ارشيف من :أخبار لبنانية
هل ان تلزيم القضاء اللبناني للعدالة الدولية ينسجم حقيقة مع شعارات الحرية والسيادة والاستقلال ؟
كتب علي عوباني
يهلل البعض اليوم لانطلاق عمل المحكمة الدولية فيسارع للقول تعليقا على الانطلاقة الرسمية للمحكمة بأن "المجتمع الدولي بدأ اخيرا يدرك انه يجب تطبيق العدالة في لبنان" ، ولسنا ندري هنا اذا كان هذا البعض يفقه حقيقة ما يهلل له وهل يدري انه يتنازل عن علم او غير علم عن سلطة سيادية اساسية من سلطات الدولة لا تقل شأنا عن السلطة التنفيذية او التشريعية ، ثم اذا كان من حق هذا البعض خصوصا ان ينادي بكشف الحقيقة وهو ما ينادي به اللبنانيين عموما ، فان السؤال الاساسي هو هل ان الممر الدولي الزامي لتحقيق هذا الهدف ؟ ثم هل ان تلزيم القضاء اللبناني للعدالة الدولية ينسجم حقيقة مع شعارات الحرية والسيادة والاستقلال ؟
وفي هذا السياق واذا كان لا بد من ممر دولي للعدالة ، ألم يكن من الأجدر ان تقف الامور عند هذا الحد أي حد معرفة الحقيقة بعينها ، ولا شك انه لو جرى ذلك للاقت حينها المحكمة اجماعا وطنيا لا نظير له لان احدا لم يك ليجرؤ حينذاك على الوقوف بوجهها للدفاع عن مجرم بحق الوطن وأبنائه ، ولان العقاب حينذاك مصير محتوم لاي مرتكب مهما علا شأنه او مكانه ، الا ان رياح فريق الرابع عشر من اذار جرت بما لا تشتهي سفن الوطن حيث غالى هذا الفريق ولا زال يغالي حتى اليوم بطروحاته حول المحكمة ويحرفها بعيدا عن اهدافها الحقيقية ، حتى نكاد لا نجد لهذا الفريق أي برنامج اصلاحي انمائي اقتصادي معيشي يعتد به للمراحل القادمة او لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية النيابية المقبلة ، والسؤال هنا اذا كان موضوع المحكمة الدولية اصبح في لاهاي ، لماذا يستمر هذا الفريق في خوض معاركها ثم اليس الاجدر به ان يدع المحكمة تقوم باعمالها بدل ان يجعلها شغله الشاغل وان ينصرف للنظر بحال الناس رأفة بها وبالوطن ، أم ان الناس ستبقى تئن بأثقالها ما بين الاستحقاق والآخر فيما لا يوجه هذا البعض نظره إليها الا مرة واحدة كل اربع سنوات .
ولسنا ندري هنا إذا كان هذا البعض يدري انه يوظف المحكمة الدولية في زواريب السياسة اللبنانية واستحقاقاتها من حيث يدري أو لا يدري والا فما سر التسريبات الصحفية حول المحكمة والروايات والأكاذيب الملفقة والسيناريوهات المفبركة التي تنشر هنا وهناك ، ثم كيف يمكن لنا ان نفهم عبارة يطلقها احد قادة الموالاة تعليقا على الافتتاح الرسمي للمحكمة ويقول فيها :" ان الطريقة الوحيدة لحماية ديمقراطيتنا هي الايمان بهذه المحكمة "، وهل ثمة ربط لهذه المحكمة بالاستحقاق الانتخابي القادم الذي هو عملية ديمقراطية بنهاية المطاف ؟ ، ام ثمة تلويح وتهديد بها واستخدامها كفزاعة للانتخابات القادمة ؟ . ثم ما هو المقصود بقول هذا البعض :" حاربنا كثيرا من اجل المحكمة وسنكون آخر من يعترض على أي خطوة تريدها المحكمة ", وهل نشتم من هذا الامر رائحة دعوة مطلقة ومفتوحة للقضاء الدولي للتدخل في كل ما هو لبناني دون اية حدود يقف عندها...؟ ثم هل يضمن الساعون وراء العدالة الدولية عدم استغلال المجتمع الدولي لهذه المحكمة لاغراض بعيدة كل البعد عن اهدافها ؟
اسئلة كثيرة تطرحها طريقة التعاطي مع المحكمة الدولية من قبل فريق الموالاة ، الا ان الاجابة عنها تبقى ولا شك برسم هذا الفريق ، رغم اننا لسنا ندري اذا كان هذا البعض يدري او لا يدري ان خصخصة القضاء اللبناني لجهة دولية سوف توهن ميزان العدل في لبنان وترهنه وتسحب الثقة منه وتشكك بكيله بمكاييل غير متوازنة مع مبادئ الانصاف والعدالة جراء اتهامه بالرضوخ للضغوطات السياسية ، وهو ما بدأ يتردد صداه اليوم مع اصرار القضاء على رفض طلبات تخلية الضباط الاربعة بالرغم من كل الاشارات التي يطلقها مدعي عام المحكمة الدولية دانيال بلمار حيالهم ، موضحا بان صلاحية النظر باوضاعهم تعود للقضاء اللبناني الى حين تقديم طلب نقلهم الى لاهاي ، فضلا عن اشارته الى ان المحكمة الدولية ستستلم الضباط كاشخاص موقوفين وليس كشهود او متهمين .
وفي سياق ذلك يطرح السؤال اليوم الم يكن من الاجدر بهذا البعض في لبنان ان يكف يده عن القضاء المحلي ويمده بالدعم الكافي ليقول كلمة الفصل ويحق الحق ، بدلا من ان يرهن مؤسسات الدولة واحدة تلو الأخرى للمجتمع الدولي ، وبدل التصفيق في كل مرة لكل ما هو دولي ، ثم اليس الاهم هو ان تدرك الطبقة السياسية اللبنانية ضرورة وجود جهاز قضائي فاعل يلاحق ويحاسب ويحاكم كل مفسد وظالم فضلا عن ضرورة ان يأخذ القضاء اللبناني دوره كاملا دون ان تكف يده وان يعطل بجعله رهينة محاصصات وضغوطات سياسية خصوصا وانه اذا فسد القضاء فسد كل شيء ، ثم لما هذا التهليل لكل ما هو دولي والاستهتار بالطاقات والقدرات الكامنة في قضائنا اللبناني والتشكيك الدائم بالعدالة اللبنانية ، وترى كيف سيتقاضى اللبنانيون بعد اليوم امام المحاكم اللبنانية وهم يرون ان القادة السياسيين انفسهم يشككون به من خلال ركضهم وراء القضاء الدولي ولجوئهم اليه للحصول على الحقيقة ... وهل سيكون القضاء اللبناني الضحية الاخيرة للتدويل المستمر منذ ثلاث سنوات ونصف ..