ارشيف من :آراء وتحليلات
اللقاء المسيحي يستكمل وثيقة التفاهم

كتبت ليلى نقولا الرحباني
بعد حوالى سنتين ونصف السنة على توقيع وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله، عقد اللقاء المسيحي الوطني الذي جمع عدداً من الشخصيات المسيحية المعارضة، وأصدر عدداً من المبادئ التي تعتبر ـ من وجهة نظر المراقبين ـ خارطة طريق للمسيحيين المشرقيين، وتوضيحاً لما التبس في ذهن الجمهور العربي من مفاهيم أساءت الى المسيحيين المشرقيين ووجودهم، وجعلت من العرب المسلمين ينظرون بعين الريبة والشك اليهم.. لا بل جعلت المسيحيين أنفسهم ينأون بأنفسهم عن القضايا القومية ويخفضون أصواتهم في الدفاع عن القضايا العربية المحقة، وذلك بسبب وقوعهم بين سندان الغرب المؤامر على وجودهم، ومطرقة النظرة المريبة التي ينظر بها اليهم إخوانهم وشركاؤهم في الوطن العربي من المسلمين.
في الحقيقة لقد انقسم المسيحيون دائماً ومنذ زمن بعيد الى ثلاثة خطوط:
ـ الخط الاول: قسم منهم يخاف من الذوبان في محيط اسلامي طاغٍ، انطلاقاً من باب حفظ الوجود ينادي بالتقوقع والانغلاق ويطلق مقولة "أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار". وقد اعتبر هذا الجزء نفسه امتداداً للغرب في هذا الشرق، فكرّس بذلك الصورة التي طبعت المسيحيين خلال الحرب الأهلية والتي خوّنتهم واعتبرتهم "عملاء لاسرائيل"، وذلك بسبب تعامل أمراء الميليشيات ممن ادعوا التكلم باسم المسيحيين مع "اسرائيل"، ففرضوا هيمنة ميليشياوية على المناطق المسيحية التي سادتها اكثرية صمتت "مكرهة وبقوة السلاح".. وسكتت على استباحة اسمها من قبل الميليشيات المسيطرة التي فرضت أمراً واقعاً مهيناً في المناطق "الشرقية".
ـ الخط الثاني من المسيحيين هو الذي نادى بالاندماج الكامل مع المحيط، فرفع شعارات قومية وفوق وطنية من أجل التسلح بها لحفظ دوره في النظام. واستوعب هذا الخط ان العامل الديني لن يكون مساعداً له بسبب وجود أكثري اسلامي، لذا رفع شعارات القومية العربية وشعارات علمانية لا تأخذ بعين الاعتبار العامل الديني. وقد انحسر هذا الخط كثيراً بعد "عودة المقدس" الى الميدان السياسي وارتفاع حمى الطائفية، ولم يعد له ذلك التأثير المهم في السياسات المسيحية.
ـ الخط الأخير، ويشكل الأغلبية الساحقة من المسيحيين المشرقيين.
وقد اعتبر هذا الجزء ان وجوده كأقلية لا يشكل له تهديداً من المسلمين، وأن حفظ دوره ووجوده يقضي بالانفتاح على المحيط والالتزام بقضاياه مع الحفاظ على الخصوصية والتعدد. ورفض هذا الجزء اعتباره "بقايا جالية صليبية" في هذا الشرق، وأكد دائماً أنه جزء لا يتجزأ من قضايا الأمة العربية، وأن مصيره مرتبط بشكل وثيق بمصير الأمة ككل. كما نادى هذا الخط بوحدة المصير مع المسلمين، ودعا الى تأسيس دولة مدنية تقوم على اعتبار الجميع مواطنين يتساوون في الحقوق والواجبات. فالمواطنة ـ بالنسبة اليه ـ هي الحل المثالي والناجع لحفظ الجميع، أكثريات وأقليات سياسية ودينية.
ومن هذا الجزء الاخير انطلق سياسياً التيار الوطني الحر، لذلك حرصاً منه على قرن القول بالفعل، وأنه آن الأوان لتوضيح الصورة وتحديد خيارات المسيحيين الاستراتيجية، وتأكيداً لوحدة المصير المشترك، وإيمانه بأولوية الوحدة الوطنية على كل المصالح الفئوية الضيقة، وقّع وثيقة التفاهم مع حزب الله، ومنها ايضاً عقد اللقاء المسيحي الذي يأتي ليستكمل بنود التفاهم والانفتاح، وليدعو المسيحيين الى الانفتاح على المحيط والوقوف في وجه المؤامرات التي تحاك ضده من أجل تسهيل وإمرار المشروع الاميركي الذي يأتي توطين الفلسطينيين في لبنان كأحد أعمدته، وتزكية الصراعات الطائفية والمذهبية من اجل تفتيت وتقسيم المنطقة، اضافة الى تهجير المسيحيين من الشرق.. ولنا في ما يحصل في العراق وفلسطين من تهجير ممنهج للمسيحيين أبلغ عبرة.
