ارشيف من :أخبار عالمية

النص الكامل لكلمة سماحة الإمام آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي في المؤتمر الرابع لدعم فلسطين

النص الكامل لكلمة سماحة الإمام آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي في المؤتمر الرابع لدعم فلسطين
ألقى قائد الثورة الاسلامية سماحة الإمام آية الله العظمى السيد علي الحسيني الخامنئي كلمة في المؤتمر الدولي الرابع للدفاع عن فلسطين و الذي يحمل اسم " فلسطين رمز المقاومة, غزة ضحية الإجرام" الذي افتتح اليوم بطهران, هذا نصها:   
بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بالضيوف الكرام و حضرات العلماء و المفكرين و السياسيين و المجاهدين المشاركين في المؤتمر الرابع للدفاع عن فلسطين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. إن الفترة الزمنية الواقعة بين هذا المؤتمر و المؤتمر السابق الذي انعقد في طهران من 15 حتى 17 شهر ربيع الأول لعام 1427 هـ ، قد شهدت أحداثا هامة و مصيرية تجعل آفاق مستقبل القضية الفلسطينية أكثر وضوحا، كما تلقي مزيدا من الأضواء على مسؤولياتنا تجاه هذه القضية التي لاتزال تمثل القضية الرئيسية بالنسبة للعالم الإسلامي.
وتأتي ضمن هذه الأحداث المهمة، الهزيمة النكراء التي منيت بها إسرائيل عسكريا و سياسيا أمام المقاومة الإسلامية خلال حربها ضد لبنان عام 1427 هـ ، والتي استمرت 33 يوما، ثم الفشل المخزي الذي باء به الكيان الصهيوني خلال حربه الإجرامية التي شنها لمدة 22يوما ضد الشعب الفلسطيني والحكومة الفلسطينية الشرعية في غزة. فإن هذا الكيان الغاصب الذي كان قد ظهر طيلة عقود عدة كوجه رهيب و كقوة لا تقهر و ذلك بالاعتماد على ما لديه من جيش و سلاح و بفعل الدعم الأمريكي السياسي والعسكري، نجده قد انهزم مرتين أمام قوى المقاومة التي كانت تقاتل بالاعتماد على الله و الاستناد إلى جماهير الشعب قبل اعتمادها على السلاح و العتاد. و رغم التمارين و التحضيرات العسكرية و الاستعانة بالأجهزة الاستخباراتية الضخمة و الدعم السخي المتواصل من قبل أمريكا و بعض الدول الغربية ومعاونة بعض المنافقين في العالم الإسلامي، ... رغم كل ذلك ، فقد كشف الكيان الصهيوني عن واقع انهياره و عن المنحدر الحادّ الذي بات يتدحرج منه إلى الهاوية، كما أثبت عجزه أمام تيار الصحوة الإسلامية الجارف.
من جهة أخرى، فإن الجرائم التي ارتكبها الصهاينة المجرمون خلال حادث غزة التاريخي ـ متمثلة في قتل المدنيين علي نطاق واسع، وهدم البيوت العزلاء، وشق صدور الأطفال الرّضّع، و قصف المدارس و المساجد، واستخدام القنابل الفوسفورية وبعض الأسلحة المحرمة الأخرى، و سد طرق وصول الغذاء و الدواء و الوقود و سائر ما يحتاجه الناس لمدة سنتين تقريبا، و كثير من الجرائم الأخرى ـ ... كل تلك الجرائم قد أثبتت أن غريزة الهمجية والإجرام لدي قادة الدولة الصهيونية المزيفة لم تتغير عما كانت عليه خلال العقود الأولى لمأساة فلسطين، وإن نفس السياسة ونفس الطبيعة الهمجية و القسوة التي أوجدت مآسي ديرياسين و صبرا و شاتيلا، لاتزال تحكم بعينها الأذهان و النفوس المظلمة لهؤلاء الطواغيت .
و لاشك أن الاستعانة بالتطور التقني المعاصر قد وسع من نطاق الإجرام و جعله أكثر مأساوية بدرجات.
