن في قوانينها الداخلية إمكانية محاكمة مجرمي حرب ارتكبوا جرائم خارج هذه البلدان، ويسمى هذا في القانون "الولاية الدولية" في ما يتعلق بجرائم الحرب، وليس لجميع الدول مثل هذه القوانين. ويمكن إذا توافر التوثيق اللازم أن تتقدم عدة أطراف مثل المتضررين أو عائلاتهم أو نيابةً عنهم مؤسسات حقوقية، بشكاوى إلى المحاكم. وقد بدأ هذا في اسبانيا بالفعل.
أما بخصوص الأطراف الأخرى التي يمكن التوجه إليها فيبدو الأمر صعبا، والتقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية مثلا يلزمه طلب من مجلس الأمن الدولي ومن الأمم المتحدة، ونظرا لحجم الضغوط التي تمارسها القوى الكبرى في مجلس الأمن والفيتو الأميركي الذي يستخدم دوما لمنع إدانة "إسرائيل"، تظل هذه المحاولة شبه مغلقة.
من الضروري القول إنه يجب المحاولة على الأقل، لأن المحاولة سترسل رسائل واضحة الى "إسرائيل" التي تهيئ نفسها لذلك فعلا.

تدابير لن تنجح
- شهدنا مؤخرا محاولة إسرائيلية لاتخاذ تدابير تحمي القادة العسكريين والسياسيين، وحظر نشر أسماء قادة أشرفوا على العمليات العسكرية في غزة. هل يؤثر ذلك في جهود تجريم هؤلاء؟
من حيث المبدأ ليس من الضروري رفع قضايا ضد كل جندي شارك في العدوان على قطاع غزة، وبرغم المحاولات الإسرائيلية هناك أسماء معروفة وهناك قائمة منشورة بـ16 اسما لضباط وقادة عسكريين، وهم يعترفون بأنه ليس بإمكانهم إخفاء جميع الأسماء، فجميع القادة السياسيين من وزير الجيش ووزيرة الخارجية ورئيس الأركان والقادة الميدانين، هؤلاء معروفون ومسؤوليتهم عن الحرب واضحة، وهذا عدد كافٍ لإيجاد محاكمة لردعهم في المستقبل.
 
تنظيم الجهود
- منذ انتهاء الحرب تنشط مجموعة من الجهات في رصد وتوثيق الجرائم الإسرائيلية في غزة، هل من الضروري توحيد الجهود وتنظيمها بحيث نخرج بنتيجة محترفة ومتكاملة؟
هناك جهود متنوعة ومختلفة، ولكن جرى مؤخرا تجميع هذه الجهود في أوروبا، وهناك عدد من المؤسسات تعمل بتعاون وتنسيق، وبالتالي الحاجة إلى التنسيق ملحة فعلا، ولكنها موجودة في بعض الأماكن، وهذا عمل دقيق ومحترف ويلزمه خبرة قانونية لا يمكن أن يقوم به أي شخص. بالفعل يوجد عدد كبير من المحامين والحقوقيين المتطوعين الذين يعملون بصورة قانونية مع عدد من المؤسسات الأوروبية، وسيكون نتاج عملهم مهما جدا.
 
الجهة المخولة
- برغم وجود مؤسسات دولية تقوم بهذا الجهد، من هي الجهة الفلسطينية المخولة بمحاكمة "إسرائيل" كمجرمة حرب؟
هذا مرتبط بآلية وكيفية التوجه، فالضحايا أنفسهم مثل الجرحى أو أقرباء الضحايا (الشهداء) وعائلاتهم يمكنهم التوجه إلى محاكم في دول معينة مثل بريطانيا وفرنسا وبلجيكا التي تتضمن قوانينها إمكانية محاكمة مجرمي حرب خارج حدودها، لكن في ما يتعلق بمجلس الأمن أو الأمم المتحدة يجب أن يكون هناك طرف رسمي أو دولة لها كيان يخولها التقدم بطلب لمحاكمة مجرمي الحرب، شريطة أن تكون وقعت على اتفاقية ذات علاقة. وللأسف حتى الآن السلطة لم توقع عليها، ويمكنها أن توقع عليها إذا أرادت ذلك.

