ارشيف من :آراء وتحليلات
ماذا حمل فيلتمان للفريق الذي رعاه وربّاه؟

كتب ابراهيم صالح
بالتأكيد ليس مساعد وزيرة الخارجية الاميركي جيفري فيلتمان الذي زار لبنان اخيراً لأيام عدة، بجديد على الساحة اللبنانية وتفاصيلها وصراعاتها، فهو سفير الادارة الاميركية الى بيروت طوال ما يقارب من ثلاثة اعوام، وهو "مندوبها فوق العادة" ابان فترة الرياح السياسية التي عصفت بلبنان منذ صدور القرار 1559، في صيف 2004، وما أعقب ذلك من احداث وتطورات دراماتيكية كارثية، لا سيما بعد حادث اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وليس جديداً القول ان فيلتمان هذا هو من أشرف إشرافاً مباشراً على ولادة الفريق الشباطي، ثم نشوئه، فقد كان بمثابة حبل السرة الذي غذاه ونماه ورعى خطواته الاولى.
لذا فـ"الحجاب" بين هذا الديبلوماسي الاميركي المخضرم والفريق الشباطي مكشوف تماماً، فهو يعرف تفاصيله، ويدرك اداءه ونقاط ضعفه وقوته، ويعي ايضاً تمام الوعي خط الصعود السريع والهبوط الاسرع لهذ الفريق.
ولم يكن مفاجئاً للكثيرين ان يكون فيلتمان، الموفد من ادارة اوباما، الثاني على هذا المستوى الذي وصل الى لبنان، ويشرع في جولة لقاءات مكثفة مع اركان الفريق الشباطي.
فالمعلومات التي سرت في أوساط الفريق عينه، ان فيلتمان هو الذي حمل اليهم "كلمة السر" الاميركية الحقيقية، وليس رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي جون كيري، الذي كان موفد الادارة الاميركية الاعلى الى بيروت ودمشق، بعدما شرعت هذه الادارة في الترجمة العملية لقرارها فتح ابواب الحوار الموصدة بإحكام منذ اعوام مع القيادة السورية.
وحسب المعلومات نفسها ما قاله كيري بالجملة وبشكل "برقي" لأركان الفريق الشباطي، عن سياسة الادارة الجديدة في البيت الابيض تجاه لبنان وبتوجهاتها في شأن المنطقة عموماً، تكفل فيلتمان بقوله لهم واسهب في شرح ابعاده، لدرجة ان الفريق الشباطي لم يخف شعوراً فحواه بأن فيلتمان هو الموفد الخاص للخارجية الاميركية اليه وحده.
وفي الخلاصة، لم يكن لكلام فيلتمان لهذا الفريق الصدى والدوي نفسه الذي كان له في السابق، وبمعنى آخر لم ينزل "بردا وسلاما" على مسامع رموز هذا الفريق، لذا لم يكن مرحباً به بالدرجة عينها التي كانت ابان كان سفيرا في لبنان وفق ما صار مشاعاً ومعروفاً في الكواليس السياسية المحيطة بهذا الفريق.
ابان وجوده سفيراً في بيروت لعب فيلتمان دور المحرض الدائم لهذا الفريق، ودور الداعي لهم الى القيام بجملة خطوات ضد الفريق الآخر وضد سوريا، اما في زيارته الاخيرة فقد طلب اليهم عكس ذلك تماماً.. دعاهم الى الجنوح نحو التهدئة والروية، لأن مقتضيات المرحلة تستلزم ذلك.
واذا كان هذا الديبلوماسي الاميركي، المشهور بعبوسه وتجهمه الدائم، يعلّم أركان الفريق الشباطي كيفية مناصبة سوريا العداء، وكيفية "محاصرة" أصدقائها وحلفائها في لبنان، فإنه كان مضطراً في رحلته الاولى الى بيروت بعد تسلمه منصبه الحالي (ما زال مساعداً لوزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط بالوكالة) ان يقنعهم بـ"فوائد" اعادة تطبيع العلاقات مع سوريا، وقد علل ذلك بما مفاده "انكم اخذتم من سوريا ما تريدونه، فقد اخذتم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، واخذتم التبادل الديبلوماسي، والاقرار بترسيم الحدود".