الانتقاد/ العدد1279 ـ 8 تموز/ يوليو 2008
بعد حوالى سنتين ونصف السنة على توقيع وثيقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله، عقد اللقاء المسيحي الوطني الذي جمع عدداً من الشخصيات المسيحية المعارضة، وأصدر عدداً من المبادئ التي تعتبر ـ من وجهة نظر المراقبين ـ خارطة طريق للمسيحيين المشرقيين، وتوضيحاً لما التبس في ذهن الجمهور العربي من مفاهيم أساءت الى المسيحيين المشرقيين ووجودهم، وجعلت من العرب المسلمين ينظرون بعين الريبة والشك اليهم.. لا بل جعلت المسيحيين أنفسهم ينأون بأنفسهم عن القضايا القومية ويخفضون أصواتهم في الدفاع عن القضايا العربية المحقة، وذلك بسبب وقوعهم بين سندان الغرب المؤامر على وجودهم، ومطرقة النظرة المريبة التي ينظر بها اليهم إخوانهم وشركاؤهم في الوطن العربي من المسلمين.
في الحقيقة لقد انقسم المسيحيون دائماً ومنذ زمن بعيد الى ثلاثة خطوط:
ـ الخط الاول: قسم منهم يخاف من الذوبان في محيط اسلامي طاغٍ، انطلاقاً من باب حفظ الوجود ينادي بالتقوقع والانغلاق ويطلق مقولة "أمن المجتمع المسيحي فوق كل اعتبار". وقد اعتبر هذا الجزء نفسه امتداداً للغرب في هذا الشرق، فكرّس بذلك الصورة التي طبعت المسيحيين خلال الحرب الأهلية والتي خوّنتهم واعتبرتهم "عملاء لاسرائيل"، وذلك بسبب تعامل أمراء الميليشيات ممن ادعوا التكلم باسم المسيحيين مع "اسرائيل"، ففرضوا هيمنة ميليشياوية على المناطق المسيحية التي سادتها اكثرية صمتت "مكرهة وبقوة السلاح".. وسكتت على استباحة اسمها من قبل الميليشيات المسيطرة التي فرضت أمراً واقعاً مهيناً في المناطق "الشرقية".
ـ الخط الثاني من المسيحيين هو الذي نادى بالاندماج الكامل مع المحيط، فرفع شعارات قومية وفوق وطنية من أجل التسلح بها لحفظ دوره في النظام. واستوعب هذا الخط ان العامل الديني لن يكون مساعداً له بسبب وجود أكثري اسلامي، لذا رفع شعارات القومية العربية وشعارات علمانية لا تأخذ بعين الاعتبار العامل الديني. وقد انحسر هذا الخط كثيراً بعد "عودة المقدس" الى الميدان السياسي وارتفاع حمى الطائفية، ولم يعد له ذلك التأثير المهم في السياسات المسيحية.
ـ الخط الأخير، ويشكل الأغلبية الساحقة من المسيحيين المشرقيين.
وقد اعتبر هذا الجزء ان وجوده كأقلية لا يشكل له تهديداً من المسلمين، وأن حفظ دوره ووجوده يقضي بالانفتاح على المحيط والالتزام بقضاياه مع الحفاظ على الخصوصية والتعدد. ورفض هذا الجزء اعتباره "بقايا جالية صليبية" في هذا الشرق، وأكد دائماً أنه جزء لا يتجزأ من قضايا الأمة العربية، وأن مصيره مرتبط بشكل وثيق بمصير الأمة ككل. كما نادى هذا الخط بوحدة المصير مع المسلمين، ودعا الى تأسيس دولة مدنية تقوم على اعتبار الجميع مواطنين يتساوون في الحقوق والواجبات. فالمواطنة ـ بالنسبة اليه ـ هي الحل المثالي والناجع لحفظ الجميع، أكثريات وأقليات سياسية ودينية.
ومن هذا الجزء الاخير انطلق سياسياً التيار الوطني الحر، لذلك حرصاً منه على قرن القول بالفعل، وأنه آن الأوان لتوضيح الصورة وتحديد خيارات المسيحيين الاستراتيجية، وتأكيداً لوحدة المصير المشترك، وإيمانه بأولوية الوحدة الوطنية على كل المصالح الفئوية الضيقة، وقّع وثيقة التفاهم مع حزب الله، ومنها ايضاً عقد اللقاء المسيحي الذي يأتي ليستكمل بنود التفاهم والانفتاح، وليدعو المسيحيين الى الانفتاح على المحيط والوقوف في وجه المؤامرات التي تحاك ضده من أجل تسهيل وإمرار المشروع الاميركي الذي يأتي توطين الفلسطينيين في لبنان كأحد أعمدته، وتزكية الصراعات الطائفية والمذهبية من اجل تفتيت وتقسيم المنطقة، اضافة الى تهجير المسيحيين من الشرق.. ولنا في ما يحصل في العراق وفلسطين من تهجير ممنهج للمسيحيين أبلغ عبرة.
الانتقاد/ العدد1279 ـ 8 تموز/ يوليو 2008