سواء أولئك الذين كانوا قد توهموا أن الكيان الصهيوني قوة لاتُقهر فرفعوا شعار « الواقعية» و مدّوا يد المساومة و الاستسلام للغاصبين، أو أولئك الذين اعتبروا ـ حسب أوهامهم الباطلة ـ أن الجيل الثاني و الثالث من الساسة الصهاينة براء من جرائم الجيل الأول فعلقوا الآمال على إمكانية التعايش معهم بسلام ، ... ينبغي لهؤلاء جميعا أن يكونوا قد انتبهوا اليوم إلى خطئهم في التقدير.
فإنه أولا: على ضوء موجة صحوة الأمة الإسلامية و تنامي شجرة المقاومة الإسلامية سقطت تلك الهيبة الزائفة و ظهرت مؤشرات العجز و الشلل في الكيان الغاصب.
وثانيا: يُلاحظ أن طبيعة العدوان و عدم الخجل من الإجرام لدي قادة هذا الكيان هي هي كما كانت لديهم خلال العقود الأولي. فإنهم لايتورعون عن ارتكاب أي جريمة كلما وجدوا ـ أو ظنّوا ـ أنفسهم قادرين عليها .
لقد مرّ اليوم ستون عاما علي احتلال فلسطين. و طوال هذه المدة ، وُضعت جميع مستلزمات القوة المادية في خدمة المحتلين، ابتداء من المال و السلاح و التقنية، إلى المساعي السياسية و الدبلوماسية ، إلى شبكة الإمبراطورية الخبرية و الإعلامية الواسعة النطاق. وعلى الرغم من هذه الجهود الشيطانية الهائلة و المحيرة، لم يتمكن الغاصبون و لا حماتهم من حل مشكلة مشروعية الكيان الصهيوني، ليس هذا فحسب، و إنما ازدادت هذه المشكلة تعقيدا و صعوبة عليهم مع مرور الوقت. و مما يدل على هذا التزعزع و التعقيد في موقفهم هو أن الأجهزة الإعلامية الغربية و الصهيونية و الحكومات الداعمة للصهيونية لاتتحمل مجرد طرح سؤال أو إجراء بحث و دراسة حول الهولوكوست الذي اُتُخذ ذريعة لاغتصاب فلسطين . فقد أصبح الكيان الصهيوني اليوم أمام الرأي العام العالمي في حالة هي أسوأ من أي وقت مضي في تأريخه الأسود. كما أصبح التساؤل عن مبرر وجوده أكثر جدية من أي وقت. إن موجة الاحتجاج العالمية العفوية التي انطلقت ضد هذا الكيان بشكل لم يسبق له مثيل و التي اجتاحت العالم من شرق آسيا إلى أمريكا اللاتينية، و المظاهرات الجماهيرية التي قامت في 120 بلد من بلدان العالم بما في ذلك البلدان الأوروبية التي هي المنبت الرئيسي لهذه الشجرة الخبيثة، و ذلك سواء للدفاع عن المقاومة الإسلامية في غزة أو عن المقاومة الإسلامية اللبنانية خلال حرب الـ 33 يوما ، ... كل ذلك إن دل علي شيء فإنما يدل على ظهور مقاومة عالمية ضد الصهيونية بما لم يسبق له مثيل بهذا المستوي من الجدية و الشمولية طوال الأعوام الستين الماضية. فيمكن القول إذن بأن المقاومة الإسلامية في لبنان و فلسطين قد نجحت في إيقاظ الضمير العالمي.
و إن هذا لدرسٌ كبير لأعداء الأمة الإسلامية الذين حاولوا أن يصطنعوا دولة و أمة مزيفتين بفعل القمع و الكبت، و أن يحولوا ذلك إلي واقع لايمكن إنكاره، ثم يعملوا علي تطبيع مثل هذا الظلم المفروض علي العالم الإسلامي؛ كما أنه درس كبير للأمة الإسلامية و بخاصة الشباب الغياري و الضمائر الحية فيها، ليعلموا أن الجهاد في سبيل استعادة الحق المسلوب لن يذهب هباءً ، و أن وعد الله حق إذ يقول : « أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا و إن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربّنا الله و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز». و يقول تعالى: «إن الله لايخلف الميعاد» و قال عز و جلّ: «و لن يخلف الله وعده» و يقول: «وعد اللهِ لا يخلف الله وعده و لكنّ أكثر الناس لا يعلمون» و يقول عز من قائل: «فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام». وأي وعد يكون أكثر صراحة من هذا الوعد الإلهي حيث يقول: «وعد الله الذين آمنوا منكم و عملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم و ليبدّلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون بي شيئا و من كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون».
