ارشيف من :آراء وتحليلات

حدث في مقالة: حال لبنان من حال المنطقة واللعبة مفتوحة على كل الاحتمالات

حدث في مقالة: حال لبنان من حال المنطقة واللعبة مفتوحة على كل الاحتمالات
كتب مصطفى الحاج علي
من ينظر في حال لبنان، وفي حال المنطقة، يجد نفسه أمام مشهدين مختلفين إلى حد يبعث على الحيرة والتساؤل حول حقيقة ما يجري فعلياً. في لبنان يخوض الجميع استحقاق الانتخابات النيابية وكأنه نهاية الدنيا، خصوصاً فريق الرابع عشر من آذار، الذي يصرّ على رهن مصيره السياسي بنتائج هذه الانتخابات، في حين يتوقف فريق المعارضة عند أهمية هذه الانتخابات من دون أن يرهن مصيره بها.
وفي هذا المناخ من التنافس الانتخابي الذي يسحب نفسه بشكل رئيسي على المناطق التي من المتوقع أن تشهد معارك فعلية، يحضر مجدداً الهاجس الأمني وصولاً إلى التخويف به على مصير إجراء الانتخابات نفسها. ثمة في لبنان من يظهر خوفاً على الانتخابات، وثمة من يظهر خوفاً من الانتخابات، من دون أن يعني أن الخائف على الانتخابات، أو من يتظاهر بهذا الخوف، ليس هو من يخاف منها، ويتخذ من الخوف عليها ستارة لخوفه منها.
ضمن هذه الهواجس يجري تسريب معلومات تتحدث عن احتمال حدوث خروقات أمنية تترجم نفسها في صورة اغتيالات، أو قلاقل، وقطع طرقات، وإثارة شغب هنا وهناك وهنالك.
في السياق عينه يطل برأسه التجاذب السياسي الحاد بين الرئاستين الثانية والثالثة، وإن كان لهذا التجاذب دلالات وأبعاد وخلفيات خاصة به أيضاً، إلا أن محصلته النهائية، تصب في ما تقدم.
لا يقف التجاذب والتوتر السياسي الداخلي عند حدود الاستحقاق الانتخابي بل يتجاوزه إلى مرحلة ما بعده، حيث يصر فريق 14 آذار على سحب السجال حول طبيعة هذه المرحلة لجهة الإصرار على مقولة عدم المشاركة في أي حكومة مقبلة إذا ما فازت المعارضة، ما يعكس تمسكاً بروحية الاستئثار، وذلك على العكس من المعارضة التي تصر على المشاركة حتى النهاية، إلا إذا كان لا بد من ذلك، وهذا ما اقتضى تدخلاً مباشراً من رئيس الجمهورية الذي علّق بالقول انه ومن موقعه الدستوري، وانسجاماً مع الطبيعة الميثاقية للدستور، لن يسمح بأن يلغي أحد أحداً.
ضمن هذا المشهد الداخلي لا بد من ملاحظة أمر أساسي هو ما يمتاز به السلوك السياسي للنائب وليد جنبلاط الذي يبدو الوحيد تقريباً في صفوف الرابع عشر من آذار الذي يصرّ على طلب التهدئة والالتزام بها داخلياً فقط حتى الآن.
ووسط انشداد الوضع الداخلي بين حدي التهدئة والتوتر، جاء حدث الإعلان عن إطلاق عمل المحكمة الدولية الناظرة في عملية اغتيال الرئيس الحريري، والطريقة الملتبسة لإطلاق سراح الأخوين عبد العال، ليضيف نقطة سجالٍ إضافية وليطلق علامات استفهام متناقضة حول مسار الأمور في المرحلة المقبلة.
