ارشيف من :أخبار عالمية
فتحت ملف "مقابر الأرقام": صفقة تبادل حزب الله تعيد الأمل الى الفلسطينيين بالإفراج عن رفات أبنائهم

غزة ـ فادي عبيد
"عاد الأمل ليطرق أبواب عشرات الأسر الفلسطينية التي حرمت سنوات طويلة من أبسط حقوقها الإنسانية في وداع أبنائها ودفنهم، لا لشيء إلا لأن المحتل أراد عقابها بعد أن اختار أبناؤها طريق العزة، ومضوا في سبيل الله استشهاديين".
هذا الملف بما يحمله من مآسٍ فُتح من جديد في أعقاب البدء بتنفيذ صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله اللبناني ودولة الكيان، حيث جددت عوائل الاستشهاديين المحتجزة جثامينهم لدى سلطات الاحتلال والبالغة نحو 200 أسرة، مطالباتها كل الأطراف المعنية وعلى رأسها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، والفصائل الفلسطينية الآسرة للجندي الصهيوني جلعاد شاليط، بضرورة الاهتمام بهذا الملف الذي لم تفلح كل الجهود والتحركات الدبلوماسية والسياسية في إنهائه.
شريط الذكريات
الاستشهادي حامد الرنتيسي، من ألوية الناصر صلاح الدين الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية، أحد الاستشهاديين المحتجزة جثامينهم، وأحد منفذي عملية الوهم المبدد في موقع كرم أبو سالم العسكري الصهيوني بتاريخ 25/06/2006م، بالاشتراك مع مجموعة من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وجيش الإسلام، والتي أسفرت عن مقتل جنديين صهيونيين وأسر ثالث.. التقينا والدته الحاجة أم محمد في منزله المتواضع في حي البرازيل بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، فعكست خلال حديثها مشاعر فرحة ممزوجة بالألم لعدم قدرتها على وداع ابنها.
تقول أم محمد: "إنها لا تطلب سوى أن تعرف مكان دفن ولدها الذي فارقها وهو في مقتبل العمر، وأن تتمكن من زيارة قبره لتسترجع شريط الذكريات".
وبرغم ما بدا عليها من تعب ومرض، إلا أن أم محمد أصرّت على أن تبرق بالتحية إلى السيد حسن نصر الله وأبطال المقاومة الإسلامية اللبنانية الذين أركعوا المحتل وظلوا بعزتهم وشموخهم.
عبد الله سكر شقيق الاستشهادي أنور سكر، أحد فارسَي عملية الصاروخ المزدوج مع الاستشهادي صلاح شاكر في بيت ليد عام 1995، التي نفذتها حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وتعد من أبرز العمليات التي أظهرت الفشل الأمني الصهيوني، حيث قتل خلالها نحو (20) جندياً وأصيب عشرات آخرون.
يقول عبد الله وهو متزوج وله 3 أبناء أكبرهم "أنور" تيمناً بشقيقه: "والدتي طرقت خلال السنوات الماضية الكثير من الأبواب الحقوقية والرسمية محلياً وخارجياً على أمل أن يُفرج عن رفات شقيقي، لكن تلك المحاولات لم تُكلل بالنجاح".
وعن المشاعر الأولية التي انتابت أسرته فور سماعها أنباء التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى بين حزب الله والاحتلال، وأن من بين الذين سيفرج عنهم رفات شهداء فلسطينيين، أوضح عبد الله أن أول ما تبادر إلى مخيلته وإخوته الأربعة هو مشهد تسلم جثمان أنور، وموكب تشييعه بعد هذه السنوات الطويلة. ويضيف عبد الله: ان كل ما ترجوه أسرته هو معرفة مكان دفن ابنها، وقبر تزوره كلما أرادت.
الاستشهادي محمود سالم من كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وأحد منفذي عملية ميناء أسدود بتاريخ 14/3/2004 برفقة الاستشهادي نبيل مسعود من كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح، لا يزال جثمانه محتجزاً..
"تفاءلنا في البداية بأن يكون جثمان محمود ضمن المفرج عنهم، لكن بعد أن علمنا التفاصيل أدركنا أن الأمر لن يحصل".. بهذه الكلمات بدأ الحاج أبو محمود والد الاستشهادي سالم حديثه معنا، غير أنه عاد وحيّا حزب الله وأمينه العام على إصرارهم أن تشمل الصفقة رفات شهداء فلسطينيين.