هناك مغالطة كبيرة قد انتابت أذهان بعض المعنيين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية و هي أن دولة باسم "إسرائيل" تمثل واقعا مضى على عمره ستون عاما، فيجب التصالح و التعايش معه. و أنا لا أدري لماذا لا يتلقى هؤلاء الدرس من سائر الوقائع الماثلة أمام أعينهم؟ ألم تستعد دول البلقان و القوقاز و جنوب غرب آسيا هويتها الأصلية مرة أخرى رغم أنها عاشت ثمانين عاما في غياب الهوية بعد التحول إلى أجزاء من الاتحاد السوفيتي السابق؟ فلماذا لا تستطيع فلسطين ـ و هي بضعة من جسد العالم الإسلامي ـ أن تستعيد هويتها الإسلامية والعربية مرة أخرى؟ و لماذا لا يستطيع شباب فلسطين ـ وهم من أكثر شباب الأمة العربية ذكاء و صمودا ـ أن يُغلّبوا إرادتهم على هذا الواقع الظالم؟
و هناك مغالطة أخرى أكبـر من المغالطة الأولى، و هي أن يقال بأن الطريق الوحيد لإنقاذ الشعب الفلسطيني هو إجراء المباحثات! مع من يا تري تكون المباحثات؟ أتكون المباحثات مع الكيان الغاصب المتعسف الضالّ الذي لايؤمن بأي مبدأ سوى مبدأ القوة ؟
ماذا جنى أولئك الذين علقوا الأمل على هذه الألعوبة و الخديعة؟
أولا : ما أخذه هؤلاء من الصهاينة باعتباره حكما ذاتيا ـ بغض النظر عن طبيعته المخزية و المهينة ـ قد كلفهم ثمنا باهظا و هو الاعتراف بملكية الكيان الغاصب لكل أرجاء فلسطين تقريبا.
ثانيا : إن تلك السلطة الناقصة الزائفة نفسها ظلت تُنتهَك و تُداس تحت أقدام الصهاينة مرات و مرات. فإن محاصرة ياسر عرفات في مبنى إدارته في رام الله مع أنواع ممارسات التحقير و الإذلال ليست من الأحداث التي تمحى من الذاكرة.
ثالثا: كان تعامل الصهاينة مع مسؤولي السلطة الفلسطينية ـ سواء في عهد عرفات أو بعده ـ على شكل التعامل مع رؤساء مراكز شرطتهم ممن يتمثل واجبهم في مطاردة و اعتقال المجاهدين الفلسطينيين و تطويقهم استخباراتيا و أمنيا. فكان أن زرعوا بذور العداء بين الفصائل الفلسطينية و حرّضوهم ضد بعضهم.
رابعا: و حتى ذلك القدر الضئيل من الإنجاز لم يتحقق إلا بفضل جهاد المجاهدين و مقاومة الغيارى من الرجال و النساء الرافضين للاستسلام. فلولا موجات الانتفاضة لما أعطى الصهاينة للقادة الفلسطينيين التقليديين حتى هذا الشيء الضئيل رغم التنازلات المتواصلة التي قدمها هؤلاء للجانب الصهيوني.
هل تكون المباحثات مع أمريكا وبريطانيا اللتين ارتكبتا الذنب الأكبر من خلال إيجادهما هذه الغدة السرطانية و دعمهما لها؟ واللتين تمثلان طرفا في الدعوى قبل أن تكونا الوسيط فيها؟ فلم تتوقف الإدارة الأمريكية يوما عن دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني أو حتى لجرائمه السافرة من قبيل ما ارتكبه في غزة مؤخرا. بل إن الرئيس الأمريكي الجديد الذي جاء إلى سدة الرئاسة رافعا شعار التغيير في سياسات إدارة بوش، نراه يتكلم عن التزامه ـ بلا قيد أو شرط ـ بحماية أمن إسرائيل، أي دفاعه عن إرهاب الدولة و عن الظلم و التعسف، و عن مجازر راح ضحيتها مئات من الرجال و النساء و الأطفال الفلسطينيين خلال 22 يوما. هذا يعني نفس الطريق الخاطئ المسلوك في عهد بوش بالضبط.