طبعا، وفق المعلومات اياها لم يكن فيلتمان وقحا ككيري، الذي طالب فريق الموالاة بالعمل بكل ما أوتي من قوة لكسب معركة الانتخابات النيابية المقبلة، والحيلولة دون حصول قوى المعارضة على اكثرية المقاعد النيابية، لكنه ابلغ اليهم بأن عليهم الاعتماد على انفسهم لخوض غمار هذه المعركة والفوز بها.
وبالطبع احاط فيلتمان الفريق الشباطي علما بأشياء وامور عدة يدركونها سلفاً لأنها عود على بدء.
واذا كان الفريق الشباطي (ولا سيما اركانه الذين يفاخرون بامتلاكهم "قرون استشعار" عن بعد، تنبئهم سلفا بمسار رياح التطورات الدولية والاقليمية الكبرى) يدرك ان حال الادارة السياسية في واشنطن لم تعد هي نفسها كما كانت ابان ادارة الرئيس جورج بوش، وان البيت الابيض الجديد يطوي صدره على توجهات بالنسبة لأوضاع المنطقة مغايرة تماما لأيام عهد "المحافظين الجدد" الذين عدوا لبنان زوراً اخر ساحات "انتصاراتهم" ومكاسبهم المعدودة في المنطقة. برغم ذلك فإن الادارة الاميركية الجديدة، تبدو مضطرة مع كل خطوة انفتاح وتحاور تقوم بها باتجاه دمشق، ان يحل موفدوها ضيوفاً على الفريق الشباطي في بيروت قبلا ليبثوا الطمأنينة في نفسه، ويعملوا على تبديد الهواجس التي تكون قد تراكمت في اذهان رموزه بين فترة واخرى.
لذا لم يكن غريبا على سبيل المثال وليس الحصر ان يردد فيلتمان "فكرة" اساسية كادت تكون واحدة في اعقاب كل زيارة كان يجريها لرمز من رموز الفريق الشباطي، ومفادها ان واشنطن لن تساوم على الساحة اللبنانية وعلى "الانجازات" التي تحققت فيها.
وبمعنى اخر بات لزاما على الادارة الاميركية الجديدة ان "تعقلن" الفريق الشباطي، وهو الفريق عينه الذي عملت ادارة جورج بوش الراحلة على حقنه طويلا بعناصر "التعبئة" والتحريض التي دفعت به في بعض المراحل الى ركوب مراكب المغامرة الخشنة وأوصلته إلى حافة الجنون والتعلق بسراب الأوهام الكاذبة وحبال الاماني الخادعة.
ومن المفارقات ان يكون السفير فيلتمان الذي ادى دور المحرض الاول والقائد المباشر لهذا الفريق نحو المغامرات الخائبة، هو نفسه اليوم الذي يكلف بمهمة "ترويض" هذا الفريق وكبح جماحه.
وعليه، ليس غريبا على احد رموز الفريق الشباطي كل هذا النزوع نحو التهدئة وكل هذا الجنوح نحو الخطاب الهادئ وكل هذا التمايز الذي يحرص على ابدائه بالنسبة لحراك حلفائه، فهو يعي ان ثمة مرحلة اخرى مختلفة تماما من مرحلة ما قبل 7 ايار، وبالتالي يتعين ان لا ينتظر الجميع "تعليمات" واشنطن وايحاءاتها، او يذهب الى دوائر القرار فيها عندما يتأخر وصول هذه التعليمات او تلتبس الامور.
وفي المقابل صار لزاما على فيلتمان وسواه ان يلعب دور المهدئ الدائم لأعصاب هذا الفريق بين فينة واخرى.. او بين خطوة وخطوة في المنطقة.