وطالب أبو محمود الفصائل الفلسطينية الآسرة للجندي شاليط أن تسعى لتشمل صفقة التبادل المرتقبة مع الاحتلال جثامين الاستشهاديين المحتجزة، كأقل تعبير عن الوفاء لهم ولدمائهم. مشدداً في الوقت ذاته على أن اللغة الوحيدة التي يفهما الاحتلال وقادته هي لغة القوة لاسترداد الحقوق.
جريمة كبرى
ما هو عدد الشهداء الفلسطينيين الذين تحتجز سلطات الاحتلال جثامينهم؟ وأين يدفنون؟ وما هو الدور الرسمي الفلسطيني على هذا الصعيد؟ هذه الأسئلة توجهنا بها إلى النائب عيسى قراقع مقرر لجنة الأسرى والشهداء والجرحى في المجلس التشريعي الفلسطيني، حيث أكد أن عدد الشهداء المحتجزين لدى كيان العدو في الضفة المحتلة وقطاع غزة يصل إلى نحو 180 شهيداً، وهم محتجزون فيما تعرف "بمقابر الأرقام" الموجودة شمالي فلسطين المحتلة، وفي أوضاع مهينة دينياً وأخلاقياً، حيث تخضع هذه المقابر لرقابة عسكرية، وتُرقّم جثامين الشهداء ويُحتفظ بأسمائهم، ومن ثم يُعطَون أرقاماً معينة تسجل على جثامينهم في سجلات سرية داخل وزارة الحرب.
وقال قراقع: "إن احتجاز رفات الشهداء يعد من أكبر الجرائم الإنسانية والدينية والقانونية التي ترتكبها تل أبيب"، مشدداً على "أن القوانين الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة تمنع احتجاز رفات الشهداء، وتلزم دولة الاحتلال بتسليمهم إلى ذويهم".
بالفرح استقبلت عوائل الاستشهاديين الأنباء عن صفقة تبادل الأسرى والإفراج عن جثامين بعض الاستشهاديين الفلسطينيين، وبالأمل حلمت بيوم تُقبل فيه ما تبقى من أجساد أبنائها الذين رسموا الطريق إلى فلسطين والقدس، ولسان حالهم يقول: "الحياة لا تتوقّف عند فقداننا غالياً أو عزيزاً، ومع سيل الشهداء المتدفق يجب الإيمان بأن الحياة مستمرة".
الانتقاد/ العدد 1280 ـ 11 تموز/ يوليو 2008
"عاد الأمل ليطرق أبواب عشرات الأسر الفلسطينية التي حرمت سنوات طويلة من أبسط حقوقها الإنسانية في وداع أبنائها ودفنهم، لا لشيء إلا لأن المحتل أراد عقابها بعد أن اختار أبناؤها طريق العزة، ومضوا في سبيل الله استشهاديين".
هذا الملف بما يحمله من مآسٍ فُتح من جديد في أعقاب البدء بتنفيذ صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله اللبناني ودولة الكيان، حيث جددت عوائل الاستشهاديين المحتجزة جثامينهم لدى سلطات الاحتلال والبالغة نحو 200 أسرة، مطالباتها كل الأطراف المعنية وعلى رأسها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، والفصائل الفلسطينية الآسرة للجندي الصهيوني جلعاد شاليط، بضرورة الاهتمام بهذا الملف الذي لم تفلح كل الجهود والتحركات الدبلوماسية والسياسية في إنهائه.
شريط الذكريات
الاستشهادي حامد الرنتيسي، من ألوية الناصر صلاح الدين الجناح العسكري للجان المقاومة الشعبية، أحد الاستشهاديين المحتجزة جثامينهم، وأحد منفذي عملية الوهم المبدد في موقع كرم أبو سالم العسكري الصهيوني بتاريخ 25/06/2006م، بالاشتراك مع مجموعة من كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وجيش الإسلام، والتي أسفرت عن مقتل جنديين صهيونيين وأسر ثالث.. التقينا والدته الحاجة أم محمد في منزله المتواضع في حي البرازيل بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة، فعكست خلال حديثها مشاعر فرحة ممزوجة بالألم لعدم قدرتها على وداع ابنها.
تقول أم محمد: "إنها لا تطلب سوى أن تعرف مكان دفن ولدها الذي فارقها وهو في مقتبل العمر، وأن تتمكن من زيارة قبره لتسترجع شريط الذكريات".