كما أن إجراء المباحثات مع الأوساط التابعة للأمم المتحدة هو أيضا توجه عقيم آخر. فقلـّما نجد حالة قد تعرضت الأمم المتحدة فيها لاختبار فاضح مثل تعرضها للاختبار في قضية فلسطين. لقد سارع مجلس الأمن بالأمس إلى الاعتراف رسميا باحتلال فلسطين من قبل الجماعات الإرهابية الفاتكة و قام بدور أساس في تكريس هذا الظلم التاريخي و استمراره. ثم طفق يلتزم صمتا ينم عن الرضا أمام ما ارتكبه الكيان الصهيوني طوال عدة عقود من عمليات إبادة جماعية و تشريد و جرائم حربية و غيرها من أنواع الجرائم. بل إنه لما أعلنت الجمعية العامة عنصرية الصهيونية لم يواكبها مجلس الأمن. ليس هذا فحسب و إنما ابتعد عن موقف الجمعية العامة عمليا بمقدار 180 درجة. إن الدول الجبارة في العالم و المتمتعة بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن تستخدم هذا المحفل العالمي كأداة لها. و نتيجة لذلك ، فإن هذا المجلس لايساعد على تعزيز الأمن في العالم ، بل يسارع لمساعدة تلك الدول الجبارة كلما يراد أن تكون مواضيع كحقوق الإنسان أو الديمقراطية و ما إلى ذلك وسيلة لفرض مزيد من هيمنة تلك الدول، فيسدل على أعمالها اللاشرعية ستارا من الخداع و الدجل.
إن إنقاذ فلسطين لن يتحقق من خلال الاستجداء من الأمم المتحدة أو القوى المسيطرة و لا من الكيان الغاصب البتة. إنما السبيل إلى الإنقاذ هو الصمود و المقاومة و ذلك من خلال توحيد كلمة الفلسطينيين و بالاستعانة بكلمة التوحيد التي تشكل رصيدا لاينضب للحركة الجهادية.
إن ركيزتي هذه المقاومة عبارة عن المجموعات الفلسطينية المجاهدة و أبناء الشعب الفلسطيني المؤمن المقاوم في داخل فلسطين و خارجها من جهة، و الحكومات و الشعوب الإسلامية في أرجاء المعمورة ـ سيما علماء الدين و المثقفون و النخب السياسية و الجامعيون ـ من جهة أخرى. فإذا استقرت هاتان الركيزتان في مكانهما، فلاشك أن الضمائر الحية و القلوب و العقول التي لم تنطلِ عليها الأحابيل الدعائية للإمبراطورية الإعلامية الاستكبارية ـ الصهيونية، ستسارع إلى مناصرة أصحاب الحق و المظلومين في أي مكان من العالم كانوا، و ستجعل الأجهزة الاستكبارية أمام عاصفة هوجاء من الفكر و الإحساس و العمل.
إننا شاهدنا وجها من هذه الحقيقة خلال الأيام الأخيرة من المقاومة الباسلة في غزة. فدموع مدير منظمة خدماتية دولية ينتمي للعالم الغربي أمام كاميرات الإعلاميين، أو التصريحات المتعاطفة التي جرت على ألسن الناشطين في المنظمات الإنسانية، أو المظاهرات الضخمة المخلصة الجماهيرية في وسط العواصم الأوروبية و المدن الأمريكية، او الخطوة الشجاعة التي اتخذها بعض رؤساء دول أمريكا اللاتينية ... كل ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن قوى الشر و الفساد ـ التي سمّيت في القرآن بالشياطين ـ لم تهيمن بعد على كل عالَم غيرالمسلمين بالكامل، و أن الساحة مازالت مفتوحة لجولات الحقيقة.
نعم، إن عامل المقاومة و الصبر لدى المجاهدين الفلسطينيين ومواطنيهم، ودعم جميع الأقطار الإسلامية لهم بوجه شامل سيستطيع كسر هذا الطلسم الشيطاني المتمثل في اغتصاب فلسطين. وإن الطاقة الهائلة التي تمتلكها الأمة الإسلامية من شأنها أن تحل مشاكل العالم الإسلامي بما في ذلك مشكلة فلسطين المتفاقمة و التي تتطلب معالجة سريعة.
