ارشيف من :أخبار لبنانية
خاص الانتقاد.نت: اثر من زمن البركة.. معمر عاصر عهودا ثلاث


عاصر السيد ابو نور الدين حكم تركيا واحتلال فرنسا, ويقول عن ذلك الزمن ان" الذي تحمله من تركيا وفرنسا لا يمكن للصخر ان يتحمله", ويضيف : "عشت مع والدي اربعين سنة, وهو عاش تسعين سنة".
والدي الذي خدم في الجيش التركي وكان قائد مجموعة, قام بالقاء القبض على رئيس عصابة واخذ تنويها من قائد الفيلق وبموجبه اعفي من الضرائب ويتابع : كان اهلنا الفقراء والفلاحون مضطرين لدفع الضرائب للاتراك ثلاث مرات بالسنة, وكانت الايام مجاعة مستمرة وفقر دائم, اما ايام الفرنسيين فكانت منطقة بعلبك من المغضوب عليهم.. وكانوا ياخذون الجميع بجريرة واحد وكانوا اذا غضبوا على احد في هذه المنطقة او في ضيعة منها حاصروا البلدة باكملها, وينقل لنا ابو نور الدين حادثة مقتل السرجانت الفرنسي حيث حوصر اهالي القرية باكملهم خمسة عشر يوما في مقام النبي شيث (ع) والبلدة التي يعد اهلها بالعشرات دخل اليها وطوقها اثنا عشر الف جندي ودفع الاهالي ضريبة سلاح ثلاث مرات ... ظلم لا يحتمل ايام الاتراك والفرنسيين يقول ابو نور الدين .
ويستوي السيد في جلسته ويقول : يوم خسرت تركيا الحرب ودخل الملك فيصل الاول الى سوريا, وقدم الى لبنان, وصلت خزينة الملك الى يحفوفا بالقطار فحاول اهالي سرغايا ان يستولوا عليها, الا ان السيد جعفر علي الموسوي تسلمها ومجموعة من رجال البلدة بالاتفاق مع المسؤول عنها واودعت في بيت السيدة مريم الموسوي اخت السيد جعفر.
كانت الخزنة حمولة اثنا عشر جملا وبقيت لفترة اعيدت بعدها فارسل الملك فيصل كتاب توزير واحترام للسيد جعفر على حفظه للامانة, ويلفت السيد ابو نور الدين الى انه ايام تركيا كانت البنادق نادرة وكان اسمها "شاهينية" اما ايام الفرنسيين فانتشرت البنادق بشكل اكبر بين الناس لكن لم يكن يجرؤ احد على استخدامها.
ويعيدنا الى ذلك الزمن القاسي والطيب في آن فيقول : كنا نزرع الحبوب قمحا وشعيرا وعدسا على بركة السماء " بعل " ونقوم بجمع الحطب للطبخ والتدفئة من الجرود وصولا الى حدود سرغايا وننقلهم على الدواب من حمير وجمال , اما ايام الحصيدة فنحمل الهم حيث كنا نحلش السنابل بايدينا , ونرجدهم (ننقلهم) الى البيادر في الضيعة على الحمير والبغال والابقار . ويجتمع اهل القرية كلهم على البيادر ليدرسوا محصولهم ويقومون بفصل الحب عن السنابل "بالموارج" وحين نبدا بجمع المحصول تضع الدولة (شوابصة) أي مراقبين لاخذ حصة الدولة , اما المياه فكنا ننقلها من نهر يحفوفا ايضا على الدواب , وكان غسيل الملابس على النهر حيث تجتمع نساء القرية لتغسل الثياب .
ويستذكر السيد ابو نور الدين بعض الردات التي يسلون بها انفسهم ايام العمل :
هيهات يا بو الزلف عيني يا موليا
يا أماني ريتك بور ريتك مرعى للزرزور
الليلكي عالليلكي اشتغلي الشغل ما بدو حيلكي

السيد علي جاوز المئة من عمره وما زال شيخ الشباب, مستقيم الظهر, لايستعين بعصا اوعكاز, ويحتفظ ببنادقه التاريخية ومهباج القهوة العربية رمز الضيافة, ويتجاور في بيته صورتا السيد حسن نصر الله وسلطان باشا الأطرش, ويفخر بهما كما يفخر بابنائه واحفاده, وهو الذي لا يعرف اكثرهم حيث جاوز عددهم المئة حفيد من الذكور والاناث ...
تحقيق وتصوير:عصام البستاني
