ارشيف من :آراء وتحليلات
حدث في مقالة: المنطقة ورياح الانفتاح والتصالح والتهدئة: أية ترجمة ستكون لها.. لا سيما في لبنان

كتب مصطفى الحاج علي
بالرغم من أن المرحلة الحالية هي انتقالية بامتياز، إلا أن ما تشهده من حراك سياسي، وما تنتظره من استحقاقات متزامنة، سيرسم في النهاية أفق المرحلة المقبلة، والتي لا يتوقع أن ترى النور قبل الصيف المقبل.
إن عملية رصد واستشراف لمجمل الحراك السياسي في المنطقة، تقودنا إلى ما يلي:
ـ إيران في الواجهة:
تتقاطع المواقف المعلنة لكل من واشنطن والرياض والقاهرة والرباط وللسلطة الفلسطينية وللكيان الإسرائيلي عند تأكيد أن إيران هي"التهديد الوجودي"، أو "التحدي الأول"، وأنها مصدر الخطر على المنطقة، والمسببة للانقسامات العربية ـ العربية، والمصدرة لحالة التشققات المختلفة.
هذا الالتقاء ليس صدفة، وإنما هو حصيلة أمر عمليات سياسي أميركي وإسرائيلي بامتياز، وهو كاشف بدوره عن جملة أمور رئيسية ستحكم المرحلة المقبلة في كل مساراتها السياسية، وهي:
ـ إن الأولوية هي للتعامل مع إيران كدولة، وكعلاقات، وكامتدادات، وكنفوذ، ما يعني بدوره التعامل مع إيران، وما يعتبرونه نفوذاً لها في المنطقة ممثلاً بتحالفها الاستراتيجي مع سوريا، وبتحالفها الاستراتيجي أيضاً مع حركات المقاومة في المنطقة، وتحديداً في لبنان وفلسطين.
ـ إن المطلوب تحويل بوصلة العداء عربياً من الكيان الإسرائيلي إلى إيران، لتوفير الغطاء الملائم وإيجاد التبرير، لإقامة تحالف موضوعي مع الكيان الإسرائيلي.
ـ المطلوب تحويل هذا التحالف إلى قوة ضغط، وورقة ضاغطة، في أي عملية تفاوض اميركية ـ إيرانية لاحقة.
ـ إن المطلوب في المرحلة المقبلة تركيز الجهد على ما يمكن اعتباره عناصر قوة الدور الإيراني في المنطقة، أي العلاقة مع سوريا، وحركات المقاومة.
في هذا السياق، يمكن وضع التطورات الرئيسة التالية:
أ ـ مؤتمر إعادة إعمار غزة:
هذا المؤتمر في محصلته النهائية، ليس إلا محاولة لـ:
ـ الإمعان في محاصرة غزة.
ـ الضغط أكثر على الواقع الشعبي هناك، واستثمار الوضع الصعب جراء الدمار الذي لحق بالقطاع، خلال العدوان الأخير، بكلمة أخرى، المطلوب تخيير الغزاويين بين إغراءات الثروة وإعادة الإعمار، والتخلي عن المقاومة، وإن لم يكن الآن، فعلى الأقل في أية انتخابات لاحقة.
ـ الضغط أكثر على حركة حماس لحملها على تقديم التنازلات المطلوبة.
ـ إعادة تعويم السلطة دولياً من خلال القول إن لا سبيل للإعمار إلا من خلالها، والذي يشكل بدوره، دعوة للغزاويين للالتحاق بهذه السلطة البائسة إذا ما أرادوا إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
ـ تعويم الدور المصري الذي وجهت إليه ضربات قاصمة جراء موقفه العدائي من الشعب الفلسطيني وانخراطه في عملية محاصرة القطاع.
ب ـ مؤتمر دعم غزة في طهران:
لم يكن توقيت عقد هذا المؤتمر بدون مغزى، فهو جاء متزامناً تقريباً مع عقد مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة، الأمر الذي شطر المشهد من الزاوية الفلسطينية ـ الإقليمية إلى مشهدين: الأول، وهو ما سبق أن أشرنا اليه، والثاني، وهو المقابل تماماً لهذا المشهد الأول، حيث جرى التأكيد على:
ـ محورية دور المقاومة في حماية الشعب الفلسطيني، وفي الدفاع عن القضية الفلسطينية، واعتبارها الخيار الوحيد والأساسي لاسترجاع الحقوق.
ـ توفير الإطار الإقليمي الموازن والواسع والحاضن لهذا الخيار.