وها هو كلامي الموجه إليكم أيها الإخوة و الأخوات المسلمون في كل أرجاء المعمورة كما إلى جميع الضمائر الحية من كل بلد أو شعب كانوا : اشحذوا الهِمم و اكسروا طلسم حصانة المجرمين الصهاينة. اعملوا على محاكمة كل من لعب دورا في مأساة غزة من القادة السياسيين و العسكريين في الكيان الصهيوني الغاصب، ومعاقبتهم وفق ما يحكم به العقل و العدالة. إنها الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها. لابد من محاكمة القادة السياسيين و العسكريين في الكيان الغاصب. فعندما يعاقَب المجرم فإن طريق الإجرام سيصبح وعرا و شائكا لمن لديه دافع ارتكاب الجريمة و يعاني من جنون الإجرام. إن ترك مرتكبي الجرائم الكبرى و إطلاق أيديهم يشكل بدوره عاملا مشجعا لارتكاب جرائم أخرى. فلو أن الأمة الإسلامية ـ بعد حرب الـ 33 يوما في لبنان و ما انطوت عليه من مآسٍ مروعة ـ طالبت مطالبة جادة بمعاقبة الصهاينة المتسببين في تلك المآسي، لو تمت متابعة هذه المطالبة العادلة كذلك بعد ارتكاب المجازر الدامية في قوافل الاعراس بأفغانستان، أو بعد ممارسات الجنود الأمريكان المفضوحة في أبوغريب، ... لما كنا اليوم أمام مشهد كربلاء في غزة. إننا بصفتنا الحكومات و الشعوب المسلمة لم نقم في تلك الأحداث و القضايا بالواجب الذي يحكم به القانون و العقل و العدالة. و نتيجة ذلك الموقف ما نشهده اليوم عيانا.
و مما يدعو للأسف العميق أن بعض الحكومات و الساسة في العالم يقفون بعيدين كل البعد عن المقولات الأخلاقية و عما يحكم به الضمير الإنساني. حيث أن مجزرةً في غزة تكون حصيلتها خلال 22 يوما، أكثر من 1350 قتيلا و حوالي 5500 جريح من المواطنين العزّل ـ و بينهم عدد كبير من الأطفال ـ لا تثير أي حساسية لدى هؤلاء. و إن القتلة و المجرمين لايعاقبون على جرائمهم، بل يُمنَحون مكافآت. كما أن أمن هذا الكيان الدموي يُعتبر أمرا مقدسا يجب الدفاع عنه بأي حال، و أن الطرف المظلوم هو الذي يُتّهم و يدان سواء أكان هذا الطرف المظلوم حكومة جاءت إلى الحكم بواسطة أصوات الشعب الحاسمة أو كان أولئك المواطنين الذين جاؤوا بها بأصواتهم. هذا هو موقف محكمة السياسة التي لاتمتّ بصلة إلى الأخلاق و الضمير و الفضيلة، و لا يمكن لها أن تنسجم مع هذه القيم. و عندما تواجه هذه الحكومات الكراهية العميقة التي يحملها الرأي العام تجاهها، تلجأ مرة أخرى إلى اللعبة السياسية دون أن تكترث بالسبب الواضح لذلك. ثم يستمر هذا الدور الباطل دون أن يتوقف.
أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء في أرجاء العالم الإسلامي! لنتلقّ الدرس من التجارب.
إن أمتنا العظيمة تمتلك اليوم قوة هائلة ببركة الصحوة الإسلامية. و إن مفتاح حل المشاكل العديدة التي تعاني منها الدول الإسلامية بيد هِمَم هذه المجموعة المدهشة، و إن القضية الفلسطينية أهم قضية ملحّة في العالم الإسلامي.