حال المنطقة
في مقابل المشهد اللبناني الذي يبدو مفتوحاً على كل الاحتمالات، والى حدود الجمع بين الشيء وضده، يبدو المشهد الإقليمي في خطوطه العامة على الأقل مختلفاً: فالمصالحة السورية ـ السعودية تسلك خطواتها بثبات، وثمة من يتحدث عن عمل هادئ على المصالحة المصرية ـ السورية، وبالتالي، عن احتمال أن تجمع قمة ثلاثية، وربما رباعية، كلاً من القاهرة والرياض ودمشق والدوحة، وذلك قبل انعقاد القمة العربية في الدوحة أواخر آذار المقبل، وهناك أيضاً المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية التي يبدو أنها أخذت مسلكها، من دون أن تظهر احتمالات التسوية التي ستستقر عندها.
هذا في الوقت الذي انطلقت حركة السجال التفاوضي الاستراتيجي إذا جاز التعبير بين إيران وواشنطن، وسوريا وواشنطن. بكلمة واحدة ثمة مناخ جديد يتأسس في المنطقة عربياً وإقليمياً ودولياً، وحده الكيان الإسرائيلي يبدو نشازاً وسط هذا التغيير.
خلاصة وتقدير
بناءً على ما تقدم، كيف نفسر هذا التمايز بين مجريات الأمور لبنانياً وجريانها الإقليمي والدولي، استناداً إلى كون لبنان يشكل المرآة والمختبر لمجمل هذه المناخات.
في الحقيقة، قد يظهر للوهلة الأولى أن هذا التمايز هو بمثابة تناقض، لكن واقع الحال غير ذلك تماماً، إذا ما فهمنا المرحلة إقليمياً ودولياً بدقة.
صحيح، إن مناخات جديدة انطلقت في الفضاء العربي والإقليمي والدولي، إلا أن هذه المناخات ليست نهاية الطريق، بل بداياتها الأولى، ونحن اليوم أمام مرحلة انتقالية بكل ما في الكلمة من معنى، حيث يقوم كل طرف بفحص وسبر نوايا واستعدادات الطرف المقابل، كما يقوم بتحديد الملفات التي يمكن التفاهم عليها، وتلك التي يتعذر التفاهم عليها، إضافة إلى تنظيم كل طرف لأوراقه، وسعيه إلى امتلاك أوراق جديدة.
ولما كان لبنان مجرد ساحة من ساحات المواجهة الدقيقة والمهمة، ولمّا كانت الانتخابات النيابية هي من يقرر الطرف الذي يملك على نحو مؤثر وفعّال هذه الورثة، شكلت الانتخابات محطة مصيرية للبعض، ومهمة للبعض الآخر، وفي الإطار نفسه، يمكن النظر إلى ورقة المحكمة الدولية التي يلفت إلى  طريقة التعامل معها داخلياً والى الحرص الذي يبديه القاضي بيلمار على تأكيد عدم تسييسها، والذي يشبه إلى حد بعيد حال الدفاع المسبق عنها.
في هذا الخضم، يدخل التهديد بالقلاقل الأمنية، كما يدخل التهويل بعدم المشاركة الخ..
ومن يصرّ على التهدئة في لبنان يدرك خطورة المرحلة الانتقالية، ويعرف أن التجاذب حول لبنان سيشتد في الأشهر القادمة، ولذا فهو يعرف أن التهدئة هي جسر الأمان لعبور هذه المرحلة بأقل الخسائر، بل بدون خسائر ولحجز الموقع للمرحلة المقبلة.
خلاصة القول، اللعبة ما زالت مفتوحة في لبنان والمنطقة، وثمة محطات فاصلة كثيرة على الطريق، أقرتها القمة العربية التي بعدها قد نجد حديثاً آخر، أو لا نجد، والأمر عينه ينطبق على المسار الفلسطيني ـ الفلسطيني، وكما العين يجب أن لا تفارق المحكمة لا سيما في يتعلق بمصير الضباط الأربعة، الذي بات الموقف من احتجازهم، بيت القصيد.
الانتقاد/ العدد 1336 ـ 6 آذار/ مارس 2009
2009-03-06