العالم مهيأ لتجريم "اسرائيل"
- هل تعتقدون أن الرأي العام العالمي والمؤسسات القانونية الدولية لديها القناعة والقدرة على الاعتراف بجرائم "إسرائيل"، وبالتالي المضي في محاكمة قادتها؟
الرأي العالمي وصل إلى قناعة بأن ما يرتكب بغزة جرائم حرب، ولأن ما حدث فيها غير مسبوق، و"إسرائيل" قامت بأعمال تخالف القوانين الأساسية الدولية كاتفاقية جنيف الرابعة التي تكفل حماية المدنيين، وهذا يقوض أركان النظام الذي تم إنشاؤه بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة أن "إسرائيل انتهكت الروح التي كانت مخيمة بعد الحرب العالمية الثانية، والتي بموجبها أقيمت محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة النازيين الذين ارتكبوا "جرائم حرب" ضد اليهود، "إسرائيل" بهذه الجرائم تقوض البعد الأخلاقي وليس فقط القانوني لرزمة القوانين الدولية، وهذا أمر باتت تدركه قطاعات واسعة، لذلك فإن الرأي العام الدولي مهيأ حاليا لملاحقة الذين ارتكبوا الجرائم، وهذا هو جوهر المحاولات التي تجري حاليا.

 تقاعس عربي
- ما أهمية الدور العربي في قضية توثيق جرائم الحرب ومحاكمة القادة الإسرائيليين، خاصة في ما يتعلق بالدعم القانوني والسياسي للفلسطينيين؟
الدول العربية يمكن أن تكون طرفاً في ذلك إذا كانت موقعة على اتفاقيات ذات علاقة، لكنها متقاعسة في هذا الصدد للأسف، لأنها تخشى ردود فعل الولايات المتحدة و"إسرائيل". أما الطرف العربي الرسمي فهو متخاذل في أكثر من جانب، فلديهم مصادر قوة عديدة ليست فقط في السيولة النقدية، وإنما القوة للضغط والمتابعة القضائية.. لكنها رسميا متقاعسة ولا حضور فاعلا لها على الصعيد العالمي. وهناك أطراف فاعلة أكثر كبوليفيا أو تركيا مثلا.

 آليات الرصد
- ما هي الآليات القانونية السليمة التي يجب على الباحثين اتباعها أثناء رصد الجرائم؟
هذه جملة من الأعمال الميدانية المتعلقة بتدقيق أسماء الشهداء وتوثيق أعمارهم وكيفية ومواقع استشهادهم، مع إظهار توفير أي دلائل تطلبها المحكمة من أمثلة شهود العيان على ما حصل، وهذا أمر ممكن لأن غزة مكتظة بالسكان، والكثير منهم شاهدوا بأم أعينهم جرائم قتل. كما يوجد هناك توثيق للقنابل التي ألقيت وفي أي أماكن، وخاصة في الأماكن المأهولة.
 
- ما أهم الجرائم التي يجب التركيز عليها؟ هل يتعلق الأمر بقتل الأطفال أم بالدمار الهائل أم باستخدام أسلحة محرمة؟
الخروق التي تصل لمستوى جرائم حرب هي الخروق التي تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة الواضحة التي تكفل حماية المدنيين غير المقاتلين. وبالتالي فإن أي مدني أصيب بجراح أو استشهد فإن هذا يعتبر خرقاً إسرائيلياً للاتفاقية، لعلم "إسرائيل" بأن أعمالها تعرض حياة المدنيين للخطر وتؤدي إلى قتلهم وإصابتهم بشكل متعمد.
الانتقاد/ العدد1333 ـ 13 شباط/ فبراير 2009

2009-02-13