ارشيف من :آراء وتحليلات
فاصلة: موفد "8 آذار" الأميركي يدعم "14 آذار"

كتبت ليلى نقولا الرحباني
تلقت الموالاة في لبنان رسالة دعم قوية جديدة، أتت هذه المرة من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي السيناتور الديمقراطي الأميركي جون كيري، الذي قام بزيارة شبه أحادية لبيروت، والتقى إضافة إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري ومستشار العلاقات الخارجية في القوات اللبنانية.
وكانت زيارة كيري واللقاءات التي عقدها بالاضافة الى الكلام الذي أطلقه من بيروت، سافرة جداً في التدخل في الشؤون اللبنانية ومليئة بالتناقضات، فبالرغم من أن الاعلام نقل عنه انه ابلغ المسؤولين اللبنانيين رسالة شديدة الوضوح وفحواها ان "الادارة الجديدة حريصة على سيادة لبنان واستقلاله"، أطلق كيري في يومه اللبناني الطويل نقيض تلك الرسالة السيادية والاستقلالية، فتدخل علناً في الشؤون الداخلية اللبنانية من خلال دعمه لفريق ضد آخر في الانتخابات النيابية القادمة، مشيراً الى أن "واشنطن تتطلع الى الدور الذي سيلعبه فريق الرابع عشر من آذار من أجل تأمين الفوز بالانتخابات المقبلة" على قاعدة أنه مهيأ "لتأمين مستقبل افضل للشعب اللبناني".
والواقع ان كيري، قد أعاد الى ذاكرة اللبنانيين ذكريات مرّة عن التدخلات الاميركية في الشأن اللبناني، والمآسي التي نتجت عنها، وخاصة ما قام به بوش وادارته، بدعم فريق لبناني ضد آخر بطريقة فظة كرست مشاعر العداء للادارة الاميركية، وجعلت لبنان معرضاً للانتكاسات السياسية والامنية التي سببها الدعم الاميركي لفريق الموالاة، الذي لم يكن يستند الى قوة شعبية كافية تجعله قابلاً للحكم، بل ساعده الاميركيون وغيرهم على تزوير الانتخابات النيابية وتزوير الارادة الشعبية، والقيام بمؤامرات دنيئة على ابناء الوطن أدت الى عدوان اسرائيلي عليه، بتحريض اميركي واضح، وتغطية داخلية وعربية.
اما في تحديد كيري فريق الموالاة بأنه مهيأ لتأمين المستقبل الافضل للشعب اللبناني، فانه يذكرنا بالكلام الذي أطلقه البطريرك صفير منذ اسابيع، والذي اعتبر فيه ان انتخاب المعارضة سيؤدي الى أخطار ذات وزن تاريخي. وهنا نسأل: كيف يعرف كيري ما هو الانسب للشعب اللبناني؟ وهل سيعيد كيري على العالم مقولات بوش "ان الله تكلم معه وأبلغه بما يفعل"؟ وكيف يجرؤ كيري بالحديث عن الديمقراطية، ويسمح لنفسه بفرض نظرياته التفضيلية على الشعوب، ويقرر عنهم ما هو الافضل لمستقبلهم؟
كان الاجدى بكيري، ان يقول ان وصول الفريق الشباطي هو الافضل للاميركيين وليس للبنانيين، ولقد كانت هذه العبارة ـ لو قالها ـ أصدق وأبلغ، وأكثر مدعاة للاحترام وأكثر مواءمة مع ما أطلقه من تعابير "سيادة لبنان" والدعوة الى احترام استقلاله السياسي.
أما في دعوة السوريين الى رقصة تانغو، فلا يحق لنا كلبنانيين ان نتدخل في العلاقات السورية الاميركية، وهذا امر يقرره المعنيون بهذه الرقصة أو غيرها. ولكن أن يدعو كيري سوريا الى احترام الاستقلال السياسي للبنان، ويدعوها في الوقت نفسه الى "حل مسألة حزب الله"، فهذا هو التناقض بعينه، وهذا يشير الى معادلة أميركية واضحة مفادها "ان احترام الاستقلال السياسي للبنان يكون من خلال ضرب المعارضة اللبنانية، ودعم فريق الموالاة والمساعدة على نزع سلاح المقاومة، بل تكون قمة الاحترام الأكيد للاستقلال والسيادة اللبنانيين في المساعدة السورية على فرض التوطين وتأمين أمن اسرائيل ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة".
بهذه الذهنية يستمر الاميركيون في سياساتهم التدخلية، وبنفس الذهنية يلتقي السناتور الديمقراطي كيري احد كوادر القوات، الذي أطلق جعجع على رئيسه الفائز صفة "مرشح 8 آذار". بمجرد الاطلاع على "الشخصية القواتية الهامة" التي التقاها كيري، ولم يلتقِ بمن يفترض به بروتوكولياً ان يلتقيهما كرئيس مجلس النواب اللبناني ووزير الخارجية، وحتى لم يلتقِ بجعجع نفسه، كان من المفترض بالصحفيين أن يسألوه: هل تأتي بصفتك الشخصية، أم انت مكلف من إدارة اوباما بهذه الزيارة وبنقل الرسائل؟.
عندها فقط وبناء على جوابه، كنا استطعنا معرفة المغزى الحقيقي من زيارة كيري الى لبنان، وهل هي استمرار للذهنية الفوقية التي بدأها بوش وادارته، والتي كرست سياسة "العرق المتفوق"، الذي يأتي احد نوابه في زيارة سياحية، فيسمح لنفسه بالتدخل في شؤوننا، والاملاء بما يناسب مستقبلنا.
