ارشيف من :آراء وتحليلات

نقطة حبر: دهشة الوجود

نقطة حبر: دهشة الوجود
كتب حسن نعيم
هل يحتاج البناء الروحي عند الانسان إلى ما هو أكثر من نظرتين حقيقيتين: واحدة يلقيها إلى هذا الكون البديع الذي خلقه الله فأحسن خلقه وتدبيره, وأخرى إلى ـ صنيعه الآخر ـ النفس البشرية بعجائبها ودهاليزها وقُطَبها الواضحة منها والمخفية.
عن النظرة الأولى يتحدث الروائي "شتاينبك" فيرى أن الإنسان  لا يشكّل على خارطة الوجود سوى ذرة لا يمكن أن ترى بأحدث المكبّرات العصرية. طبعاً شتاينباك لم يكتشف البارود في ما ذهب إليه. لكن أهمية كلمته تلك أنه كان يحس بها. ثمة فوارق شاسعة بين كلمة نقولها وأخرى نحس بها. الإمام الخميني (قدس الله نفسه الزكية) فرّق بين المعرفة العقلية والمعرفة القلبية. أما الأديب يحيى حقي (1905 ـ 1992) فكان يقول: " لا إبداع إلاّ إذا تلقى الفنان كل ما في الوجود حوله بدهشة".
يبدو أنها نعمة حقيقية أن يرى الانسان ما حوله بدهشة. دهشة الطفل وهو يتلقى الصور الأولى. أن يرى الثلج لأول مرة, أن يسمع الرعد لأول مرة ويخاف من صوته, أن يسمع صوتاً بعيداً يشدو بألوان الطبيعة الغنّاء أول مرة. إنها الدهشة التي تحدّث عنها ذات يوم كازانتزاكيس في رائعته "زوربا" الذي كان ينتظر كل يوم وبفارغ  الصبر طلوع الشمس ليستمتع برؤية الشروق كأن هذه الشمس لا تشرق إلاّ من أجله.
عودة إلى نبع الإعجاز، إلى القرآن الكريم، ألم يقل الخالق العظيم: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق".
الانتقاد/ العدد 1336 ـ 6 آذار/ مارس 2009
2009-03-06