ارشيف من :آراء وتحليلات

العراق للعراقيين و.. أو .. للأميركيين؟

العراق للعراقيين و.. أو .. للأميركيين؟
كتب نصري الصايغ
وحدهم السذّج، يتصورون، أن الولايات المتحدة الأميركية ستخرج من العراق بالتفاوض تاركة العراق للعراقيين.
أصوات الخارجية الاميركية، السرية والعلنية، تسخر من هؤلاء: لم نخلع صدام كي نورّث العراق، للطوائف والمذاهب والأعراق، التي يشبه قادتها، صدام حسين، لم ندفع ثمن تحرير العراق بدماء جنودنا، كي نغسل أيدينا بالنوايا الحسنة، ونتركه لمطامع الايرانيين، لم ندفع مئات مليارات الدولارات، كي يكون نفطه وخيراته جائزة لأحد.. نحن هنا، ولا أحد يرثنا غيره.
طبعاً، هذا الصوت العدواني منطقي جداً، إذ، متى "حررت" أميركا بلداً، على فرض أنها رسولة التحرير، وهي العكس تماماً، وتركته لأهله، من دون أن يكون لها قواعد عسكرية، ومهمات خاصة، ويد علينا في السياسات الدفاعية والأمنية والاقتصادية؟
طبعاً، الولايات المتحدة ليست تشبه ما تقوله، عن الديمقراطية وحقوق الانسان والتنمية والحرية و.. إنها تشبه سلوكها، ولعلها الدولة الفائقة الشبه لأسلحتها، إنها تشبه قاذفات القنابل، وحاملات الطائرات، وصواريخ التوماهوك، والمارينز، والقنابل الذكية، والقنابل العنقودية، والنابالم، والفيتو، والكذب، والعدوان، والتخريب، والتدمير، وكل ما ارتكبه هولاكو منذ بدء التاريخ حتى ما بعد اقفال صفحاته.
وعليه، فإنها تريد ما يلي:
أولاً: البقاء، بموافقة وتوقيع عراقيين، في العراق، إلى أجل غير مسمى، وليس ضرورياً الالتفات إلى الزمن، فالوجود الأميركي لا زمن له، إنه ضد الزمن، وأميركا عندما احتلت الأرض العراقية، احتلت ناسه ومقدراته ونفطه وفضاءه.. وأزمنته كلها، فلا حاجة إلى برمجة وجدولة وتزمين الانسحاب، مشكورة في العراق، وعليه أيضاً فليستعد العراقيون للإقامة برحب وسعة، في ظل الوجود الاميركي، إلى أجل غير مسمى، وقد لا يأتي، وإذا كانت أميركا، اليوم، تستعد لنشر دروعها الصاروخية في أوروبا، بولندا وتشيكيا، لاتفيا، وقد نشرت قواعدها في جمهوريات الاتحاد السوفياتي الاسلامية، وإذا كانت تدعم درعها الصاروخية بذريعة التهديد الإيراني فكيف تترك العراق، وهو البوابة المفتوحة من والى ايران، ومفاتيحها بيد العراقيين.
بالفعل، إنهم أغبياء، هؤلاء الذين يطالبون بالحسنى أن يرحل الأميركيون. لقد بات العراق، خزّان الوقود لسيارات ومعامل العالم، ومصدّر صك العملة الخضراء، والمحطة التي منها يراقب الاميركيون حلفاءهم الصغار في الخليج، ويبتزونهم، فلن يتركوه.
ثانياً: تريد واشنطن، امتلاك النفط وأسواقه وأسعاره عبر التحكم بواسطة العراقيين طبعاً، بالمنابع والمصافي والانتاج والحجم، تاركة لشركاتها حق التصرف المطلق بنيران الأسعار الملتهبة، وهي الآن تجري حربها الكونية، بالدولار والنفط، والمواد الغذائية، والعراق، جبهة مفتوحة لتصدير الكوارث العالمية.
ثالثاً: تريد واشنطن، أن تبقى الحكم بين السنة والشيعة من جهة وبينهما وبين الأكراد، وعليه فإن الشفاء من الطائفية والعرقية في العراق، ليس ضمن الروشتة الاميركية. تريد سلاحاً طائفياً عرقياً يريحها، أو حروباً صغيرة، تفرضها وتلهي العراقيين عنها، ولقد فعلت.
رابعاً: لا تريد أي دور اقليمي للعراق، لا من قريب ولا من بعيد، باستثناء الدور الذي يمكن أن يتدرب عليه، ضد ايران، عبر أطراف عراقية وليس كل الأطياف العراقية، وعليه، فلا دور للعراق في المسألة الفلسطينية فهو المريض، وبحاجة إلى عناية الفلسطينيين به!!!
خامساً: فليحضر الإرهاب إلى العراق لمنازلته بالعراقيين، عوض ان يذهب إلى أوروبا وأميركا، ولقد نجحت واشنطن في ذلك حيث بات العنف مشاعاً عربياً وإسلامياً، وضحاياه فقط، من العرب والمسلمين.
وحدهم السذج والأغبياء، يصدقون أنفسهم ويعتبرون أن اميركا تعطيهم وتخرج من العراق، باتفاقية تعيد العراق إلى العراقيين، وحدهم السذج والأغبياء يخدمون الاميركي لقاء قيود يضعها في أيديهم فيظنونها أساور، وحول أعناقهم فيظنونها قلادات، وأوسمة على صدورهم فيظنونها كرامات.
أسوأ ما يصنعه الاحتلال، عندما يكافئ ضحاياه بالأوسمة.
الانتقاد/ العدد 1280 ـ 11 تموز/ يوليو 2008
2008-07-10