ارشيف من :آراء وتحليلات
ما تخشاه "إسرائيل" من الحوار الغربي مع حزب الله

كتب المحرر السياسي
شكل القرار البريطاني، باجراء اتصالات سياسية مع حزب الله، حدثا سياسيا يتجاوز في أبعاده الساحة اللبنانية ويعكس طبيعة المرحلة التي بلغتها السياسة الدولية في المنطقة.
وبرغم محاولة مصادر بريطانية ربط القرار بتطورات الساحة الداخلية في لبنان، وانه يأتي في اطار المساعي لدعم الاستقرار فيه تمهيدا للانتخابات النيابية التي ستجري في حزيران المقبل، فإن من الصعب، بل من المتعذر، فصل هذا القرار عن التوجه التسووي للادارة الاميركية الجديدة، حيال المنطقة ودول "محور الشر"، برغم تأكيد الناطق بلسان الخارجية الاميركية ان "لا تغيير في التعاطي الاميركي مع حزب الله" قبل أن يعود ويلفت الى ان الادارة "تتابع عن قرب تقدم المحادثات مع حزب الله". وإذا ما تم الالتفات إلى ان هذا القرار اتى متزامنا مع قرارات الادارة الاميركية الجديدة، باعتماد خيار الحوار السياسي، مع قوى "محور الشر" في المنطقة فيصبح غنياً عن القول إن هذا القرار ليس الا تعبيرا وانعكاسا للتوجه الجديد للإدارة الاميركية الجديدة، برئاسة باراك اوباما، الذي قام على انقاض فشل سياسة سلفه جورج بوش، القائمة على التهديد وشن "الحروب الوقائية"، في اخضاع وتطويع واسقاط قوى المقاومة والممانعة في المنطقة.
لكن، كما هو متوقع، كان من الطبيعي ان يكون لهذا القرار صداه الاسرائيلي السلبي، الذي عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، "يوسي ليفي"، بالقول إن "إسرائيل" ترفض، بشكل قاطع، الموقف البريطاني، مضيفا "نأسف على كل قرار لدولة غربية بإقامة حوار مع ممثلي منظمة قاتلة وعنيفة مثل "حزب الله"، مؤكدا ان "اسرائيل" عبرت عن هذا الموقف للبريطانيين اكثر من مرة.
ولا يخفى ان موقف كيان العدو ينطلق من رؤية مفادها ان حزب الله يشكل، من زاوية الامن القومي، خطرا استراتيجيا، سواء لقدراته العسكرية التي تجاوزت بأضعاف، وفق اعتراف قادة العدو، ما كانت عليه قبل بدء حرب تموز 2006، ام لدعمه للمقاومة في فلسطين، ام بسبب موقفه الايديولوجي الرافض بشكل مطلق الاعتراف بـ"اسرائيل".
وعليه فإن "اسرائيل" تعتبر اي اعتراف او تسليم بحقيقة عدم امكانية تجاوز حزب الله حتى لو اتى تحت شعار تعزيز الاستقرار الداخلي في لبنان، يشكل ضررا استراتيجيا كبيرا لـ "اسرائيل"، لأن الحد الادنى في الموقف الواجب اتخاذه إزاء حزب الله، بالنسبة للعدو الاسرائيلي، هو استئصاله وتفكيك قدراته العسكرية. وأي سقف دون هذا المستوى ينطوي بالنسبة للإسرائيلي على العديد من الأخطار الآنية والمستقبلية.
وما يزيد من القلق الإسرائيلي ان القرار البريطاني ينطوي، برغم كونه جزءاً من مخطط سياسي على مستوى المنطقة، على دلالات تتصل بالكشف عن إقرار ما بمحدودية الخيارات في التعامل مع حقيقة كون حزب الله طرفا أساسيا في المعادلة السياسية الداخلية بل والمعادلة الإقليمية أيضا.
وبرغم ان الاسرائيلي يدرك خلفيات الموقف البريطاني، وكونه لا يعكس تخلياً او تغييراً في الموقف المبدئي من حماية "اسرائيل" واولوية امنها وتفوقها في المنطقة، الا ان الجوانب السلبية الكامنة فيه تأتي من كونه تعبيراً عن تتويج لفشل سياسة ادارة بوش التي اطلقت يد "اسرائيل" في كل من لبنان وفلسطين، مقرونا بمخاوف اسرائيلية من ان تدفع "الواقعية السياسية" الى مزيد من الانكباح الذاتي للولايات المتحدة وللدول الغربية عن المبادرة لخيارات اكثر هجومية ضد "قوى الشر" في المنطقة، اضافة الى محاولة فرض كوابح على "اسرائيل"... وعليه فإن المخاوف الاسرائيلية غير مرتبطة بمدى نجاح أو فشل هذه السياسات في الوصول إلى أهدافها المتوخاة غربيا أو اسرائيليا، وإنما لكونها تنطوي على مؤشرات ما قد تؤدي فيما لو توالت التطورات في سياقات محددة الى الدعوة للتعامل بواقعية مع الواقع السياسي المستجد في المنطقة وبموازين القوى الاقليمية التي هي في طور التشكل.
في كل الاحوال فإن هذا القرار لم يكن ليصدر عن الحكومة البريطانية لولا فشل "اسرائيل" وهزيمتها في حرب تموز 2006، وما ترتب عليها من تداعيات سياسية وغير سياسية تتصل بمراكمة قدرات حزب الله العسكرية الى مستويات لم يكن العدو ليتخيلها في مراحل سابقة، ولولا فشل السياسة الاميركية التي اعتمدها الرئيس السابق جورج بوش في المنطقة.
