ارشيف من :آراء وتحليلات
نقطة حبر: الموت كسفينة نجاة

كتب حسن نعيم
المتأمل في أحوال الناس من حوله، اهتمامتها ومتعلقاتها, مخاوفها وأحلامها، لا يمكنه إلا أن يشفق على جهودها المضنية في سبيل تحقيق حاجاتها غير المحدودة, ثمة حاجات عند الإنسان لا تحدها حدود, كلما أغلق لها باب, انفتحت له من بين ثنايا أكمامها أبواب.
الناس تتعب وتشقى وتكدح ويصيبها من جرّاء سعيها المحموم لتحقيق حاجاتها هموم وأكدار. تتناسل الأكدار وتتوالد جرّاء احتكاك الحاجات وتزاحمها.
وفي غمرة التدافع يأتي الموت. يكون الموت واقفاً على قارعة الطريق ولا أحد يراه ـ ما أنجحه في التخفي ـ وبيده الخفيفة ينتشل الروح من زوايا الجسد كافةً.
الرجل الذي انطفأت أزرار الحياة في جسده في ساعة من ساعات النهار هو نفسه الذي كان يخطط في مساء الليلة الفائتة لشراء سيارة فارهة, أو شقة مريحة، أو إرساله ابنه للخارج ليتابع دراسته ويعود فيتزوج وينجب أولاداً ليعابثهم ويلاعبهم ويضيفون إلى قاموسه كلمة "جدو"... لكن يد الموت كانت خاطفة، خطفته من بين أهله وأحبائه. ومن أعشاش أحلامه. يد الموت ثقيلة. تفاجئ وتباغت ولا ترحم. إنها تشبه الموجة البحرية العاتية التي تطبق على ما لا تعلم من الأشياء والعناصر..
الموت ضيف ثقيل الوطأة، ولكن زيارته واجبة وغير متوقعة أحياناً بل في أغلب الأحيان. في غزة مثلاً هو متوقع وغير متوقع في آن. متوقع على مستوى الجماعة وغير متوقع على مستوى الفرد الغافي في حديقة الخوف والرجاء.
هل يمكن أن يكون الموت رحمة؟ طبعاً هو كذلك في الرؤية الإلهية الكلية الشاملة, ولكن هل يمكن أن يكون التفكير فيه والتأمل في كنهه مريحاً لهذا الإنسان اللاهث بما هو أكثر من الجدّية وراء أحلامه واحتياجاته المشروعة منها وغير المشروعة. الممدوحة منها والمذمومة.
مرة ثانية قطعاً هو كذلك لأنه يجعلنا أقل اكتراثاً بالنتائج السلبية وبما تخبئه لنا الأيام, ولأنه يقول لنا: ثمة ما هو أبعد من هذه الحياة التي يحكم فيها الأوغاد والمجرمون والقتلة, ولأنه يقول لنا ثمة حياة أخرى أبدية لا موت فيها. لكل ذلك. ولأكثر من ذلك هو جميل بل أجمل وأرحم من هذه الحياة.
الانتقاد/ العدد 1335 ـ 27 شباط/ فبراير 2009
المتأمل في أحوال الناس من حوله، اهتمامتها ومتعلقاتها, مخاوفها وأحلامها، لا يمكنه إلا أن يشفق على جهودها المضنية في سبيل تحقيق حاجاتها غير المحدودة, ثمة حاجات عند الإنسان لا تحدها حدود, كلما أغلق لها باب, انفتحت له من بين ثنايا أكمامها أبواب.
الناس تتعب وتشقى وتكدح ويصيبها من جرّاء سعيها المحموم لتحقيق حاجاتها هموم وأكدار. تتناسل الأكدار وتتوالد جرّاء احتكاك الحاجات وتزاحمها.
وفي غمرة التدافع يأتي الموت. يكون الموت واقفاً على قارعة الطريق ولا أحد يراه ـ ما أنجحه في التخفي ـ وبيده الخفيفة ينتشل الروح من زوايا الجسد كافةً.
الرجل الذي انطفأت أزرار الحياة في جسده في ساعة من ساعات النهار هو نفسه الذي كان يخطط في مساء الليلة الفائتة لشراء سيارة فارهة, أو شقة مريحة، أو إرساله ابنه للخارج ليتابع دراسته ويعود فيتزوج وينجب أولاداً ليعابثهم ويلاعبهم ويضيفون إلى قاموسه كلمة "جدو"... لكن يد الموت كانت خاطفة، خطفته من بين أهله وأحبائه. ومن أعشاش أحلامه. يد الموت ثقيلة. تفاجئ وتباغت ولا ترحم. إنها تشبه الموجة البحرية العاتية التي تطبق على ما لا تعلم من الأشياء والعناصر..
الموت ضيف ثقيل الوطأة، ولكن زيارته واجبة وغير متوقعة أحياناً بل في أغلب الأحيان. في غزة مثلاً هو متوقع وغير متوقع في آن. متوقع على مستوى الجماعة وغير متوقع على مستوى الفرد الغافي في حديقة الخوف والرجاء.
هل يمكن أن يكون الموت رحمة؟ طبعاً هو كذلك في الرؤية الإلهية الكلية الشاملة, ولكن هل يمكن أن يكون التفكير فيه والتأمل في كنهه مريحاً لهذا الإنسان اللاهث بما هو أكثر من الجدّية وراء أحلامه واحتياجاته المشروعة منها وغير المشروعة. الممدوحة منها والمذمومة.
مرة ثانية قطعاً هو كذلك لأنه يجعلنا أقل اكتراثاً بالنتائج السلبية وبما تخبئه لنا الأيام, ولأنه يقول لنا: ثمة ما هو أبعد من هذه الحياة التي يحكم فيها الأوغاد والمجرمون والقتلة, ولأنه يقول لنا ثمة حياة أخرى أبدية لا موت فيها. لكل ذلك. ولأكثر من ذلك هو جميل بل أجمل وأرحم من هذه الحياة.
الانتقاد/ العدد 1335 ـ 27 شباط/ فبراير 2009