ارشيف من :آراء وتحليلات

باختصار: محكمة عوراء

باختصار: محكمة عوراء
كتب محمد يونس
من يستمع إلى المؤتمر الصحافي الذي عقدته المحكمة الجنائية الدولية في معرض تبريرها لإصدارها مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير تأخذه نشوة العدالة التي تراقب وتحاسب وتحاكم، لكنه ما يلبث أن يعود إلى الواقع المغاير تماما وقبل أن ينتهي المؤتمر الصحافي.
فهذه المحكمة التي قررت محاكمة رئيس جمهورية ذات سيادة واستقلال لأنه قرر محاربة تمرد قام على الدولة ونظامها مدعوما من جهات نافذة على المحكمة نفسها وعلى المؤسسة التي تحويها، لم تنبس ببنت شفة حين تعلق الأمر بهذه الجهات النافذة التي فاق ما ارتكبته في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان وعدد غير قليل من الدول الأخرى كل حد ومعقول.
لم تأت بحركة مع أن الفارق كبير، ففي السودان دولة تدافع عن نفسها ومواطنيها بوجه حركات متمردة تسعى إلى زعزعة النظام وتهديد أمن المدنيين، أما في العراق وأفغانستان وغيرهما فهناك دولة وأكثر احتلت دولة أخرى وقضت على كل معالم الدولة والنظام فيها، ودمرت بناها التحتية ونهبت ثرواتها وعاثت فسادا في مقدراتها.
نعم الفارق كبير، في الأولى دولة من العالم الثالث ما زالت تكافح للخروج من تداعيات الاستعمار الغابر وتقاوم لعدم الوقوع في الاستعمار الداهم، أما في الثانية فدولة لم تعد تقو على كبح جبروتها وقمع طغيانها فأطلقت العنان لوحشيتها لتعيد العالم إلى قرون ولت.
هي محكمة ليست عوراء فقط، بل إن العين الوحيدة المتبقية التي ما زالت ترى فيها إنما ترى من منظار الهيمنة والتسلط، منظار إخضاع كل من يمانع ويقف بوجه سياسات الاستعمار الجديد، لكنها لن تستطيع الوصول إلى مبتغاها ولو تخلت عن عينها الأخرى بكل مساوئها.
الانتقاد/ العدد 1336 ـ 6 آذار/ مارس 2009
2009-03-06