ـ التأكيد على موقع حركات المقاومة كممثلة أساسية لخيارات شعوبها، في مقابل الخيارات التنازلية والاستسلامية.
ـ التأكيد على الإطار الإقليمي الأوسع للقضية الفلسطينية، بما هي قضية إنسانية أولاً، وإسلامية ثانياً، وعربية ثالثاً، وبالتالي، رفض الدعاوى التي تحاول حصر هذه القضية في الإطار العربي الرسمي، لإضعافها، والتحكم بمصيرها وفق مشتهيات السياسة الاميركية.
ـ التأكيد على موقع إيران الداعم بقوة لخيارات الشعوب، ولحركات النضال والمقاومة، في المنطقة، ومن منطلق الالتزام العقائدي والسياسي، لا المصلحي والنفعي.
خلاصة القول هنا، لقد رسم كل من المؤتمرين حدود التوازن، ووجهة الخيارات في النطاق الإقليمي، بما يؤثر على الوجهة العامة للأمور.
ج ـ المصالحات والانفتاح:
تحت هذا العنوان، يمكن وضع المصالحة السورية ـ السعودية، والانفتاح الدولي على حماس، والانفتاح الأوروبي على حزب الله، ممثلاً بالقرار البريطاني المفاجئ القاضي بإعادة بناء التواصل مع حزب الله.
من الواضح، أن كلمة السر هنا هي أميركية بامتياز، بمعنى أنه لا يمكن فصلها عن النهج الأوبامي للتعاطي مع المنطقة وأزماتها، والذي يرتكز بشكل رئيسي على الانفتاح، والديبلوماسية النشطة، والتواصل والحوار.
وإذا أخذنا ما تقدم، بعين الاعتبار، يمكننا القول، ان كل مناخات التصالح والانفتاح وإظهار الحرص على التهدئة، إنما الهدف الرئيسي منها، احتواء قوى المواجهة في المنطقة من خلال محاصرتها بمفاجأة تقيد ردود فعلها وحركاتها، ما يجعلها في موقع المنتفية الفائدة عملياً.
هنا، يبدو قرار التهدئة عاماً الآن، وربما لمرحلة مديدة، وإذا صح هذا الاستنتاج، فهذا يعني أن ثمة ترتيبات وتحركات لا بد من إنشائها والانطلاق بها، أبرزها:
ـ إطلاق عملية التسوية في المنطقة وعلى المسار السوري ـ الإسرائيلي تحديداً، وذلك لحاجة نتنياهو لذلك، حيث يشكل ذلك توفيقاً بين سعيه لطي صفحة التفاوض على المسار الفلسطيني لمصلحة رؤيته الاقتصادية.
ـ ترتيب المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، ما يعني المرور إلزامياً بالتوافق على إعادة إنتاج متوازن للسلطة، وتوفير الشرط اللازم للتهدئة، وإعادة فتح المعابر، والانشغال بالإعمار.. الخ.
ـ التوافق من الآن على طبيعة الحكومة المقبلة في لبنان، وبأن تكون حكومة وحدة وطنية بمعزل عن الطرف الفائز نسبياً بالانتخابات، لأن أي أمر آخر سيؤدي إلى اضطراب الأوضاع، وإدخال لبنان في سكة عدم الاستقرار المفتوح على كل الاحتمالات.
وهذا يعني بدوره، أن الانتخابات اللبنانية ستحدث بهدوء، وأنها بدورها ليست بعيدة عن الأخذ والرد، وأن احتمالات التوافق على تخريجات معينة لنتائجها ما زال وارداً.
ـ إقصاء الملفات والأوراق التي من شأنها أن تشكل عوامل تفجير للوضع اللبناني، وفي هذا الإطار، يمكن وضع مسألة المحكمة الدولية وسواها، لا سيما لجهة إخراجها من السياق اللبناني إلى السياق الدولي.
خلاصة عامة:
إن إقرار التهدئة الآنفة مطلوب اميركياً كأداة تكتيكية وذلك لحاجة واشنطن للتركيز على أولوياتها الداخلية والخارجية، والمتمثلة على نحو رئيسي بالأزمة الاقتصادية والمالية، والمتمثلة بتنظيم انسحابها من العراق، وأولوية الملفين الإيراني والأفغاني.
فواشنطن تريد أن تصب ماء التهدئة لتبريد المراكز التي تشكل خطوط مواجهة متقدمة، وبؤر توتر، مع مشروعها العام في المنطقة، كي لا تجد نفسها منخرطة في صراعات هي في غنى عنها الآن، وليس بمقدورها مواجهتها.
