ارشيف من :آراء وتحليلات
بين الدعوة السعودية ـ الإسرائيلية ـ الأميركية للتعامل مع التحدي الإيراني ومسار المصالحات العربية، أي مسار ستسلكه الانتخا
كتب مصطفى الحاج علي
ما هو القاسم المشترك في الأولويات بين كل من الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي وعرب التسوية؟
السؤال مهم، والإجابة عنه أهم، لأنها تشكل المفتاح لفهم كل ما يجري حولنا، ولتقدير احتمالات مسار الأمور لاحقاً.
لن نذهب بعيداً في الاستعانة بما يلزم من معطيات تشكل أدلة على ما نريد قوله، لكن سنكتفي هنا بتصريحات وزيرة الخارجية الأميركية الأخيرة وقادة الكيان الإسرائيلي، وما أعلنه وزير خارجية النظام السعودي سعود الفيصل.
كلينتون لم تعلن سراً عندما أكدت ما سبق لمسؤولين أميركيين أن قالوه من أن زعماء عربا كثرا في المنطقة، طالبوها بضرورة مواجهة إيران، وأن إيران هي العدو بالنسبة اليهم وليس الكيان الإسرائيلي. كلينتون بدورها أكدت أن واشنطن سوف تفعل كل شيء لمنع إيران من التسلح بسلاح نووي، وهذا هدف تكتيكي لكل خطوة تقوم بها، والاتصالات التي تجريها مع إيران لا تغير هدفنا بمنع ايران من الحصول على سلاح نووي ودعم "المنظمات الإرهابية"، طبعاً المقصود هنا منظمات المقاومة، وتحديداً حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان.
لم يتأخر نتنياهو كثيراً في تحديد أولوياته عندما أشار الى أن إيران هي التهديد الاستراتيجي والوجودي الأول للكيان الإسرائيلي. ومن ينظر في تصريحات كل من التقى كلينتون في زيارتها الأخيرة الى الكيان الإسرائيلي من مسؤوليه، يجد أن القاسم المشترك الرئيسي بينها هو التركيز على أولوية الخطر الإيراني.
وفي تصريح لافت ولأول مرة، دعا وزير خارجية النظام السعودي سعود الفيصل الى "التعامل مع التحدي الإيراني، سواء في ما يتعلق بالملف النووي، أو أمن منطقة الخليج، أو إقحام أطراف خارجية في الشؤون العربية، سواء في العراق أو فلسطين أو في الساحة اللبنانية".
باختصار إيران بالنسبة الى هذا التحالف الموضوعي الأميركي ـ الإسرائيلي ـ العربي التسووي، هي التحدي الأول والخطر الأول، وبالتالي البند الأول الذي يجب التعامل معه.
بالطبع هذا الكلام ليس جديداً، فلقد سبق أن سمعناه وقرأناه مرات كثيرة.. إذاً ما الجديد فيه؟
لقد جرّب هذا الحلف استراتيجية نزع ما يعتبرونه أظفار ايران في المنطقة، ويعنون بذلك حركات المقاومة: حزب الله في لبنان وحماس في غزة. وحرب تموز و"الرصاص المسكوب" شكلتا محاولتين في هذا الاتجاه، إلا أنهما فشلتا فشلاً ذريعاً.
بعيد ذلك متغيرات كثيرة حدثت داخل واشنطن وخارجها، باتت معروفة للجميع، ولا ضرورة لإعادة ذكرها، إلا أنها في خلاصتها فرضت على واشنطن إعادة نظر في التكتيك، وليس في الأهداف الاستراتيجية، حيث ما زالت محاولات النيل من إيران تشكل هدفاً استراتيجياً بارزاً، وإن من مدخل تكتيك التفاوض.
ماذا نشهد الآن؟ نشهد الخطوات الأميركية التالية:
أولاً: تحرك باتجاه روسيا والصين: الأولى من مدخل الربط بين مسألة الدرع الصاروخية في أوروبا والتعاون الروسي في العقوبات المفترض اتخاذها تجاه إيران، والثانية من مدخل الإغراء الاقتصادي والمالي.
كل ذلك إدراكاً من واشنطن أنه لا سبيل الى نجاح الضغوط على إيران من دون تعاون روسي ـ صيني فعّال.
ثانياً: التحرك على الخط الأوروبي. وفي هذا الإطار أُعلن عن رزمة عقوبات جديدة تعمل عليها كل من باريس ولندن وبرلين، لدعم الموقف الأميركي في التفاوض مع إيران.
ثالثاً: إرسال رسائل ذات مغزى تتعلق بالملاحقة البحرية، تمثلت بدفع المارينز لسفينة شحن إيرانية الى ميناء قبرصي والاستيلاء على حمولتها.
رابعاً: تسوية العلاقات العربية ـ العربية، والمقصود تحديداً العلاقات السورية ـ السعودية والسورية المصرية.
الهدف من هذه التسوية معلن مسبقاً، وهو البديل لفشل الضغوط على سوريا لحملها على الابتعاد عن إيران، ولفشل محاولات تغيير النظام في سوريا، التي قادتها وموّلتها بحسب الكثير من المعطيات الرياض وواشنطن والقاهرة.. إلخ.