يُسمع في بعض الأحيان أن هناك من يقول: إن قضية فلسطين هي قضية عربية . ماذا يعني هذا الكلام ياتري؟ فإذا كان المقصود منه أن لدي العرب شعورا أقوي بصلة القرابة و إنهم يريدون أن يقدموا خدمة أوفَي و يبذلوا مزيدا من الجهود، فهذا شيء محمود و نحن نباركهم عليه. لكن إذا كان المقصود من هذا الكلام أن لايكترث قادة بعض الدول العربية بصرخة «يا للمسلمين» المنطلقة من حناجر الفلسطينيين، و أن يتعاونوا مع العدو الغاصب الغاشم في حادث خطير مثل مأساة غزة و يطلقوا صرخة الاحتجاج علي الآخرين الذين يناصرون أهل غزة بسبب أن الشعور بالواجب لايسمح لهم أن يبقوا متفرجين، ففي هذه الحالة لا يقبل بذلك الكلام أي غيور يملك ضميرا حيا ـ مسلما كان أو عربيا ـ و لا يُعفي قائله من اللوم و الشجب. إنه منطق « أخزم » بعينه. إذ كان يضرب أباه و كلما أراد أحد أن يتوسط صرخ بوجهه محتجا، ثم تبعه ابنه فأشبع جده ضربا. فأصبح ذلك مثلا لدي العرب كما ورد في البيت التالي : إن بنيّ رمّلوني بدمي شنشنة أعرفها من أخزم
أيها الحضور الكرام ، إنكم قد شاركتم في هذا المؤتمر بصفتكم أصحاب رأي و خبرة في القضية الفلسطينية. و ليس من واجبنا التاريخي ـ اليوم ـ أن نقوم بتكرار المقولات و النظريات العقيمة الماضية. و إنما علينا أن نبحث عن طريقة تؤدي إلى تحرير فلسطين من نير ظلم الكيان الصهيوني. إن ما نقترحه هو طريقة متطابقة تماما مع مبدأ حكم الشعب وهو مبدأ يمكن أن يكون منطقا مشتركا بين كل أنواع التفكير في العالم. و هذا الاقتراح هو أن يشارك جميع أصحاب الحق في أرض فلسطين ـ من المسلمين و المسيحيين و اليهود ـ في اختيار نوع نظامهم المنشود، و ذلك من خلال استفتاء شعبي عام، على أن يشارك في ذلك الاستفتاء جميع الفلسطينيين الذين تحملوا عناء التشرد طوال سنين .
على العالم الغربي أن يعلم بأن رفضه لهذا الحل يبرهن على عدم التزامه بالديمقراطية التي يتبجح بها دوما، و أن ذلك سيكون اختبارا أخر لفضح أمره وكشف وجهه الحقيقي. كما أنه سبق أن تعرض لاختبار آخر في الساحة الفلسطينية عندما رفض الاعتراف بنتيجة الانتخابات في الضفة الغربية و قطاع غزة والتي جاءت بحكومة حماس إلى السلطة. إن الذين لا يقبلون بالديمقراطية إلا إذا كانت نتائجها متفقة مع مايريدون، هم طلاب الحرب و المغامرة. و إذا تحدثوا عن السلام فليس ذلك إلا كذبا و خداعا.
إن موضوع إعادة بناء غزة هو من أهم القضايا الملحة بالنسبة لفلسطين في الوقت الحاضر. و إن حكومة حماس المنتخبة من قبل الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين، و التي تشكل ملحمة مقاومتها في إفشال مخطط الكيان الصهيوني أكبر نقطة مشرقة خلال فترة المائة عام الأخيرة من تأريخ فلسطين، يجب أن تكون هي القاعدة و المركز لجميع الأنشطة الخاصة بعملية إعادة البناء. و إنه من الجدير أن يقوم الإخوة المصريون بفتح الطرق لوصول المساعدات و التبرعات و أن يسمحوا بأن تقوم الدول و الشعوب المسلمة بواجبها في هذا الشأن.
و في الختام، أود أن أذكر بالتكريم و الإجلال ، شهداء حرب الـ 22 يوما، الذين حولوا غزة ـ ببركة دمائهم ـ إلى معزة للإسلام و العرب؛ سائلا لهم من المولي الرحمة و الغفران. تحية لجميع شهداء فلسطين و لبنان و العراق و أفغانستان و جميع شهداء الإسلام ، و تحية لروح الإمام الراحل العظيم الطاهرة.
أسأل الله تعالى العز و الرفعة للإسلام و المسلمين ، و المزيد من التقارب و التلاحم بين الشعوب المسلمة، و اليقظة المتنامية للعالم الإسلامي.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
2009-03-04