الانتقاد/ العدد 1337 ـ 13 آذار/ مارس 2009
بالرغم من أن المرحلة الحالية هي انتقالية بامتياز، إلا أن ما تشهده من حراك سياسي، وما تنتظره من استحقاقات متزامنة، سيرسم في النهاية أفق المرحلة المقبلة، والتي لا يتوقع أن ترى النور قبل الصيف المقبل.
إن عملية رصد واستشراف لمجمل الحراك السياسي في المنطقة، تقودنا إلى ما يلي:
ـ إيران في الواجهة:
تتقاطع المواقف المعلنة لكل من واشنطن والرياض والقاهرة والرباط وللسلطة الفلسطينية وللكيان الإسرائيلي عند تأكيد أن إيران هي"التهديد الوجودي"، أو "التحدي الأول"، وأنها مصدر الخطر على المنطقة، والمسببة للانقسامات العربية ـ العربية، والمصدرة لحالة التشققات المختلفة.
هذا الالتقاء ليس صدفة، وإنما هو حصيلة أمر عمليات سياسي أميركي وإسرائيلي بامتياز، وهو كاشف بدوره عن جملة أمور رئيسية ستحكم المرحلة المقبلة في كل مساراتها السياسية، وهي:
ـ إن الأولوية هي للتعامل مع إيران كدولة، وكعلاقات، وكامتدادات، وكنفوذ، ما يعني بدوره التعامل مع إيران، وما يعتبرونه نفوذاً لها في المنطقة ممثلاً بتحالفها الاستراتيجي مع سوريا، وبتحالفها الاستراتيجي أيضاً مع حركات المقاومة في المنطقة، وتحديداً في لبنان وفلسطين.
ـ إن المطلوب تحويل بوصلة العداء عربياً من الكيان الإسرائيلي إلى إيران، لتوفير الغطاء الملائم وإيجاد التبرير، لإقامة تحالف موضوعي مع الكيان الإسرائيلي.
ـ المطلوب تحويل هذا التحالف إلى قوة ضغط، وورقة ضاغطة، في أي عملية تفاوض اميركية ـ إيرانية لاحقة.
ـ إن المطلوب في المرحلة المقبلة تركيز الجهد على ما يمكن اعتباره عناصر قوة الدور الإيراني في المنطقة، أي العلاقة مع سوريا، وحركات المقاومة.
في هذا السياق، يمكن وضع التطورات الرئيسة التالية:
أ ـ مؤتمر إعادة إعمار غزة:
هذا المؤتمر في محصلته النهائية، ليس إلا محاولة لـ:
ـ الإمعان في محاصرة غزة.
ـ الضغط أكثر على الواقع الشعبي هناك، واستثمار الوضع الصعب جراء الدمار الذي لحق بالقطاع، خلال العدوان الأخير، بكلمة أخرى، المطلوب تخيير الغزاويين بين إغراءات الثروة وإعادة الإعمار، والتخلي عن المقاومة، وإن لم يكن الآن، فعلى الأقل في أية انتخابات لاحقة.
ـ الضغط أكثر على حركة حماس لحملها على تقديم التنازلات المطلوبة.
ـ إعادة تعويم السلطة دولياً من خلال القول إن لا سبيل للإعمار إلا من خلالها، والذي يشكل بدوره، دعوة للغزاويين للالتحاق بهذه السلطة البائسة إذا ما أرادوا إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
ـ تعويم الدور المصري الذي وجهت إليه ضربات قاصمة جراء موقفه العدائي من الشعب الفلسطيني وانخراطه في عملية محاصرة القطاع.
ب ـ مؤتمر دعم غزة في طهران:
لم يكن توقيت عقد هذا المؤتمر بدون مغزى، فهو جاء متزامناً تقريباً مع عقد مؤتمر شرم الشيخ لإعادة إعمار غزة، الأمر الذي شطر المشهد من الزاوية الفلسطينية ـ الإقليمية إلى مشهدين: الأول، وهو ما سبق أن أشرنا اليه، والثاني، وهو المقابل تماماً لهذا المشهد الأول، حيث جرى التأكيد على:
ـ محورية دور المقاومة في حماية الشعب الفلسطيني، وفي الدفاع عن القضية الفلسطينية، واعتبارها الخيار الوحيد والأساسي لاسترجاع الحقوق.
ـ توفير الإطار الإقليمي الموازن والواسع والحاضن لهذا الخيار.
ـ التأكيد على موقع حركات المقاومة كممثلة أساسية لخيارات شعوبها، في مقابل الخيارات التنازلية والاستسلامية.