الانتقاد/ العدد1337 ـ 13 آذار/ مارس 2009
بالتأكيد ليس مساعد وزيرة الخارجية الاميركي جيفري فيلتمان الذي زار لبنان اخيراً لأيام عدة، بجديد على الساحة اللبنانية وتفاصيلها وصراعاتها، فهو سفير الادارة الاميركية الى بيروت طوال ما يقارب من ثلاثة اعوام، وهو "مندوبها فوق العادة" ابان فترة الرياح السياسية التي عصفت بلبنان منذ صدور القرار 1559، في صيف 2004، وما أعقب ذلك من احداث وتطورات دراماتيكية كارثية، لا سيما بعد حادث اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وليس جديداً القول ان فيلتمان هذا هو من أشرف إشرافاً مباشراً على ولادة الفريق الشباطي، ثم نشوئه، فقد كان بمثابة حبل السرة الذي غذاه ونماه ورعى خطواته الاولى.
لذا فـ"الحجاب" بين هذا الديبلوماسي الاميركي المخضرم والفريق الشباطي مكشوف تماماً، فهو يعرف تفاصيله، ويدرك اداءه ونقاط ضعفه وقوته، ويعي ايضاً تمام الوعي خط الصعود السريع والهبوط الاسرع لهذ الفريق.
ولم يكن مفاجئاً للكثيرين ان يكون فيلتمان، الموفد من ادارة اوباما، الثاني على هذا المستوى الذي وصل الى لبنان، ويشرع في جولة لقاءات مكثفة مع اركان الفريق الشباطي.
فالمعلومات التي سرت في أوساط الفريق عينه، ان فيلتمان هو الذي حمل اليهم "كلمة السر" الاميركية الحقيقية، وليس رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي جون كيري، الذي كان موفد الادارة الاميركية الاعلى الى بيروت ودمشق، بعدما شرعت هذه الادارة في الترجمة العملية لقرارها فتح ابواب الحوار الموصدة بإحكام منذ اعوام مع القيادة السورية.
وحسب المعلومات نفسها ما قاله كيري بالجملة وبشكل "برقي" لأركان الفريق الشباطي، عن سياسة الادارة الجديدة في البيت الابيض تجاه لبنان وبتوجهاتها في شأن المنطقة عموماً، تكفل فيلتمان بقوله لهم واسهب في شرح ابعاده، لدرجة ان الفريق الشباطي لم يخف شعوراً فحواه بأن فيلتمان هو الموفد الخاص للخارجية الاميركية اليه وحده.
وفي الخلاصة، لم يكن لكلام فيلتمان لهذا الفريق الصدى والدوي نفسه الذي كان له في السابق، وبمعنى آخر لم ينزل "بردا وسلاما" على مسامع رموز هذا الفريق، لذا لم يكن مرحباً به بالدرجة عينها التي كانت ابان كان سفيرا في لبنان وفق ما صار مشاعاً ومعروفاً في الكواليس السياسية المحيطة بهذا الفريق.
ابان وجوده سفيراً في بيروت لعب فيلتمان دور المحرض الدائم لهذا الفريق، ودور الداعي لهم الى القيام بجملة خطوات ضد الفريق الآخر وضد سوريا، اما في زيارته الاخيرة فقد طلب اليهم عكس ذلك تماماً.. دعاهم الى الجنوح نحو التهدئة والروية، لأن مقتضيات المرحلة تستلزم ذلك.
واذا كان هذا الديبلوماسي الاميركي، المشهور بعبوسه وتجهمه الدائم، يعلّم أركان الفريق الشباطي كيفية مناصبة سوريا العداء، وكيفية "محاصرة" أصدقائها وحلفائها في لبنان، فإنه كان مضطراً في رحلته الاولى الى بيروت بعد تسلمه منصبه الحالي (ما زال مساعداً لوزيرة الخارجية لشؤون الشرق الاوسط بالوكالة) ان يقنعهم بـ"فوائد" اعادة تطبيع العلاقات مع سوريا، وقد علل ذلك بما مفاده "انكم اخذتم من سوريا ما تريدونه، فقد اخذتم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، واخذتم التبادل الديبلوماسي، والاقرار بترسيم الحدود".