بكلام آخر، إذا كان متعذراً فك العلاقة بين إيران وسوريا في هذه المرحلة، فليعمل على الأقل على تحييدها، إلا أن دون ذلك عقبات، أبرزها التفاهم الإجباري على ملفي لبنان وفلسطين، باعتبارهما بحسب عرب أميركا والحسابات الإسرائيلية هما أماكن نفوذ إيرانية، وأن حركات المقاومة هي خطوط مواجهة متقدمة لها مع الكيان الإسرائيلي.
باختصار، كل ما تقدم يؤكد أن الأهداف التي يعمل عليها كبند أول ما زالت هي هي، لكن مع فارق هو إدراك الحلف الأميركي ـ الإسرائيلي ـ العربي التسووي، ان القوة فشلت كحل، ما يعني ضرورة البحث عن سبل أخرى ووسائل أخرى. ولكي تسير هذه السبل والوسائل علينا أن نأخذ بالاعتبار التالي:
أولاً: الجميع يريد تجربة لعبة التفاوض.
ثانياً: التفاوض لا يعني أن المرحلة من الآن حتى تجهيز طاولة التفاوض ستكون ساكنة، خصوصاً أنها حافلة بالاستحقاقات.
ثالثاً: إذا كان استخدام القوة قد فشل في تغيير المعادلات، فماذا يبقى؟
هنا يمكن الحديث عن احتمالين: الأول الرهان على الانتخابات في لبنان وفلسطين لإحداث تبديل في الواقع السياسي ـ السلطوي. وفي هذا الإطار يصبح مفهوماً قول البعض في لبنان إنه لا يريد المشاركة في السلطة، الذي وجهه الآخر أنه لا يريد أن يشارك أحداً معه اذا ما فاز.
أما الثاني، فأن يجري التفاهم على تقاسم النفوذ، بما يؤدي الى ضبط الأوضاع في لبنان، وتحييده في المرحلة المقبلة بما يشكل عملياً في حسابات الحلف الأميركي ـ الإسرائيلي ـ التسووي العربي، إبطالاً عملياً لحركات المقاومة، وتحويلها بالتالي من رصيد إيجابي الى رصيد غير قابل للاستخدام عندما يحين موعد التفاوض الجدي مع إيران.
في هذا السياق يمكن إدراج المصالحات العربية، وربما هنا يكمن المغزى الحقيقي لفكرة الكتلة الوسطية، كما يكمن مغزى انتظار الجميع لما بعد القمة العربية، لحسم خياراتهم الانتخابية.
الانتقاد/ العدد 1336 ـ 6 آذار/ مارس 2009
ما هو القاسم المشترك في الأولويات بين كل من الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي وعرب التسوية؟
السؤال مهم، والإجابة عنه أهم، لأنها تشكل المفتاح لفهم كل ما يجري حولنا، ولتقدير احتمالات مسار الأمور لاحقاً.
لن نذهب بعيداً في الاستعانة بما يلزم من معطيات تشكل أدلة على ما نريد قوله، لكن سنكتفي هنا بتصريحات وزيرة الخارجية الأميركية الأخيرة وقادة الكيان الإسرائيلي، وما أعلنه وزير خارجية النظام السعودي سعود الفيصل.
كلينتون لم تعلن سراً عندما أكدت ما سبق لمسؤولين أميركيين أن قالوه من أن زعماء عربا كثرا في المنطقة، طالبوها بضرورة مواجهة إيران، وأن إيران هي العدو بالنسبة اليهم وليس الكيان الإسرائيلي. كلينتون بدورها أكدت أن واشنطن سوف تفعل كل شيء لمنع إيران من التسلح بسلاح نووي، وهذا هدف تكتيكي لكل خطوة تقوم بها، والاتصالات التي تجريها مع إيران لا تغير هدفنا بمنع ايران من الحصول على سلاح نووي ودعم "المنظمات الإرهابية"، طبعاً المقصود هنا منظمات المقاومة، وتحديداً حماس في فلسطين وحزب الله في لبنان.
لم يتأخر نتنياهو كثيراً في تحديد أولوياته عندما أشار الى أن إيران هي التهديد الاستراتيجي والوجودي الأول للكيان الإسرائيلي. ومن ينظر في تصريحات كل من التقى كلينتون في زيارتها الأخيرة الى الكيان الإسرائيلي من مسؤوليه، يجد أن القاسم المشترك الرئيسي بينها هو التركيز على أولوية الخطر الإيراني.
وفي تصريح لافت ولأول مرة، دعا وزير خارجية النظام السعودي سعود الفيصل الى "التعامل مع التحدي الإيراني، سواء في ما يتعلق بالملف النووي، أو أمن منطقة الخليج، أو إقحام أطراف خارجية في الشؤون العربية، سواء في العراق أو فلسطين أو في الساحة اللبنانية".
باختصار إيران بالنسبة الى هذا التحالف الموضوعي الأميركي ـ الإسرائيلي ـ العربي التسووي، هي التحدي الأول والخطر الأول، وبالتالي البند الأول الذي يجب التعامل معه.