الانتقاد/ العدد 1334، 20 شباط/ فبراير 2009
تلقت الموالاة في لبنان رسالة دعم قوية جديدة، أتت هذه المرة من رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي السيناتور الديمقراطي الأميركي جون كيري، الذي قام بزيارة شبه أحادية لبيروت، والتقى إضافة إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، رئيس الحكومة فؤاد السنيورة والنائب سعد الحريري ومستشار العلاقات الخارجية في القوات اللبنانية.
وكانت زيارة كيري واللقاءات التي عقدها بالاضافة الى الكلام الذي أطلقه من بيروت، سافرة جداً في التدخل في الشؤون اللبنانية ومليئة بالتناقضات، فبالرغم من أن الاعلام نقل عنه انه ابلغ المسؤولين اللبنانيين رسالة شديدة الوضوح وفحواها ان "الادارة الجديدة حريصة على سيادة لبنان واستقلاله"، أطلق كيري في يومه اللبناني الطويل نقيض تلك الرسالة السيادية والاستقلالية، فتدخل علناً في الشؤون الداخلية اللبنانية من خلال دعمه لفريق ضد آخر في الانتخابات النيابية القادمة، مشيراً الى أن "واشنطن تتطلع الى الدور الذي سيلعبه فريق الرابع عشر من آذار من أجل تأمين الفوز بالانتخابات المقبلة" على قاعدة أنه مهيأ "لتأمين مستقبل افضل للشعب اللبناني".
والواقع ان كيري، قد أعاد الى ذاكرة اللبنانيين ذكريات مرّة عن التدخلات الاميركية في الشأن اللبناني، والمآسي التي نتجت عنها، وخاصة ما قام به بوش وادارته، بدعم فريق لبناني ضد آخر بطريقة فظة كرست مشاعر العداء للادارة الاميركية، وجعلت لبنان معرضاً للانتكاسات السياسية والامنية التي سببها الدعم الاميركي لفريق الموالاة، الذي لم يكن يستند الى قوة شعبية كافية تجعله قابلاً للحكم، بل ساعده الاميركيون وغيرهم على تزوير الانتخابات النيابية وتزوير الارادة الشعبية، والقيام بمؤامرات دنيئة على ابناء الوطن أدت الى عدوان اسرائيلي عليه، بتحريض اميركي واضح، وتغطية داخلية وعربية.
اما في تحديد كيري فريق الموالاة بأنه مهيأ لتأمين المستقبل الافضل للشعب اللبناني، فانه يذكرنا بالكلام الذي أطلقه البطريرك صفير منذ اسابيع، والذي اعتبر فيه ان انتخاب المعارضة سيؤدي الى أخطار ذات وزن تاريخي. وهنا نسأل: كيف يعرف كيري ما هو الانسب للشعب اللبناني؟ وهل سيعيد كيري على العالم مقولات بوش "ان الله تكلم معه وأبلغه بما يفعل"؟ وكيف يجرؤ كيري بالحديث عن الديمقراطية، ويسمح لنفسه بفرض نظرياته التفضيلية على الشعوب، ويقرر عنهم ما هو الافضل لمستقبلهم؟
كان الاجدى بكيري، ان يقول ان وصول الفريق الشباطي هو الافضل للاميركيين وليس للبنانيين، ولقد كانت هذه العبارة ـ لو قالها ـ أصدق وأبلغ، وأكثر مدعاة للاحترام وأكثر مواءمة مع ما أطلقه من تعابير "سيادة لبنان" والدعوة الى احترام استقلاله السياسي.
أما في دعوة السوريين الى رقصة تانغو، فلا يحق لنا كلبنانيين ان نتدخل في العلاقات السورية الاميركية، وهذا امر يقرره المعنيون بهذه الرقصة أو غيرها. ولكن أن يدعو كيري سوريا الى احترام الاستقلال السياسي للبنان، ويدعوها في الوقت نفسه الى "حل مسألة حزب الله"، فهذا هو التناقض بعينه، وهذا يشير الى معادلة أميركية واضحة مفادها "ان احترام الاستقلال السياسي للبنان يكون من خلال ضرب المعارضة اللبنانية، ودعم فريق الموالاة والمساعدة على نزع سلاح المقاومة، بل تكون قمة الاحترام الأكيد للاستقلال والسيادة اللبنانيين في المساعدة السورية على فرض التوطين وتأمين أمن اسرائيل ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة".
بهذه الذهنية يستمر الاميركيون في سياساتهم التدخلية، وبنفس الذهنية يلتقي السناتور الديمقراطي كيري احد كوادر القوات، الذي أطلق جعجع على رئيسه الفائز صفة "مرشح 8 آذار". بمجرد الاطلاع على "الشخصية القواتية الهامة" التي التقاها كيري، ولم يلتقِ بمن يفترض به بروتوكولياً ان يلتقيهما كرئيس مجلس النواب اللبناني ووزير الخارجية، وحتى لم يلتقِ بجعجع نفسه، كان من المفترض بالصحفيين أن يسألوه: هل تأتي بصفتك الشخصية، أم انت مكلف من إدارة اوباما بهذه الزيارة وبنقل الرسائل؟.
عندها فقط وبناء على جوابه، كنا استطعنا معرفة المغزى الحقيقي من زيارة كيري الى لبنان، وهل هي استمرار للذهنية الفوقية التي بدأها بوش وادارته، والتي كرست سياسة "العرق المتفوق"، الذي يأتي احد نوابه في زيارة سياحية، فيسمح لنفسه بالتدخل في شؤوننا، والاملاء بما يناسب مستقبلنا.
الانتقاد/ العدد 1334، 20 شباط/ فبراير 2009