ارشيف من :آراء وتحليلات

لبنان من المنظور الإقليمي لعبة مفتوحة على كل الاحتمالات

لبنان من المنظور الإقليمي لعبة مفتوحة على كل الاحتمالات
كتب مصطفى الحاج علي
كيف يمكن لملمة عناصر المشهد الداخلي من المنظور الإقليمي؟
هذا السؤال يفترض ضمناً وجود تلازم موضوعي بين مجريات الأمور داخلياً، ومجريات الأمور إقليمياً، ويفترض ضمناً أن حسابات الأطراف المحليين لا بد من أن تأخذ بعين الاعتبار حسابات الاحتمالات الخاصة بالوضع الاقليمي، سواء أكانت هذه الحسابات منفعلة، أم عاكسة، أم متداخلة.
في هذا الإطار، نبدو إزاء المشهد التالي:
أولاً: إسرائيلياً، بات محسوماً حضور اليمين المتشدد في خريطة القوى الداخلية كأبرز الأطراف المؤثرة والفاعلة، والخيارات على صعيد تشكيل الحكومة تتراوح بين حكومة ائتلاف، وحكومة يمين، أو حكومة تجمع في داخلها الحد الأقصى من القوى السياسية، هذا من دون استبعاد الفشل في تشكيل الحكومة، والعودة مجدداً إلى لعبة الانتخابات.
في مطلق الأحوال، ثمة إجماع على أن التسوية هي الضحية الأولى، خصوصاً، وعلى الأقل، هذا العام، لا سيما، في حال نجاح نتنياهو في تشكيل الحكومة.
ثمة تبدل أساسي في الأولويات الإسرائيلية لمصلحة حضور إيران كتهديد استراتيجي وجودي على حساب التهديدات الأخرى، وفي طليعتها التسوية على المسار الفلسطيني،  التي يريد نتنياهو تحويلها إلى مجرد قضية اقتصادية فقط، وفارغة بالتالي، من أي مضمون سياسي ـ وطني.
ثانياً: فلسطينياً، لا تبدو الأمور في أحسن أحوالها، فالسلطة منقسمة وموزعة وضعيفة بكل المعاني، هذا إضافة إلى فقدان رئيسها للشرعية الفعلية بعد استمراره في منصبه بقوة الأمر الواقع، الانتخابات التشريعية والرئاسية تبدو ممراً إلزامياً إلى إعادة بناء مكوّنات السلطة الفلسطينية الشرعية التي بدونها لا يستطيع أحد التسليم بوجود مرجعية سياسية رسمية للتفاوض معها، إلا أن دون هذه الانتخابات عواقب كبيرة تبدأ بالمصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، وتمر بالتفاهم حول كيفية عكس توازنات القوة في بناء مكوّنات السلطة.
باختصار لا يبدو الصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني سهلاً، لا سيما في ظل من يريد تحويل المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية إلى حصان طروادة لإعادة إنتاج السلطة الحالية، لا إلى إعادة عكس القرار الشعبي الفلسطيني في مكوّنات السلطة وبناها الرئيسية، وهنا الصراع لا يزال في بداياته ومحكوم للعبة تجاذب ليست بالسهلة.
ثالثاً: عربياً، تحرك مسار المصالحة السعودية ـ السورية في الوقت الذي بقيت فيه عجلة هذا القطار متوقفة على سكة المسار السوري ـ المصري.
فضاء المصالحة السعودية ـ السورية يتسع لما هو أكثر من تسوية العلاقة البينية الخاصة إلى الكثير من الملفات السياسية الشائكة: الملف الفلسطيني وملف التسوية، الملف اللبناني، ملف العلاقات السورية ـ الإيرانية.. الخ.
ان تسوية هذه الملفات تحتاج إلى حلبة تفاوض معقدة، لأن الأثمان المتوجب تبادلها ليست في جيب الطرفين، وهي تتجاوزهما إلى أطراف اقليمية ودولية معروفة.
رابعاً: سجل مؤخراً جملة من الرسائل المتضادة في مضمونها، وإن كان يمكن أن تتكامل في صورتها الأخيرة: مسألة السفينة الإيرانية المتوجهة إلى سوريا، تحريك الملف النووي إذا جاز التعبير في وجه سوريا، إرسال رسائل من النوع نفسه باتجاه إيران، عودة الكلام عن مسؤولية سوريا في اغتيال الرئيس الحريري وعلى نحو متزامن مع الاعلان عن انطلاق عمل المحكمة الدولية.
خامساً: توزع الساحة اللبنانية على العناوين السياسية والأمنية في ظل مناخ من التجاذب بين من يشد نحو التهدئة ويحرص عليها ومن يعمل على التوتير.
كل ما تقدم يشير إلى:
أولاً: إننا لا نزال في مرحلة انتقالية.
ثانياً: إننا لا نزال في مرحلة فحص النوايا والامكانيات والاستعدادات لدى كل طرف.
ثالثاً: إننا لا نزال في مرحلة تجميع الأوراق والتلويح بها.
رابعاً: إننا لا نزال في مرحلة تقطيع وقت لتبلور عدد من الاستحقاقات المهمة في المنطقة: المصالحة والانتخابات الفلسطينية، صورة الحكومة الإسرائيلية، الانتخابات في لبنان، الانتخابات الرئاسية في ايران.
فهذه الاستحقاقات من شأنها أن تبلور معالم التوازنات النهائية.
من هنا، فإن الأشهر القادمة ستشهد لعبة مفتوحة على كل الصعد، وكجزء لا يتجزأ من تحضير المنطقة للعبة التفاوض الكبرى، أو لمواكبتها، وهذا من شأنه أن يرفع من مستوى الهواجس إلا إذا افترضنا أن هناك إمكاناً لتفاهمات جزئية مفصولة، أو أن هناك قدرة لدى الأطراف المحليين على تحييد أنفسهم وبلدانهم من مخاطر الصفقات الكبرى، وهذا أمر بين مشكوك به إلى حد كبير.
الانتقاد/ العدد 1335 ـ 27 شباط/ فبراير 2009
2009-02-27