طبعا، وفق المعلومات اياها لم يكن فيلتمان وقحا ككيري، الذي طالب فريق الموالاة بالعمل بكل ما أوتي من قوة لكسب معركة الانتخابات النيابية المقبلة، والحيلولة دون حصول قوى المعارضة على اكثرية المقاعد النيابية، لكنه ابلغ اليهم بأن عليهم الاعتماد على انفسهم لخوض غمار هذه المعركة والفوز بها.
وبالطبع احاط فيلتمان الفريق الشباطي علما بأشياء وامور عدة يدركونها سلفاً لأنها عود على بدء.
واذا كان الفريق الشباطي (ولا سيما اركانه الذين يفاخرون بامتلاكهم "قرون استشعار" عن بعد، تنبئهم سلفا بمسار رياح التطورات الدولية والاقليمية الكبرى) يدرك ان حال الادارة السياسية في واشنطن لم تعد هي نفسها كما كانت ابان ادارة الرئيس جورج بوش، وان البيت الابيض الجديد يطوي صدره على توجهات بالنسبة لأوضاع المنطقة مغايرة تماما لأيام عهد "المحافظين الجدد" الذين عدوا لبنان زوراً اخر ساحات "انتصاراتهم" ومكاسبهم المعدودة في المنطقة. برغم ذلك فإن الادارة الاميركية الجديدة، تبدو مضطرة مع كل خطوة انفتاح وتحاور تقوم بها باتجاه دمشق، ان يحل موفدوها ضيوفاً على الفريق الشباطي في بيروت قبلا ليبثوا الطمأنينة في نفسه، ويعملوا على تبديد الهواجس التي تكون قد تراكمت في اذهان رموزه بين فترة واخرى.
لذا لم يكن غريبا على سبيل المثال وليس الحصر ان يردد فيلتمان "فكرة" اساسية كادت تكون واحدة في اعقاب كل زيارة كان يجريها لرمز من رموز الفريق الشباطي، ومفادها ان واشنطن لن تساوم على الساحة اللبنانية وعلى "الانجازات" التي تحققت فيها.
وبمعنى اخر بات لزاما على الادارة الاميركية الجديدة ان "تعقلن" الفريق الشباطي، وهو الفريق عينه الذي عملت ادارة جورج بوش الراحلة على حقنه طويلا بعناصر "التعبئة" والتحريض التي دفعت به في بعض المراحل الى ركوب مراكب المغامرة الخشنة وأوصلته إلى حافة الجنون والتعلق بسراب الأوهام الكاذبة وحبال الاماني الخادعة.
ومن المفارقات ان يكون السفير فيلتمان الذي ادى دور المحرض الاول والقائد المباشر لهذا الفريق نحو المغامرات الخائبة، هو نفسه اليوم الذي يكلف بمهمة "ترويض" هذا الفريق وكبح جماحه.
وعليه، ليس غريبا على احد رموز الفريق الشباطي كل هذا النزوع نحو التهدئة وكل هذا الجنوح نحو الخطاب الهادئ وكل هذا التمايز الذي يحرص على ابدائه بالنسبة لحراك حلفائه، فهو يعي ان ثمة مرحلة اخرى مختلفة تماما من مرحلة ما قبل 7 ايار، وبالتالي يتعين ان لا ينتظر الجميع "تعليمات" واشنطن وايحاءاتها، او يذهب الى دوائر القرار فيها عندما يتأخر وصول هذه التعليمات او تلتبس الامور.
وفي المقابل صار لزاما على فيلتمان وسواه ان يلعب دور المهدئ الدائم لأعصاب هذا الفريق بين فينة واخرى.. او بين خطوة وخطوة في المنطقة.
الانتقاد/ العدد1337 ـ 13 آذار/ مارس 2009