ـ التأكيد على الإطار الإقليمي الأوسع للقضية الفلسطينية، بما هي قضية إنسانية أولاً، وإسلامية ثانياً، وعربية ثالثاً، وبالتالي، رفض الدعاوى التي تحاول حصر هذه القضية في الإطار العربي الرسمي، لإضعافها، والتحكم بمصيرها وفق مشتهيات السياسة الاميركية.
ـ التأكيد على موقع إيران الداعم بقوة لخيارات الشعوب، ولحركات النضال والمقاومة، في المنطقة، ومن منطلق الالتزام العقائدي والسياسي، لا المصلحي والنفعي.
خلاصة القول هنا، لقد رسم كل من المؤتمرين حدود التوازن، ووجهة الخيارات في النطاق الإقليمي، بما يؤثر على الوجهة العامة للأمور.
ج ـ المصالحات والانفتاح:
تحت هذا العنوان، يمكن وضع المصالحة السورية ـ السعودية، والانفتاح الدولي على حماس، والانفتاح الأوروبي على حزب الله، ممثلاً بالقرار البريطاني المفاجئ القاضي بإعادة بناء التواصل مع حزب الله.
من الواضح، أن كلمة السر هنا هي أميركية بامتياز، بمعنى أنه لا يمكن فصلها عن النهج الأوبامي للتعاطي مع المنطقة وأزماتها، والذي يرتكز بشكل رئيسي على الانفتاح، والديبلوماسية النشطة، والتواصل والحوار.
وإذا أخذنا ما تقدم، بعين الاعتبار، يمكننا القول، ان كل مناخات التصالح والانفتاح وإظهار الحرص على التهدئة، إنما الهدف الرئيسي منها، احتواء قوى المواجهة في المنطقة من خلال محاصرتها بمفاجأة تقيد ردود فعلها وحركاتها، ما يجعلها في موقع المنتفية الفائدة عملياً.
هنا، يبدو قرار التهدئة عاماً الآن، وربما لمرحلة مديدة، وإذا صح هذا الاستنتاج، فهذا يعني أن ثمة ترتيبات وتحركات لا بد من إنشائها والانطلاق بها، أبرزها:
ـ إطلاق عملية التسوية في المنطقة وعلى المسار السوري ـ الإسرائيلي تحديداً، وذلك لحاجة نتنياهو لذلك، حيث يشكل ذلك توفيقاً بين سعيه لطي صفحة التفاوض على المسار الفلسطيني لمصلحة رؤيته الاقتصادية.
ـ ترتيب المصالحة الفلسطينية ـ الفلسطينية، ما يعني المرور إلزامياً بالتوافق على إعادة إنتاج متوازن للسلطة، وتوفير الشرط اللازم للتهدئة، وإعادة فتح المعابر، والانشغال بالإعمار.. الخ.
ـ التوافق من الآن على طبيعة الحكومة المقبلة في لبنان، وبأن تكون حكومة وحدة وطنية بمعزل عن الطرف الفائز نسبياً بالانتخابات، لأن أي أمر آخر سيؤدي إلى اضطراب الأوضاع، وإدخال لبنان في سكة عدم الاستقرار المفتوح على كل الاحتمالات.
وهذا يعني بدوره، أن الانتخابات اللبنانية ستحدث بهدوء، وأنها بدورها ليست بعيدة عن الأخذ والرد، وأن احتمالات التوافق على تخريجات معينة لنتائجها ما زال وارداً.
ـ إقصاء الملفات والأوراق التي من شأنها أن تشكل عوامل تفجير للوضع اللبناني، وفي هذا الإطار، يمكن وضع مسألة المحكمة الدولية وسواها، لا سيما لجهة إخراجها من السياق اللبناني إلى السياق الدولي.
خلاصة عامة:
إن إقرار التهدئة الآنفة مطلوب اميركياً كأداة تكتيكية وذلك لحاجة واشنطن للتركيز على أولوياتها الداخلية والخارجية، والمتمثلة على نحو رئيسي بالأزمة الاقتصادية والمالية، والمتمثلة بتنظيم انسحابها من العراق، وأولوية الملفين الإيراني والأفغاني.
فواشنطن تريد أن تصب ماء التهدئة لتبريد المراكز التي تشكل خطوط مواجهة متقدمة، وبؤر توتر، مع مشروعها العام في المنطقة، كي لا تجد نفسها منخرطة في صراعات هي في غنى عنها الآن، وليس بمقدورها مواجهتها.
الانتقاد/ العدد 1337 ـ 13 آذار/ مارس 2009