ارشيف من :أخبار عالمية

عبد الوهاب المسيري صاحب "اليهود واليهودية والصهيونية"

عبد الوهاب المسيري صاحب "اليهود واليهودية والصهيونية"

قبل أيام قليلة رحل المفكر عبد الوهاب المسيري عن (70) عاماً،  قضى جلها بحثاً وتدقيقاً ونقداً ومقارنة بكل ما يمت لليهود واليهودية بصلة، فأغنى وأثرى المكتبة العالمية بمادة مختلفة في مضمونها وغزيرة في كمها ومضبوطة في مراجعها. لقد كان المسيري في حاجة إلى تحقيق رؤيته التأسيسية لطريقة فهم المشروع الصهيوني، بدءاً من مناقشة أخطاء الخطاب التحليلي العربي للمسألة الصهيونية ومعالجتها.
عرف المسيري كيف يشتغل على مادته من دون أن يتأثر بالإسقاطات والقوالب الجاهزة التي ينتمي معظمها إلى العملية التعبوية أو الهجوم المضخّم.
طبعاً المسيري ليس محايداً في خلفية حركته وبحثه، لكن الشروط العلمية الأكاديمية كانت المحرك الفعلي لعمله، فهو يشتغل على مادة ستكون برسم الأمم وعرضة للنقد.. كما أن مكتبتنا العربية ليست بحاجة إلى مؤلفات تعبوية في المسألة اليهودية.
أنجز عبد الوهاب المسيري مشروعه الضخم بجهوده الذاتية، فأنفق آلافا مؤلفة من الدولارات في سبيل إنجاح مشروعه الذي صدر في ثمانية أجزاء عام 1996 عن "دار الشروق" في القاهرة.

الجهد والنقد
أما على مستوى الوقت، فقد تطلب الأمر ربع قرن من حياة المسيري، قضاها في الجهد البحث الدؤوب، لكنها لم تكن بداية علاقة المفكر الكبير بالمسألة الصهيونية، فهذه الأخيرة بدأت عام 1972 مع كتابه "نهاية التاريخ: مقدمة لدراسة بنية الفكر الصهيوني"، الذي أصدره بعد ثلاث سنوات من حصوله على شهادة "دكتوراه" في الأدب المقارن من جامعة "رينجرز" في ولاية نيوجرسي عام 1969.. وسبقتها رسالة "ماجستير" عام 1964 في الموضوع نفسه من جامعة "كولومبيا".
عام 1975 أصدر المسيري موسوعته الأولى "موسوعة المفاهيم والمصطلحات الصهيونية: رؤية نقدية"، ومن بعدها أصدر مؤلفات عديدة في الإطار نفسه. لكن المسيري انتبه في ما بعد إلى آلية عمله المتقاطعة مع المذهب الفلسفي المعروف بالتفكيكية، حيث يبقى الكاتب في إطار استقراء المشهد إنما دون خلق بدائل.. لذا انتفض المسيري على هذه المنهجية "التقويضية" وانتقل إلى مرحلة أخرى من البحث والنقد والتفكير، خرج بمحصلتها بمؤلفات كثيرة أبرزها: "اليهود واليهودية والصهيونية".

حياته
تعد حياة المسيري سجلاً لتحولات جيل بأكمله، وجد في الغرب ملاذاً فكرياً وواحة سجال وتنوع. ولكن مع الاحتكاك المباشر به، ومع تعقد القضية الفلسطينية، انتقل من النقيض إلى النقيض. فقد درس المسيري الأدب الانكليزي في جامعة الاسكندرية، وترجم عدداً من أبرز الأعمال الكلاسيكية، ثم توقف عن الترجمة والنقد الأدبي، وتحول إلى دراسة "المسألة الصهيونية".
فكرياً تنقل المسيري بين عدة مذاهب وفلسفات، لكن هذا لم ينعكس على صورته المحببة والجذابة، حيث كان هذا المفكر محوراً دائماً في أي جلسة أو محاضرة.

في السياسة
لم يكتفِ المسيري بصورة المثقف ولعبة الورقة والقلم، بل حضر في عالم السياسة معارضا وبقوة، حتى إنه كان زعيم حركة "كفاية" في مصر. فللمسيري الكثير من الاعتراضات الجذرية على آلية عمل النظام المصري، من الناحيتين السياسية والاقتصادية.
يذكر أن الحكومة المصرية التي كانت في حالات استثنائية تنفق على علاج بعض الفنانين في آخر أيامهم، لم توافق على إنفاق قرش واحد على علاج  المسيري الذي رحل في مستشفى "فلسطين" في القاهرة، بعد أن حصل على جائزة "القدس" التي يمنحها "اتحاد الكتاب العرب".
عبد الحليم حمود
الانتقاد/ العدد1279 ـ 8 تموز/ يوليو 2008

2008-07-08