وبرغم ما بدا عليها من تعب ومرض، إلا أن أم محمد أصرّت على أن تبرق بالتحية إلى السيد حسن نصر الله وأبطال المقاومة الإسلامية اللبنانية الذين أركعوا المحتل وظلوا بعزتهم وشموخهم.

يقول عبد الله وهو متزوج وله 3 أبناء أكبرهم "أنور" تيمناً بشقيقه: "والدتي طرقت خلال السنوات الماضية الكثير من الأبواب الحقوقية والرسمية محلياً وخارجياً على أمل أن يُفرج عن رفات شقيقي، لكن تلك المحاولات لم تُكلل بالنجاح".
وعن المشاعر الأولية التي انتابت أسرته فور سماعها أنباء التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى بين حزب الله والاحتلال، وأن من بين الذين سيفرج عنهم رفات شهداء فلسطينيين، أوضح عبد الله أن أول ما تبادر إلى مخيلته وإخوته الأربعة هو مشهد تسلم جثمان أنور، وموكب تشييعه بعد هذه السنوات الطويلة. ويضيف عبد الله: ان كل ما ترجوه أسرته هو معرفة مكان دفن ابنها، وقبر تزوره كلما أرادت.
الاستشهادي محمود سالم من كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، وأحد منفذي عملية ميناء أسدود بتاريخ 14/3/2004 برفقة الاستشهادي نبيل مسعود من كتائب شهداء الأقصى الجناح العسكري لحركة فتح، لا يزال جثمانه محتجزاً..
"تفاءلنا في البداية بأن يكون جثمان محمود ضمن المفرج عنهم، لكن بعد أن علمنا التفاصيل أدركنا أن الأمر لن يحصل".. بهذه الكلمات بدأ الحاج أبو محمود والد الاستشهادي سالم حديثه معنا، غير أنه عاد وحيّا حزب الله وأمينه العام على إصرارهم أن تشمل الصفقة رفات شهداء فلسطينيين.
وطالب أبو محمود الفصائل الفلسطينية الآسرة للجندي شاليط أن تسعى لتشمل صفقة التبادل المرتقبة مع الاحتلال جثامين الاستشهاديين المحتجزة، كأقل تعبير عن الوفاء لهم ولدمائهم. مشدداً في الوقت ذاته على أن اللغة الوحيدة التي يفهما الاحتلال وقادته هي لغة القوة لاسترداد الحقوق.
جريمة كبرى
ما هو عدد الشهداء الفلسطينيين الذين تحتجز سلطات الاحتلال جثامينهم؟ وأين يدفنون؟ وما هو الدور الرسمي الفلسطيني على هذا الصعيد؟ هذه الأسئلة توجهنا بها إلى النائب عيسى قراقع مقرر لجنة الأسرى والشهداء والجرحى في المجلس التشريعي الفلسطيني، حيث أكد أن عدد الشهداء المحتجزين لدى كيان العدو في الضفة المحتلة وقطاع غزة يصل إلى نحو 180 شهيداً، وهم محتجزون فيما تعرف "بمقابر الأرقام" الموجودة شمالي فلسطين المحتلة، وفي أوضاع مهينة دينياً وأخلاقياً، حيث تخضع هذه المقابر لرقابة عسكرية، وتُرقّم جثامين الشهداء ويُحتفظ بأسمائهم، ومن ثم يُعطَون أرقاماً معينة تسجل على جثامينهم في سجلات سرية داخل وزارة الحرب.
وقال قراقع: "إن احتجاز رفات الشهداء يعد من أكبر الجرائم الإنسانية والدينية والقانونية التي ترتكبها تل أبيب"، مشدداً على "أن القوانين الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة تمنع احتجاز رفات الشهداء، وتلزم دولة الاحتلال بتسليمهم إلى ذويهم".
بالفرح استقبلت عوائل الاستشهاديين الأنباء عن صفقة تبادل الأسرى والإفراج عن جثامين بعض الاستشهاديين الفلسطينيين، وبالأمل حلمت بيوم تُقبل فيه ما تبقى من أجساد أبنائها الذين رسموا الطريق إلى فلسطين والقدس، ولسان حالهم يقول: "الحياة لا تتوقّف عند فقداننا غالياً أو عزيزاً، ومع سيل الشهداء المتدفق يجب الإيمان بأن الحياة مستمرة".
الانتقاد/ العدد 1280 ـ 11 تموز/ يوليو 2008