ارشيف من :أخبار عالمية

الحراك السياسي في بغداد: متغيرات واقعية في المشهد العراقي

الحراك السياسي في بغداد: متغيرات واقعية في المشهد العراقي
بغداد ـ عادل الجبوري
ثلاث قضايا سياسية في بغداد حظيت خلال الأيام القلائل الماضية باهتمام اعلامي واسع من قبل وسائل الاعلام العراقية والعربية والاجنبية:
القضية الأولى اقرار قائمة المرشحين لشغل المقاعد الوزارية الشاغرة بعد التوصل الى وجهات نظر متطابقة بين رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وجبهة التوافق العراقية، وبقية الكتل السياسية المعنية بالامر، والقضية الثانية ابرام اتفاقية هلسنكي للمصالحة الوطنية خلال مؤتمر عقد يوم السبت، الخامس من شهر تموز/ يوليو الجاري في العاصمة بغداد، بحضور ممثلين عن مختلف القوى والمكونات السياسية العراقية، وممثلين عن الامم المتحدة وشخصيات دولية، والقضية الثالثة، الزيارات المرتقبة لعدد من الزعماء السياسيين الى العراق خلال الفترة القصيرة المقبلة، كالعاهل الاردني الملك عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردوغان، الى جانب الجولات الاقليمية المزمع ان يقوم بها رئيس الوزراء نوري المالكي، والتي استهلها يوم الاحد (6\7\2008) بدولة الامارات العربية المتحدة ليزور بعدها ايطاليا والمانيا، وربما دولا اخرى.
ولان سياقات الحراك السياسي والامني في العراق متداخلة، فإنه يمكن اعتبار حسم ملف الترميم الحكومي، وابرام اتفاقية المصالحة، وتفعيل علاقات العراق مع محيطه العربي والاقليمي والدولي معطيات ونتائج واقعية وعملية لما تحقق على الارض، في ذات الوقت يمكن بقدر معين افتراض العكس.
ولعله من المعروف للمراقبين والمتابعين للشأن السياسي العراقي ان الفراغ الوزاري الكبير في حكومة المالكي، حصل نتيجة تناقضات حادة في المواقف والرؤى السياسية، اقترنت بمساعي ومحاولات من قبل اكثر من طرف لاسقاط الحكومة والعودة بالامور الى نقطة الصفر، او الى المربع الاول مثلما يقولون، ولم يكن غريبا ان يعلن اكثر من طرف سياسي سحب وزرائه من حكومة المالكي في الوقت الذي كانت فيه الاوضاع الامنية السيئة في مختلف مناطق العراق قد بلغت مستويات خطيرة ومقلقة للغاية، ناهيك عن تردي الخدمات واستفحال ازمات الوقود والكهرباء، وبات الحديث عن اسقاط الحكومة عبر المسارات الدستورية من خلال البرلمان، او بواسطة انقلاب عسكري او شيء من هذا القبيل، هو الطاغي والمهيمن على ما سواه في مختلف المحافل السياسية في داخل العراق وخارجه، بحيث انه اصبح من اولويات اهتمامات الحكومة والقوى المؤلفة لها، هو كيفية مواجهة تحدي الاسقاط، والحفاظ على الحد الادنى من التماسك.
وفي خضم تلك الاجواء المتأزمة، فإن مشروع المصالحة والحوار الوطني الذي طرحه المالكي في صيف عام 2006، بعد عدة شهور من توليه المسؤولية، واجه مصاعب وعقبات كبرى، وبدا للبعض انه كمن يحرث بالبحر، مضافا الى ذلك شبه قطيعة خارجية -وتحديدا عربية- مع العراق.
ولعل الحلحلة الحاصلة في اكثر من عقدة من عقد العملية السياسية، وملامح الانفراج القليل الذي راحت تلوح في الافق في ربيع وصيف عام 2007، اخذت تصوغ معالم واقع جديد مختلف في الكثير من معطياته مع ما هو قائم في حينه.
فميدانيا اسفرت الضربات التي وجهت لمعاقل تنظيم القاعدة في محافظات بغداد والانبار والموصل وديالى عن احداث تصدعات في هياكله وبناه، كانت مقدمة لتشظيه وتفككه في مرحلة لاحقة.
وسياسيا، وعلى ايقاع المتغيرات الامنية في الميدان فإن مشروع المصالحة تحرك بوتائر متسارعة انطلقت صيف العام الماضي من شرم الشيخ بمصر، لتمر بمحطات عديدة هي بغداد وعمان والكويت ومكة المكرمة وهلسنكي وغيرها، والمؤتمر الاخير في بغداد الذي جاء مكملا لمؤتمري هلسنكي الاول والثاني، اسفر عن ابرام اتفاقية نصت على الالتزام بمبدأ استقلال السلطة القضائية والتقيد بأحكامها وقراراتها، وضمان مشاركة عادلة لجميع القوى الوطنية في العملية السياسية وفق الاليات الديمقراطية، واعتماد الكفاءة والنزاهة وحسن السيرة والسلوك في تولي الوظائف العامة، وخصوصا في المواقع العليا للدولة، واحترام مبدأ تكافؤ الفرص بعيدا عن التمييز الطائفي او العرقي او الفئوي، واستكمال مقومات السيادة الوطنية وبناء القوات المسلحة والاجهزة الامنية العراقية ومستلزماتها وفق اسس مهنية ووطنية وصولا الى انهاء وجود قوات الاحتلال في البلاد. 
ويبدو ان تزامن اعلان ابرام اتفاقية هلسنكي للمصالحة الوطنية مع استكمال ملف الترميم الحكومي ومعالجة وحل كل نقاط الاختلاف مع جبهة التوافق العراقية، ومع الحركة الدبلوماسية والسياسية على اعلى المستويات بين بغداد وعواصم عربية اخرى مثل ابو ظبي وعمان، وعواصم اجنبية من المفترض ان يزورها المالكي او ان يزور قادتها بغداد، مثل انقرة وبرلين وروما، يبدو ان كل ذلك جاء بفعل عمليات تفاعلية متبادلة، افضت الى تغير في الخطاب، وتحول في المواقف، والتعاطي بقدر اكبر من الموضوعية مع الحقائق الماثلة على ارض الواقع العراقي.
وجانب من وقائع زيارة رئيس الوزراء العراقي لدولة الامارات العربية المتحدة عكس قدرا اخر من ذلك التغير والتحول والتعاطي الايجابي، بعد ان عكسته مبادرات وخطوات سابقة مثل زيارة الرئيس الايراني لبغداد في بداية شهر نيسان/ ابريل الماضي، وزيارة وزير الخارجية الاماراتي ايضا قبل اسابيع قلائل، الى جانب جولات عربية واقليمية ودولية لكبار رجالات الدولة العراقية خلال العامين الماضيين نجحت في فتح الكثير من الابواب الموصدة، وفك عدد غير قليل من العقد المستعصية.
كل ذلك يعني ان صورة الوضع العراقي، لم تعد كما كانت عليه قبل عامين او اكثر، وهو ما يحتم على الآخرين التأمل فيها بقدر كاف للوقوف على كل تفاصيلها وجزئياتها حتى يصار الى معالجة اخطاء الماضي بدلا من اضافة اخطاء اخرى اليها.
الانتقاد/ العدد 1280 ـ 11 تموز/ يوليو 2008
2008-07-10