الانتقاد/ العدد1337 ـ 13 آذار/ مارس 2009
شكل القرار البريطاني، باجراء اتصالات سياسية مع حزب الله، حدثا سياسيا يتجاوز في أبعاده الساحة اللبنانية ويعكس طبيعة المرحلة التي بلغتها السياسة الدولية في المنطقة.
وبرغم محاولة مصادر بريطانية ربط القرار بتطورات الساحة الداخلية في لبنان، وانه يأتي في اطار المساعي لدعم الاستقرار فيه تمهيدا للانتخابات النيابية التي ستجري في حزيران المقبل، فإن من الصعب، بل من المتعذر، فصل هذا القرار عن التوجه التسووي للادارة الاميركية الجديدة، حيال المنطقة ودول "محور الشر"، برغم تأكيد الناطق بلسان الخارجية الاميركية ان "لا تغيير في التعاطي الاميركي مع حزب الله" قبل أن يعود ويلفت الى ان الادارة "تتابع عن قرب تقدم المحادثات مع حزب الله". وإذا ما تم الالتفات إلى ان هذا القرار اتى متزامنا مع قرارات الادارة الاميركية الجديدة، باعتماد خيار الحوار السياسي، مع قوى "محور الشر" في المنطقة فيصبح غنياً عن القول إن هذا القرار ليس الا تعبيرا وانعكاسا للتوجه الجديد للإدارة الاميركية الجديدة، برئاسة باراك اوباما، الذي قام على انقاض فشل سياسة سلفه جورج بوش، القائمة على التهديد وشن "الحروب الوقائية"، في اخضاع وتطويع واسقاط قوى المقاومة والممانعة في المنطقة.
لكن، كما هو متوقع، كان من الطبيعي ان يكون لهذا القرار صداه الاسرائيلي السلبي، الذي عبّر عنه المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، "يوسي ليفي"، بالقول إن "إسرائيل" ترفض، بشكل قاطع، الموقف البريطاني، مضيفا "نأسف على كل قرار لدولة غربية بإقامة حوار مع ممثلي منظمة قاتلة وعنيفة مثل "حزب الله"، مؤكدا ان "اسرائيل" عبرت عن هذا الموقف للبريطانيين اكثر من مرة.
ولا يخفى ان موقف كيان العدو ينطلق من رؤية مفادها ان حزب الله يشكل، من زاوية الامن القومي، خطرا استراتيجيا، سواء لقدراته العسكرية التي تجاوزت بأضعاف، وفق اعتراف قادة العدو، ما كانت عليه قبل بدء حرب تموز 2006، ام لدعمه للمقاومة في فلسطين، ام بسبب موقفه الايديولوجي الرافض بشكل مطلق الاعتراف بـ"اسرائيل".
وعليه فإن "اسرائيل" تعتبر اي اعتراف او تسليم بحقيقة عدم امكانية تجاوز حزب الله حتى لو اتى تحت شعار تعزيز الاستقرار الداخلي في لبنان، يشكل ضررا استراتيجيا كبيرا لـ "اسرائيل"، لأن الحد الادنى في الموقف الواجب اتخاذه إزاء حزب الله، بالنسبة للعدو الاسرائيلي، هو استئصاله وتفكيك قدراته العسكرية. وأي سقف دون هذا المستوى ينطوي بالنسبة للإسرائيلي على العديد من الأخطار الآنية والمستقبلية.
وما يزيد من القلق الإسرائيلي ان القرار البريطاني ينطوي، برغم كونه جزءاً من مخطط سياسي على مستوى المنطقة، على دلالات تتصل بالكشف عن إقرار ما بمحدودية الخيارات في التعامل مع حقيقة كون حزب الله طرفا أساسيا في المعادلة السياسية الداخلية بل والمعادلة الإقليمية أيضا.
وبرغم ان الاسرائيلي يدرك خلفيات الموقف البريطاني، وكونه لا يعكس تخلياً او تغييراً في الموقف المبدئي من حماية "اسرائيل" واولوية امنها وتفوقها في المنطقة، الا ان الجوانب السلبية الكامنة فيه تأتي من كونه تعبيراً عن تتويج لفشل سياسة ادارة بوش التي اطلقت يد "اسرائيل" في كل من لبنان وفلسطين، مقرونا بمخاوف اسرائيلية من ان تدفع "الواقعية السياسية" الى مزيد من الانكباح الذاتي للولايات المتحدة وللدول الغربية عن المبادرة لخيارات اكثر هجومية ضد "قوى الشر" في المنطقة، اضافة الى محاولة فرض كوابح على "اسرائيل"... وعليه فإن المخاوف الاسرائيلية غير مرتبطة بمدى نجاح أو فشل هذه السياسات في الوصول إلى أهدافها المتوخاة غربيا أو اسرائيليا، وإنما لكونها تنطوي على مؤشرات ما قد تؤدي فيما لو توالت التطورات في سياقات محددة الى الدعوة للتعامل بواقعية مع الواقع السياسي المستجد في المنطقة وبموازين القوى الاقليمية التي هي في طور التشكل.
في كل الاحوال فإن هذا القرار لم يكن ليصدر عن الحكومة البريطانية لولا فشل "اسرائيل" وهزيمتها في حرب تموز 2006، وما ترتب عليها من تداعيات سياسية وغير سياسية تتصل بمراكمة قدرات حزب الله العسكرية الى مستويات لم يكن العدو ليتخيلها في مراحل سابقة، ولولا فشل السياسة الاميركية التي اعتمدها الرئيس السابق جورج بوش في المنطقة.
الانتقاد/ العدد1337 ـ 13 آذار/ مارس 2009