بالطبع هذا الكلام ليس جديداً، فلقد سبق أن سمعناه وقرأناه مرات كثيرة.. إذاً ما الجديد فيه؟
لقد جرّب هذا الحلف استراتيجية نزع ما يعتبرونه أظفار ايران في المنطقة، ويعنون بذلك حركات المقاومة: حزب الله في لبنان وحماس في غزة. وحرب تموز و"الرصاص المسكوب" شكلتا محاولتين في هذا الاتجاه، إلا أنهما فشلتا فشلاً ذريعاً.
بعيد ذلك متغيرات كثيرة حدثت داخل واشنطن وخارجها، باتت معروفة للجميع، ولا ضرورة لإعادة ذكرها، إلا أنها في خلاصتها فرضت على واشنطن إعادة نظر في التكتيك، وليس في الأهداف الاستراتيجية، حيث ما زالت محاولات النيل من إيران تشكل هدفاً استراتيجياً بارزاً، وإن من مدخل تكتيك التفاوض.
ماذا نشهد الآن؟ نشهد الخطوات الأميركية التالية:
أولاً: تحرك باتجاه روسيا والصين: الأولى من مدخل الربط بين مسألة الدرع الصاروخية في أوروبا والتعاون الروسي في العقوبات المفترض اتخاذها تجاه إيران، والثانية من مدخل الإغراء الاقتصادي والمالي.
كل ذلك إدراكاً من واشنطن أنه لا سبيل الى نجاح الضغوط على إيران من دون تعاون روسي ـ صيني فعّال.
ثانياً: التحرك على الخط الأوروبي. وفي هذا الإطار أُعلن عن رزمة عقوبات جديدة تعمل عليها كل من باريس ولندن وبرلين، لدعم الموقف الأميركي في التفاوض مع إيران.
ثالثاً: إرسال رسائل ذات مغزى تتعلق بالملاحقة البحرية، تمثلت بدفع المارينز لسفينة شحن إيرانية الى ميناء قبرصي والاستيلاء على حمولتها.
رابعاً: تسوية العلاقات العربية ـ العربية، والمقصود تحديداً العلاقات السورية ـ السعودية والسورية المصرية.
الهدف من هذه التسوية معلن مسبقاً، وهو البديل لفشل الضغوط على سوريا لحملها على الابتعاد عن إيران، ولفشل محاولات تغيير النظام في سوريا، التي قادتها وموّلتها بحسب الكثير من المعطيات الرياض وواشنطن والقاهرة.. إلخ.
بكلام آخر، إذا كان متعذراً فك العلاقة بين إيران وسوريا في هذه المرحلة، فليعمل على الأقل على تحييدها، إلا أن دون ذلك عقبات، أبرزها التفاهم الإجباري على ملفي لبنان وفلسطين، باعتبارهما بحسب عرب أميركا والحسابات الإسرائيلية هما أماكن نفوذ إيرانية، وأن حركات المقاومة هي خطوط مواجهة متقدمة لها مع الكيان الإسرائيلي.
باختصار، كل ما تقدم يؤكد أن الأهداف التي يعمل عليها كبند أول ما زالت هي هي، لكن مع فارق هو إدراك الحلف الأميركي ـ الإسرائيلي ـ العربي التسووي، ان القوة فشلت كحل، ما يعني ضرورة البحث عن سبل أخرى ووسائل أخرى. ولكي تسير هذه السبل والوسائل علينا أن نأخذ بالاعتبار التالي:
أولاً: الجميع يريد تجربة لعبة التفاوض.
ثانياً: التفاوض لا يعني أن المرحلة من الآن حتى تجهيز طاولة التفاوض ستكون ساكنة، خصوصاً أنها حافلة بالاستحقاقات.
ثالثاً: إذا كان استخدام القوة قد فشل في تغيير المعادلات، فماذا يبقى؟
هنا يمكن الحديث عن احتمالين: الأول الرهان على الانتخابات في لبنان وفلسطين لإحداث تبديل في الواقع السياسي ـ السلطوي. وفي هذا الإطار يصبح مفهوماً قول البعض في لبنان إنه لا يريد المشاركة في السلطة، الذي وجهه الآخر أنه لا يريد أن يشارك أحداً معه اذا ما فاز.
أما الثاني، فأن يجري التفاهم على تقاسم النفوذ، بما يؤدي الى ضبط الأوضاع في لبنان، وتحييده في المرحلة المقبلة بما يشكل عملياً في حسابات الحلف الأميركي ـ الإسرائيلي ـ التسووي العربي، إبطالاً عملياً لحركات المقاومة، وتحويلها بالتالي من رصيد إيجابي الى رصيد غير قابل للاستخدام عندما يحين موعد التفاوض الجدي مع إيران.
في هذا السياق يمكن إدراج المصالحات العربية، وربما هنا يكمن المغزى الحقيقي لفكرة الكتلة الوسطية، كما يكمن مغزى انتظار الجميع لما بعد القمة العربية، لحسم خياراتهم الانتخابية.
الانتقاد/ العدد 1336 ـ 6 آذار/ مارس 2009